العدسة – باسم الشجاعي

في صفعة مفاجئة لدولة الإمارات العربية المتحدة، قررت دولة جيبوتي الإفريقية إنهاء عقدها مع موانئ دبي العالمية لتشغيل محطة “دوراليه” للحاويات، والتي تعتبر حجر عثرة أمام محاولتها للسيطرة على أكبر وأهم الموانئ في القارة السمراء.

وعن أسباب فسخ العقد، قال بيان صادر عن مكتب الرئيس الجيبوتي، اطلع موقع “العدسة” على نسخة منه: إن إنهاء العقد جاء بعد الإخفاق في حل نزاع طال أمده بين الجانبين بدأ في 2012.

وبذلك ستخضع محطة حاويات “دوراليه” لسلطة شركة إدارة محطة حاويات دوراليه المملوكة بالكامل للحكومة، التي قالت إن القرار يأتي لحماية “السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي” للبلاد.

قرار جيبوتي، يأتي استمرارا لمسيرة بدأتها الدولة الإفريقية في ديسمبر الماضي، بتطبيق القانون المناهض لعقد الامتياز المبرم بين موانئ دبي العالمية و”دوراليه كونتينر ترمينال – إس إيه” والحكومة فيما يتعلق بمحطة الحاويات في دوراليه.

وتُوِّج هذا الجهد بالطلب النهائي بإعادة التفاوض على العقد بحلول 21 فبراير، وإنهاء ذلك العقد بموجب مرسوم رئاسي بتاريخ 22 من الشهر نفسه، ومصادرة جميع أصول محطة “دوراليه كونتينر ترمينال – إس إيه”.

موانئ دبي العالمية، اعتبرت القانون ومحاولة حكومة جيبوتي تطبيق بنوده ومصادرة الممتلكات انتهاكا لالتزامات الحكومة بموجب اتفاقاتها المبرمة معها منذ عام 2004.

أهمية جيبوتي لدبي

بالمرور على القرن الإفريقي والدول المشاطئة للبحر الأحمر من جهة إفريقيا، تجد أن الإمارات تعمل على بسط نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، لأسباب عدة.

ومن بين هذه الدولة، كانت جيبوتي التي منحت عقد تشغيل وإدارة ميناء “دوراليه” لمجموعة موانئ دبي العالمية، ويمتد عشرين عاما منذ عام 2004، تملك من خلاله حصة 33% في ميناء دوراليه في جيبوتي، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمحطة 1.25 مليون حاوية نمطية”.

ويعتبر ميناء “دوراليه”، ذا أهمية قصوى في إفريقيا؛ حيث يقع بمحاذاة أحد الممرات البحرية الأكثر استخدامًا في العالم بين المحيط الهندي وقناة السويس، كما تشهد حركة الذهاب والإياب لسفن الشحن في تزايد مستمر بنسبة تتراوح بين 6 و10% سنويًا.

واحتل الميناء مكانة إقليمية عالية، بعد النزاع الحدودي بين إريتريا وإثيوبيا ما بين 1998-2000، وإغلاق منافذ إريتريا البحرية أمام إثيوبيا -الدولة غير الساحلية والأكثر اكتظاظًا بالسكان في القرن الإفريقي.

من البداية للنهاية

في عام 2005 وقع “سلطان أحمد بن سلّيم”، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي وياسين علمي بوح وزير المالية في جمهورية جيبوتي اتفاقية تعاون مع جمارك دبي، والتي كان يفترض أن تستمر 21 عاماً، تقوم خلالها الإمارات بإدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش. كما كان يفترض أن توفر جمارك دبي نظاماً متطوراً لتقنية المعلومات إضافة إلى إقامة البرامج التدريبية لمختلف فئات الكادر الوظيفي في جمارك جيبوتي.

لكن شهر العسل بين الدولتين انتهى بعد أن اتهمت حكومة جيبوتي موانئ دبي في 2014 بتقديم رشاوى لرئيس هيئة الميناء والمنطقة الحرة في جيبوتي آنذاك عبدالرحمن بوريه، لضمان الفوز بعقد امتياز إدارة محطة وميناء دوراليه للنفط، ما دفع بالرئيس “إسماعيل عمر غيله”، لفسخ التعاقد من جانب واحد، لكن محكمة لندن للتحكيم الدولي رفضت في مارس 2016 اتهامات حكومة جيبوتي لموانئ دبي وألزمتها بنفقات الدعوى.

وفي  ديسمبر 2017، سعت حكومة جيبوتي إلى تطبيق القانون المناهض لعقد الامتياز المبرم بين موانئ دبي العالمية و”دوراليه كونتينر ترمينال -أس إيه” والحكومة فيما يتعلق بمحطة الحاويات في دوراليه.

وتوج هذا الجهد بالطلب النهائي بإعادة التفاوض على العقد بحلول 21 فبراير 2018، وإنهاء ذلك العقد بموجب مرسوم رئاسي بتاريخ 22 فبراير 2018 ومصادرة جميع أصول محطة “دوراليه كونتينر ترمينال – أس إيه”.

لماذا الموانئ؟

الإمارات لا تعمل لبسط نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، لمجرد طموح اقتصادي وحسب، بل تسعى إلى صياغة سياسة خارجية واضحة لتحديد مصالحها الأمنية والاستراتيجية تجاه هذه المنطقة الحيوية.

وتدير الإمارات من خلال مجموعة “موانئ دبي العالمية”، 78 ميناء بحريا وبريا في 40 دولة في مختلف أنحاء العالم.

وتريد أبوظبي من خلال النفوذ الاقتصادي التاثير على دول الجوار وعبر العالم أيضًا، لتتمتع بحصانة سياسية تحميها من الحملات السياسية التي تطالبها بالكف عن ملاحقة المعارضين والسماح بنوع من التعددية السياسية والسماح بتأسيس أحزاب ونقابات وما شابه ذلك.

كما أنها تبحث عن مناطق بعيدة عن نفوذ السعودية التي تركت لها الإمارات “قيادة” الخليج والعالم الإسلامي، لتخلق لنفسها دورًا أشد أهمية وتأثيرًا خارج محيطها الإقليمي الخليجي المليء بالنزاعات ومحاولات السيطرة، وخاصة أنه لم يعد البترول وحده هو المحرك ولا عمود الأساس لأبوظبي، والتي تعلم جيدًا أن مخزوناتها من النفط والغاز الطبيعي لن تستمر إلى الأبد وأنه لابد من أعمدة أخرى يستند إليها اقتصادها.

المصالح أولا

لم يشفع موقف دولة جيبوتي في تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لدى دولة قطر، ومساندة دول الحصار (من بينهم الإمارات) على الدوحة لها في مايو الماضي.

فقد قررت دبي البدء في تحكيم دولي جديد في 20 فبراير 2018 في لندن ضد الحكومة الجيبوتية لإثبات صحة الاتفاقية وإلزاميتها ولإيجاد حل مؤقت.

[/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]