يحشد العاهل الأردني، الملك “عبدالله”، شعبه قبل الكشف عن خطة “ترامب” للسلام في الشرق الأوسط، التي ينوي إطلاقها في شهر يونيو/حزيران، والتي تهدف إلى إنهاء عقود من الصراع العربي الإسرائيلي.
ومنذ عودته من زيارة عمل في واشنطن، في مارس/آذار، حيث التقى بفريق “ترامب” للسلام بقيادة صهره “جاريد كوشنر”، كان الملك “عبدالله” صاخبا بشكل غير عادي في دفاعه عن موقفه من القدس الشرقية، خاصة الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في البلدة القديمة، ورفضه أي خطة من شأنها تقويض استقرار الأردن.
ويعقد الملك اجتماعات منتظمة مع المسؤولين المحليين وقادة القبائل والشخصيات الإعلامية في القصر الملكي، ويزور المحافظات في جميع أنحاء المملكة.
وفي 21 مارس/آذار، أثناء زيارته لمحافظة “الزرقاء” خارج عمان، تعهد الملك “عبدالله” بمواصلة حماية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، واصفا إياها بأنها “خط أحمر”.
وكشف أيضا أنه يتعرض لضغوط لتغيير دور الأردن التاريخي باعتباره الوصي على الأماكن المقدسة في القدس، وفي حين أنه لم يحدد نوع الضغط الذي كان يواجهه، أعلن أنه لن يغير أبدا موقفه تجاه القدس في حياته، مضيفا أن “جميع الشعب معه”.
وبالإضافة إلى موقفه من القدس، عبر الملك عن رفضه لمحاولات تسوية وضع اللاجئين الفلسطينيين في المملكة، وبالتالي التضحية بحق العودة، وتحويل الأردن إلى دولة فلسطينية بديلة، وهو ما يسمى بـ”خيار الأردن”.
وضربت المسألتان الأخيرتان وترا حساسا، لا سيما بين الأردنيين في الضفة الشرقية لنهر الأردن، الذين كانوا يخشون على مر العقود أن يتم التوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية على حسابهم.
وكثيرا ما ادعى الساسة الإسرائيليون المتطرفون أن الأردن، حيث يقيم ملايين الفلسطينيين كمواطنين ولاجئين، هي دولة فلسطين بحكم الواقع.
لكن من خلال توقيع معاهدة سلام تاريخية مع (إسرائيل) عام 1994، أعلن المسؤولون الأردنيون أن ما يسمى بـ”خيار الأردن” قد تم دفنه للأبد.
وكان الملك “عبدالله” مؤيدا قويا لحل الدولتين، على الرغم من أن انتخاب “ترامب” عام 2016 كان إعلانا عن خروج كبير عن عقود من السياسة الأمريكية الرسمية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي البداية، اعتقد الملك أن علاقاته الوثيقة مع المشرعين الأمريكيين في الحزبين من شأنها كبح جماح البيت الأبيض، مع الحفاظ على الدعم الدولي للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض من شأنها أن توفر دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
لكن “ترامب”، وعبر دعمه القوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، سارع إلى الابتعاد عن صيغة الدولتين، ومن ثم اتخذ القرار المثير للجدل، والانفرادي، في ديسمبر/كانون الأول 2017، بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك.
وبالنسبة للفلسطينيين والملك “عبدالله”، يكمن مصير القدس الشرقية في قلب قضايا الوضع النهائي التي يجب أن يتم حلها من خلال المفاوضات، وكانت خطوة “ترامب” أحادية الجانب قد أخرجت القدس عن طاولة المفاوضات، وهو أمر تعهد المرشحون السابقون للرئاسة الأمريكية بالقيام به، فقط ليتراجعوا عنه بعد انتخابهم.
وعلى الرغم من اعتماد الأردن على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، حيث يحصل على نحو 1.5 مليار دولار سنويا، لم يتوان الملك “عبدالله” عن انتقاد “ترامب” علنا وبقوة.
وقد أخذ الأردن زمام المبادرة في حشد الدعم الدولي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين، عندما علقت الولايات المتحدة مساهماتها المالية في ميزانيتها عام 2018.
