بعد أكثر من عامين من ترقب إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطتها لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والمعروفة إعلاميًا بـ«صفقة القرن»، أخذت واشنطن الخطوة الأولى تجاه هذا الإعلان خلال الشهر الجاري بالدعوة إلى ما أسمته «ورشة عمل اقتصادية» تعقد في العاصمة البحرينية المنامة يومي 25 و26 يونيو المقبل.

ومن المنتظر أن يُعلن الشق الاقتصادي من خطة ترامب خلال الورشة التي ستعقد تحت شعار «السلام من أجل الازدهار»، والتي قال بيان مشترك بين الولايات المتحدة والبحرين إنها تهدف إلى «حشد الدعم للاستثمارات والمبادرات الاقتصادية المحتملة التي يمكن تحقيقها من خلال اتفاقية السلام»، دون التطرق للقضايا السياسية التي ستعلن عنها واشنطن في وقت لاحق لم يتم تحديده.

وقال مسؤول حكومي مصري على صلة بملف عملية السلام إن واشنطن قررت تأجيل طرح الشق السياسي من المبادرة لعدة أسابيع -على الأقل- لسببين، أولهما «الانتظار ريثما يتضح مصير حالة التشاحن التي تشهدها منطقة الخليج حاليًا»، والثاني هو نصيحة تلقتها من كل من الإمارات والسعودية بأن تكون البداية «بدفعة اقتصادية من شأنها تحفيز الأطراف على الانخراط في المسار السياسي».

 

وأضاف المسؤول في مقابلة مع «مدى مصر» أن رفض السلطة الفلسطينية المشاركة في أعمال ورشة المنامة من شأنه أن يجعل الاجتماع «أقرب إلى مؤتمر للمانحين» منه إلى قمة معنية بالتسوية في الشرق الأوسط، حيث يتوقع أن تهدف الولايات المتحدة إلى الحصول على تعهدات محددة ومعلنة من وزراء المالية ورجال الأعمال الحاضرين بمعونات واستثمارات سيتم توجيهها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وعدد من الدول المجاورة في إطار التسوية الموعودة.

وأوقفت السلطة الفلسطينية أي اتصالات مع إدارة ترامب إثر اعتراف الأخيرة بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، وأعلن كبار مسؤولي السلطة مقاطعة ورشة المنامة التي اعتبروها رشوة للفلسطينيين للقبول باستمرار الاحتلال. وفيما لا يزال الغموض يكتنف تفاصيل خطة ترامب للتسوية، فإن مصادر دبلوماسية مصرية وغربية تحدثت إلى «مدى مصر» في القاهرة كشفت عن بعض العناصر الأساسية التي ستتضمنها الخطة، أو بالأحرى لن تتضمنها، على النحو التالي:

 

الدولة

الصفقة لن تشمل أي إشارة لقيام «دولة فلسطينية»، بعد أن كان يفترض أن تفضي عملية السلام إلى منح الفلسطينيين «دولة قابلة للحياة وذات سيادة وأراضٍ متصلة» بحسب أدبيات عملية التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط، والتي بدأت فعليًا في مؤتمر مدريد للسلام وتأسست مرجعياتها الحاكمة في اتفاقية أوسلو منتصف التسعينات.

«نحن نتحدث بالأحرى عن حكم ذاتي موسع»، بحسب سفير لدولة أوروبية في القاهرة. واتفق المسؤول المصري -الذي اشترط عدم ذكر اسمه- على أن المبادرة الأمريكية ستتحدث عن إقامة «كيان» للفلسطينيين دون الإشارة إلى دولة، لكنه أضاف أن القاهرة اقترحت أن يتضمن نص المبادرة الأمريكية إشارة عمومية إلى «مفهوم الدولة» أو statehood، «حتى لا توصف المبادرة بأنها تنازل عن حلم الدولة الفلسطينية»، بحد تعبيره.

وتعتقد مصر أن إسرائيل يمكن أن تقبل بإشارة غير ملزمة إلى تطلع الفلسطينيين إلى إنشاء دولة محتملة وعلى المدى البعيد.

