العدسة _ منصور عطية

وكأن هذا هو الحال دوما في تعامل المجتمع الدولي مع ما يصيب المسلمين حول العالم من قتل وتشريد وتدمير، فالصمت أو البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع يكونان الشعار، في حين ينتفض هذا العالم عن بكرة أبيه ويتضامن قولا وفعلا حينما يكون الضحايا غير مسلمين.

من ميانمار، مرورًا بسوريا والعراق، وصولا إلى اليمن وليبيا، ويبقى القوس مفتوحا، ينزف ملايين المسلمين دماءهم وسط صمت عربي ودولي يصل إلى حد التواطؤ، من قبل مؤسسات وحكومات لا تفوت الفرصة حين يكون ضحايا الإرهاب من مجلة “شارلي إبدو” الفرنسية مثلا، أو غيرها من الهجمات التي تستهدف المدنيين حول العالم.

حرب إبادة شاملة

ميدانيا، أصبحت الغوطة الشرقية في ريف العاصمة السورية دمشق، منذ الأحد الماضي، بركة من الدماء، وقال مصدر في الدفاع المدني إن أكثر من 480 شخصًا سقطوا بين قتيل وجريح جراء قصف قوات نظام بشار الأسد لمدن وبلدات الغوطة.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة الأنباء الألمانية: “سقط أكثر من 122 قتيلا أغلبهم نساء وأطفال، في القصف الجوي والصاروخي والمدفعي على بلدات الغوطة الشرقية”.

وأكد المصدر “وجود عشرات الجثث والجرحى تحت أنقاض المباني التي تعرضت للقصف، وفرق الدفاع المدني لا تستطيع تقديم المساعدات وإنقاذ كل المناطق نظرا للعدد الكبير من المواقع المستهدفة ونقص المعدات والآليات ومواد الإسعاف وما يحصل في الغوطة فوق قدراتنا”.

وتحدثت تقارير إعلامية عن تواصل القصف الجوي والصاروخي المكثف والعنيف من قوات النظام السوري وروسيا على الغوطة، وارتفع عدد القتلى خلال الـ24 ساعة الماضية إلى أكثر من 180 مدنيا بينهم أطفال ونساء.

وتقع الغوطة الشرقية ضمن مناطق “خفض التوتر” التي تم الاتفاق عليها في مباحثات أستانة عام 2017، بضمانة من تركيا وروسيا وإيران، وهي آخر معقل للمعارضة قرب العاصمة، وتحاصرها قوات النظام منذ 2012.

وتتعرض الغوطة الشرقية في محيط دمشق لقصف متواصل جوي وبري، من قبل قوات النظام منذ أشهر، ما أسفر عن مئات القتلى.

عجز دولي وبيانات خجولة

العديد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، التي لا تتمتع بسلطات سياسية، أدانت الجريمة ببيانات وُصفت بالخجولة، فقال أمين عام الأمم المتحدة، “أنطونيو جوتيريش”، إنه “يشعر بانزعاج عميق إزاء تصاعد الحالة في الغوطة الشرقية وآثارها المدمرة على المدنيين”.

وأكد ضرورة “تذكير جميع الأطراف، ولا سيما الضامنين لاتفاقات أستانا، بالتزاماتها في هذا الصدد”.

من جانبها، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، بيانًا بلا كلمات، تعليقًا على هجمات النظام السوري على غوطة دمشق الشرقية، وجاء فيه: “لا توجد كلمات يمكنها أن تنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم”.

ونسب البيان، الأول من نوعه، التعليق إلى “خيرت كابالاري”، مدير المنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع ترك بقية صفحة البيان فارغة بدون أي كلمات.

ومقابل تلك البيانات الباهتة، تقف القوى الكبرى عاجزة من إنقاذ المدنيين العزّل أو وقف آلة القتل أو متواطئة، وهي تتابع الدماء تسفك بلا رقيب، واكتفى عدد قليل من الدول والمنظمات الدولية بإصدار بيانات تنديد.

وزارة الخارجية الأمريكية أعربت عن “بالغ قلقها” إزاء الوضع، وقالت المتحدثة باسمها “هيذر نويرت” للصحفيين: إن “وقف العنف يجب أن يبدأ الآن”، منتقدة ما وصفته بـ”سياسة الحصار والتجويع” التي يمارسها الأسد.

أما وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان”، فقد صرح بأن “الوضع في سوريا يتدهور بشكل ملحوظ”، وحذر من أنه “إذا لم يطرأ عنصر جديد فإننا نتجه نحو فاجعة إنسانية”.

روسيا الداعم الأكبر لنظام الأسد، والتي تلاحقها اتهامات بمشاركتها في الهجمات، اكتفت بالتصريح أنها تستعد لتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن بشأن الوضع في الغوطة.

واعتبرت موسكو على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة، أن “الهدنة الإنسانية” لمدة شهر التي اقترحها منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، بانوس مومتزيس، “غير واقعية”، ليعطي دمشق الضوء الأخضر لمواصلة قصفها العنيف بالطائرات والمدفعية.