واعتبرت الولايات المتحدة أن وقف تمويل “الأونروا” خطوة أخرى لطرح مصير اللاجئين الفلسطينيين عن الطاولة، والأهم من ذلك، كان هذا يعني أن الأردن والدول المضيفة الأخرى ستضطر إلى تسوية وضع اللاجئين الفلسطينيين وقبولهم كمواطنين بحقوق كاملة.
وفي المراحل الأولى من خطة “ترامب”، حاول الملك التأثير على “كوشنر” وشريكه، مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط “جيسون غرينبلات”، من خلال لقائهما مرارا وتكرارا في زياراتهما للمنطقة.
وبينما يقول الأردن رسميا إنه لم يتم إطلاعه على تفاصيل ما يسمى بـ”صفقة القرن”، فمن الواضح أن لقاء الملك مع “كوشنر”، في مارس/آذار الماضي، لم يسر على ما يرام.
وتقول مصادر دبلوماسية إن الملك شكا لأعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ من مستوى التشاور مع البيت الأبيض، وقد بدا متشائما بشأن احتمالات نجاح خطة “ترامب”، واصفا إياها بأنها صفقة اقتصادية أكثر من كونها خطة سلام، كما أعرب عن خيبة أمله لعدم إطلاعه على الجوانب التي تتعلق بالمصالح الأردنية من الخطة.
ومن خلال تعبئة مواطنيه، يرسل الملك “عبدالله” رسالة إلى الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وحتى تلك الدول العربية التي قد تغريها دراسة خطة “ترامب” المقترحة.
ومنذ خطابه في الزرقاء، استمر الأردنيون في تنظيم مسيرات لدعم الملك، وفي ذلك الإطار يأتي اجتماعه الأخير مع المشرعين من جماعة الإخوان المسلمين، كخطوة نحو تعزيز الجبهة الداخلية.
وخارجيا، يتلقى الملك الدعم لدوره في القدس من تركيا واليونان وقبرص وقطر، وكذلك من جامعة الدول العربية.
وفي حين أن مخاوفه بشأن ما تتضمنه الخطة حقيقية، لكن الملك يخشى أيضا من استقطاب الدول العربية، وانقسام المجتمع الدولي حول دعم حل الدولتين، ويعتبر الأردن فوز “نتنياهو” الانتخابي الأخير بمثابة خطر إضافي.
وتعهد “نتنياهو” بضم أجزاء جديدة من الضفة الغربية، وكانت علاقته بالأردن، خاصة فيما يتعلق بدور المملكة في الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى، متوترة على الدوام.
ومن خلال حشد شعبه الآن، يستعد الملك “عبدالله” للأيام الصعبة المقبلة، وبصرف النظر عن الفلسطينيين، سوف يخسر الأردن أكثر من غيره من البلاد إذا أثرت الخطة المقترحة على دور المملكة في القدس، أو مصير أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني يقيمون في الأردن.
لكن يبقى السؤال هو كيف سيكون رد فعل الملك على الخطة بمجرد الكشف عنها رسميا؟ ولا يمكن أن يكون التوقيت المقترح لكشف النقاب عن الخطة أسوأ بالنسبة للأردن من الناحية الاقتصادية.
وتكافح المملكة مع معدل بطالة وصل إلى 18%، ومعدل فقر بلغ 15%، ونمو اقتصادي بطيء، وارتفاع في تكاليف المعيشة، وأكثر من 30 مليار دولار من الديون الخارجية، ومن المؤكد أنها لا ترغب في أن تجد نفسها على خلاف مع رئيس أمريكي مزاجي لا يحب أن تتم معارضته.
ويبدو أن البيت الأبيض يسعى إلى طمأنة الملك “عبدالله” قبل إطلاق الخطة، ففي 24 أبريل/نيسان، كتب “غرينبلات” تغريدة موجهة أساسا إلى الملك “عبدالله”، ولقد قال: “الأردن وملكها حلفاء أقوياء للولايات المتحدة، إن الشائعات التي تشير إلى أن رؤيتنا للسلام تتضمن كونفدرالية بين الأردن و(إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، أو أن الرؤية تفكر في جعل الأردن وطنا للفلسطينيين، غير صحيحة، يرجى عدم نشر هذه الشائعات”.
وربما ينجح هذا إلى حد ما في تهدئة المخاوف الأردنية، في انتظار الكشف عن الخطة خلال الأسابيع المقبلة.
المصدر: الخليج الجديد
اضف تعليقا