 

الحدود

«الكيان» الفلسطيني المنتظر لن تكون له حدود دولية، لكن الوثيقة الأمريكية يتوقع أن تشمل إشارات إلى حدود مساحات الحكم الذاتي التي ستضم غزة وبعض أحياء الضفة الغربية، بحسب مصدر دبلوماسي مطلع يقيم في القاهرة، أضاف أن تلك المساحات ستكون لها معابر مشتركة وخاضعة للمراقبة مع كل من إسرائيل ومصر، أغلبها بري وأحدها مائي، ولكن دون مطار.

حدود منطقة الحكم الذاتي لن تكون عائقًا -بحسب الوثيقة- في حال وجود ما تقدر إسرائيل أنه تهديد أمني، وسيكون على السلطة الفلسطينية العمل مع السلطات الإسرائيلية لمواجهة سريعة لهذا التهديد. كما سيكون على السلطة الفلسطينية قبول أن حدود الكيان الفلسطيني لن تشمل أي أراضٍ خلف الجدار العازل الذي بنته إسرائيل في مطلع الألفية، رغم قرار من محكمة العدل الدولية بعدم مشروعيته؛ كما سيكون من حق إسرائيل ضم ما تصفه بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة، مع تفكيك عدد محدود للغاية من المستوطنات. وفيما يتعلق بغزة، قال المصدر إنها ستكون «مفتوحة بترتيبات أمنية محددة على امتدادها الطبيعي في شرقي مصر، حيث ستكون هناك مشروعات استثمارية كبيرة تقام في شمال سيناء ويمكن للفلسطينيين الذين يحصلون على موافقات أمنية متوازية من كل من مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية أن يعملوا بها».

المسؤول المصري لم يؤكد أو ينف التسريبات التي تتحدث عن مشروعات في سيناء ضمن خطة التشوية، لكنه أكد إن تضمين شمال سيناء في الجانب الاقتصادي من صفقة القرن «لن يشكل أي مساس بالوضع القانوني للأراضي المصرية، وأن ما يجري الحديث عنه هو مساحات مقترحة لمنطقة تجارة حرة تشمل مصر وإسرائيل والفلسطينيين وربما دولًا أخرى عربية وغربية».

ولفت المسؤول إلى أن مسار التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط في السابق شمل دومًا حديثًا عن أنماط من هذا التعاون متعدد الأطراف، وأن اتفاقية 2005 لتشغيل معبر رفح الحدودي الرابط بين الأراضي الفلسطينية ومصر بمشاركة من الاتحاد الأوروبي مثلت نوعًا من أنواع هذا التعاون المشترك.

 

القدس

قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس في 2018 كان إنهاءً غير قابل للرجعة لأي مسعى فلسطيني للتفاوض حول ما تعنيه «القدس الشرقية» التي يفترض بحسب قرارات القمم العربية التالية لمبادرة السلام في 2002 أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية.

الخطة الأمريكية سوف تتضمن الإشارة إلى بلدة أبو ديس الملاصقة للقدس، ليس بوصفها عاصمة لأن لا دولة هناك، وإنما ستشير لكونها «مقر السلطة الفلسطينية» المسؤولة عن الحكم الذاتي للفلسطينيين.

إحدى المسودات الأولى للخطة الأمريكية كانت قد تحدثت عن أبو ديس مع إضافة شارعين من أنحاء القدس الشرقية، ثم تم تغيير الأمر قليلًا بعد تدخل من العاهل السعودي – في مواجهة سلاسة في قبول مقترح أبو ديس كان ولي العهد السعودي قد أبداها- لتصبح الإشارة إلى أبو ديس مع جزء من القدس الشرقية يضم الأحياء العربية، على أن تكون الترتيبات الأمنية في هذا الجزء مختلفة عن الترتيبات داخل بلدة أبو ديس.

أما فيما يخص الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس الشرقية فإن مسؤولًا خليجيًا أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده تأمل في أن تتضمن المبادرة ترتيبات خاصة لإدارة المقدسات الإسلامية -بالتنسيق مع الأردن والسعودية- تفاديًا لاستغلال القضية من جانب الحركات الإسلامية.

 

اللاجئون

«قُضي الأمر وانتهى»، بحسب مصدر دبلوماسي عربي في القاهرة، فهناك اتفاق بين أغلب الأطراف أن مسألة «حق العودة» قد أصبحت من الأدبيات التي تنتمي لمرحلة ما قبل وصول ترامب للحكم في الولايات المتحدة .