وقال المدير التنفيذي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، “كينيث روث”: “لا يجوز الادعاء، في حين يحاصر الأسد المدنيين في الغوطة الشرقية ويقصفهم بلا هوادة، ويقصف أيضا مستشفياتهم، إن هذه حرب: إنها مجزرة، وبوتين يجعل ذلك ممكنا”.

صمت عربي مريب

وربما لا يكون العجز الدولي مستغربا بالقدر الذي تثيره حالة الصمت العربي والإسلامي المخزية تجاه ما يحدث في الغوطة الشرقية، على نحو يجعل من اتهام تلك الأنظمة بالخيانة والتواطؤ حقيقة لا لبس فيها ولا غموض.

اللافت، أن بعض من يمثلون العرب كانت لهم خلال الأيام الماضية، وربما أثناء هجمات النظام، مواقف منددة بأوضاع في مناطق أخرى داخل سوريا وخارجها.

فهذا أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، يطالب تركيا -على الملأ- بسحب قواتها من مدينة عفرين السورية، الأمر الذي أدخله في جدل مع وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، خلال إحدى جلسات مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا الأحد الماضي.

مجلس الوزراء السعودي، الذي انعقد برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، الثلاثاء 20 فبراير الجاري، بالتزامن مع توحش القصف على الغوطة، يبدو أنه تعمد تجاهل ما يحدث، والتفت إلى إدانة واستنكار هجمات أخرى.

ووفق البيان الرسمي للجلسة، فقد “جدد المجلس إدانة المملكة للهجوم الانتحاري الذي وقع في مدينة مايدوجوري بشمال شرق نيجيريا، ولحادث إطلاق النار أمام كنيسة في مدينة كيزليار بداغستان، وقدم العزاء والمواساة لذوي الضحايا ولحكومتي وشعبي نيجيريا وروسيا”.

أما الدول العربية الأخرى الكبرى، مثل مصر أو الإمارات، التي تسعى للعب أدوار إقليمية كبيرة، كانت أذنها من طين والأخرى من عجين.

لماذا الصمت؟

ولعل الشاهد الأبرز عند محاولة البحث فيما تفرزه تلك الحالة من دلالات، يقود إلى التساؤل بشأن صمت المجتمع الدولي عن التحرك لنجدة الغوطة، رغم توثيق ما ارتكب من جرائم.

هذا المجتمع الذي تحرك سريعًا لإنقاذ الطائفة الأيزيدية في العراق، وانتفض لضحايا هجوم شارلي إبدو، وغيرهما من الأحداث والمواقف التي لا يكون ضحاياها مسلمين، يكتفي حتى الآن ببيانات الشجب والاستنكار.

المجتمع الدولي متهم أيضًا بانتهاج سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، وليس أبلغ من التعبير عن ذلك أكثر من كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معرض حديثه عن الإرهاب البوذي بحق مسلمي الروهينجا قبل أشهر قليلة.

أردوغان قال: “هل سمعتم إلى اليوم بإرهاب مسيحي أو إرهاب يهودي أو بوذي أو ملحد؟.. لا يمكن أن تسمعوا، لأنه إذا كان الفاعل مسلمًا يلصق الفعل بمعتقده، وإذا لم يكن يتم تجاهل الموضوع.. هذا الموقف جزء من “إسلاموفوبيا” عالمية، وهو نتاج لجهود ربط الإرهاب بالإسلام في الدول الغربية وعلى المستوى الدولي”.

وخلال المؤتمر الدولي للأزهر حول الحرية والمواطنة، في فبراير من العام الماضي، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب: إن “التطرف المسيحي واليهودي، مرّا بردًا وسلامًا على الغرب، دون أن تدنس صورة هذين الدينين الإلهيين، وإذا بشقيقهما الثالث يحبس وحده في قفص الاتهام ويتم إدانته وتشويه صورته حتى هذه اللحظة.. لقد مرت بسلام أبشع صور العنف الديني المسيحي واليهودي في فصل تام بين الدين والإرهاب”.

وتابع: “لا تخطئ العين الكيل بمكيالين، بين المحاكمة العالمية للإسلام من ناحية، وبين المسيحية واليهودية من ناحية أخرى، رغم اشتراك الكل في عريضة اتهام واحدة، وهي العنف والإرهاب الديني”.

أما العالمان العربي والإسلامي، فيبدوان منكفئين على أزماتهما الداخلية، رسميًّا: لا صوت يعلو فوق صوت الأزمة الخليجية، فضلًا عن الإرهاب والأزمات السياسية والاقتصادية التي تضرب أقطارًا عدة.

وشعبيًّا، فقد غُيب الإسلاميون الذين كانوا يلعبون الدور الأبرز في تسليط الضوء وتعريف الشعوب بما تعانيه الأمة من أزمات، وأكبر مثال على ذلك مذابح البوسنة والهرسك والقضية الفلسطينية.