كان الطرح الأبرز لعودة اللاجئين إلى «أراضي الدولة الفلسطينية» الناشئة – وليس أبدًا لأراضيهم الأصلية التي اضطروا لهجرتها والتي أصبحت الآن جزء من المدن الإسرائيلية – كان قد قدمه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بعد حصوله على موافقة صعبة في حينه من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، وتمثل في عودة نحو 25 ألفًا من اللاجئين من الجيل الأول الذي رحل عن أرض فلسطين التاريخية في عام 1948، وبعض من أبناء الجيل الثاني الذي تعرض للتهجير بعد هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل في 1967.

هذا الرقم رفضه عرفات وقتها، بحسب مصادر مصرية وفلسطينية في حينه، لأنه كان يمثل نحو خمس «العدد الرمزي» الذي كان يمكن أن يقبل به وهو 100 ألف لاجئ على أن يعود بعضهم لقراهم الأصلية.

وبحسب أحد دبلوماسيّ التفاوض لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي فإن إيهود أولمرت، الذي أصبح رئيسًا لوزراء إسرائيل من 2006 وحتى 2009 وشارك الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس في مفاوضات أنابوليس في خريف 2007 كان قد وافق على نحو 30 ألف لاجئ دون عودة أي منهم إلى القرى الأصلية. اليوم تتفق المصادر الدبلوماسية، نقلًا عن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، أن نتنياهو لن يقبل بعودة «ولا لاجئ واحد»، بل لن يقبل بأي إشارة ولو غير مباشرة إلى «حق العودة»، وأنه غير معني بكل ما يقال في وثائق الأمم المتحدة عن «حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف» بما فيها حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره وممتلكاته التي شُرد منها. وبحسب ذات المصادر، فإن العواصم الخليجية أجرت تفاهمات واسعة ومفصلة تهدف إلى توطين الفلسطينيين وتجنيسهم بجنسية البلدان التي يقيمون فيها، أو نقلهم من بلدان يقيمون فيها ولا تقبل منحهم الجنسية إلى اخرى تقبل بهم مقابل تقديم استثمارات أو صفقات كبيرة.

 

الأمن

تضمن الوثيقة لإسرائيل الاحتفاظ الكامل بغور نهر الأردن والإبقاء على «ترتيبات أوسلو الأمنية» وتطوير بعض تفاصيلها بمعاونة ومشاركة عربية-أوروبية-أمريكية، دون أي دور للأمم المتحدة.

ويقول أحد المصادر الغربية إن هناك «بحسب ما فهمت عبارات واضحة في الوثيقة مفادها، بل وربما نصها، أن أمن إسرائيل أمر أساسي ولازم لضمان السلام في الشرق الأوسط وأن الولايات المتحدة وشركاءها في المنطقة ملتزمون بضمان هذا الأمن وأن الفلسطينيين مطالبون بالعمل على ضمان الأمن الإسرائيلي، وبالتالي فلن تمنح الوثيقة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني حق السيادة على الملف الأمني».

 

المياه

وثيقة ترامب ستشير إلى ما يفيد إمداد الشعب الفلسطيني في مناطقه «بما يكفي استخداماته الرشيدة من المياه»، بحسب المصادر، دون إشارة إلى سلطة مباشرة حتى لكيان الحكم الذاتي الجديد على أي موارد مائية.

كان ملف المياه يقع ضمن الأكثر تعقيدًا من بين ما عرف باسم «قضايا الوضع النهائي» في مفاوضات الشعب الفلسطيني مع إسرائيل بالنظر إلى حرص الأخيرة على استغلال الموارد المائية للضفة الغربية بالسيطرة على جميع مصادر المياه السطحية والجوفية وإخضاعها لسيطرة الحاكم العسكري بعد احتلالها لكامل الأراضي الفلسطينية في عام 1967، وهي السيطرة التي استمرت حتى الآن مع فشل المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين في التوصل لأي اتفاقات حول الأمر في إطار اتفاق أوسلو. ورغم اعتراف إسرائيلي فضفاض في سياق أوسلو بحقوق فلسطينية في الموارد المائية فقد اقتصرت صلاحيات السلطة الفلسطينية على إدارة كميات محدودة من المياه طالما اشتكت من عجزها عن الوفاء بالاحتياجات الأساسية للفلسطينيين. كما أتاح بناء الجدار الإسرائيلي العازل لسلطات الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على المزيد من الموارد المائية الفلسطينية المتمثلة في الآبار الارتوازية في الضفة الغربية.

 

إنهاء الصراع

ستتحدث الصفقة عن «إنهاء كامل ونهائي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي»، بما يتيح للجميع العيش بأمان في المنطقة. وتنص أيضًا على قيام علاقات طبيعية بين إسرائيل وكل دول المنطقة، بما يشمل التعاون الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية والتعاون السياسي والأمني خاصة في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي للدول الراعية للإرهاب.

وستشير الوثيقة إلى منح الشعب الفلسطيني حياة أكثر رفاهة وأقل توترًا، تشمل فرص عمل أكبر ومستويات بيئية أفضل ونظرة أكثر إيجابية للمستقبل. في المقابل ستتحدث الصفقة عن ضمان كل مقومات البقاء الآمن لإسرائيل الديمقراطية، وعن التزام كل دول المنطقة بضمان هذا البقاء والابتعاد عن كل ما من شأنه الترويج إلى غير ذلك.

 

مواقف الأطراف

مصدر فلسطيني شديد القرب من الرئيس محمود عباس أكد مجددًا في تصريحات لـ«مدى مصر» أن «السلطة الفلسطينية وأبو مازن لن يقبلوا بهذا الطرح ولا يستطيع أي فلسطيني أن يقبل به، ولو أرادت أي عاصمة عربية أن تقبل به فلتعلن ذلك للشعوب العربية».

ويضيف مصدر غربي أن عباس «رفض فيما يبدو عرضًا ماليًا سخيًا قدمه له ولي العهد السعودي» للقبول بما تقدمه صفقة القرن بوصفه إنقاذًا لما يمكن إنقاذه، كما رفض مقترحًا مصريًا يشمل القبول بالصفقة كنص قابل للتفاوض وليس نصًا نهائيًا باعتبار أن شيئًا خير من لا شيء، وأن التيار العالمي لم يعد داعمًا للقضية الفلسطينية، وأن الانشغال العالمي والعربي الأول الآن هو بمحاربة الإرهاب.

بحسب المسؤول المصري، لا تعتقد القاهرة الآن أن «صفقة القرن» ستمر واقعيًا، لكنها لا ترى من المفيد إعلان رفضها، بل ترغب في أن تنعقد اجتماعات عربية تقوم ببلورة مطالب بتعديلات محددة عليها لتتم مناقشتها في لقاءات فلسطينية إسرائيلية ربما برعاية مصرية. وكانت مصر في البداية قد أبدت انفتاحًا كاملًا على التعاون مع إدارة ترامب في تمرير الصفقة، وأعلن ذلك الرئيس المصري بصورة مباشرة خلال أولى زياراته للبيت الأبيض.

لكن المسؤول المصري يقول الآن أن ذلك الانفتاح «لم يكن يقصد به أن يمثل شيكًا على بياض»، ويضيف أن فتورًا مصريًا ما شاب الإقدام علي هذه الصفقة لأن الجانب الأمريكي رفض إطلاع مصر على تفاصيلها، ولكن مصر «ما زلت مستعدة للتعاون بالرغم من أن [الصفقة] لا تلبي كامل الآمال المشروعة للشعب الفلسطيني إلا أنها تلبي جزءًا منها».

في مقابل الفتور المصري، فإن المصادر تقول إن الأردن عبر عن «استياء شديد» من رفض الجانبين الأمريكي والإسرائيلي إطلاع الملك عبد الله على الوثيقة التي يتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على المملكة التي تحتضن كتلة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين. ويتفق مصدران عربي وغربي على أن عبد الله رفض عرضًا ماليًا مشتركًا من السعودية والإمارات مقابل منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين، بل إنه سعى لحشد تأييد عربي لموقفه، شمل حتى الآن المغرب والجزائر ولبنان، ضد الصفقة التي وصفها بانها ستكون بمثابة قنبلة موقوتة في المنطقة.