العدسة – بشير أبو معلا
من يعرف “صوماليلاند” أو أرض الصومال؟ هذه المنطقة الواقعة في الحدود الشمالية للصومال، والتي استمرت لمدة ستة وعشرين عاما تكافح لإثبات أنه يمكنها شق طريق نحو السلمية والديمقراطية في خضم الفوضى.
تحت هذه الكلمات نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا عن المحمية البريطانية السابقة، التي أعلنت الاستقلال عن الصومال عام 1991، ولم تنل أي اعتراف دولي حتى الآن، ولا تزال رسميا مقاطعة مستقلة في البلاد، تشكلت مع الصومال الإيطالية في 1 يوليو 1960، بعد خمسة أيام من تفكك العلاقات مع السلطة الاستعمارية، ورغم ذلك تحاول تعزيز ممارسة الديمقراطية.
المسار الذي تسلكه “صوماليلاند” يعد استثناء داخل القرن الإفريقي، حيث الأنظمة الاستبدادية والدول الفاشلة هي القاعدة، وهذا ما أكدته الانتخابات الرئاسية التي جرت في 13 نوفمبر الماضي.
انتخب مرشح الحزب الحاكم، موسى بيهي عبدي، وحلف اليمين الدستورية يوم 14 ديسمبر، عقب عملية انتخابية وصفها مراقبون من البعثة الدولية الممولة من المملكة المتحدة بأنها نزيهة بوجه عام، ومنظمة تنظيما جيدا.
وعلى الرغم من المخالفات التي شابت العديد من الدوائر الانتخابية، وبعد نهاية أسبوع من المفاوضات التي تخللها عدد قليل من الاشتباكات، إلا أن المنافس الرئيسي عبد الرحمن إيرو، اتفق مع قرار اللجنة الانتخابية بعدم تدمير رأس المال الأكثر قيمة في “صوماليلاند” من خلال اللجوء إلى الساحة الدولية.
إغلاق الأبواب
ففي الوقت الذي أغلق فيه الباب في وجه مبعوثي “صوماليلاند”، اهتم الأجانب بدعم هذه التجربة الديمقراطية إلى جانب المملكة المتحدة، إذ مولت الولايات المتحدة تحديث القوائم الانتخابية من خلال نظام القياس الأحيائي، في ظل تجاهل الاتحاد الإفريقي المنظمة القارِّية الغير مستعدة للمشاركة في هذه المسألة.
طلب ترشيح البلاد الذي قُدم من قبل “صوماليلاند” عام 2005 لتصبح دولة عضوا في الاتحاد الإفريقي ظل حبرا على ورق، فالاتحاد الإفريقي يريد تجنب إعادة فتح النقاش حول الحدود الموروثة من الاستعمار، والتي يمكن أن تغذي الإرادة الانفصالية الحية في العديد من البلدان.
إن النزاع بين المغرب والجمهورية الصحراوية الديمقراطية، آثاره ظاهرة بشكل مباشر ويؤكد هذا الأمر من ناحية أخرى، تأثير مصر التي هي على مقربة من الصومال، كعضو في جامعة الدول العربية، يساهم أيضا في الوضع الراهن.
وبطبيعة الحال، فإن أرض الصومال، وإدارتها وجيشها وعلمها، هي جزء من الدول القائمة (بحكم الأمر الواقع)، وليس الدول القانونية التي تتمتع بالاعتراف من قبل دول أخرى والأمم المتحدة.
لكن لا يحول هذا الوضع دون الحفاظ على العلاقات مع بعض المانحين ووكالات المعونة التابعة للأمم المتحدة التي تطوق لافتاتها شوارع العاصمة هرجيسا؛ للإعلان عن المشاريع القليلة الممولة من قبل الداعمين الأجانب.
المملكة المتحدة فتحت مكاتب تمثيلية هناك، ويؤدي عدم وجود إحصاءات منفصلة في سجلات المعونة الدولية إلى صعوبة تقييم هذا الدعم بدقة، وفي أحسن الأحوال يصل إلى مائة مليون دولار، مقابل مليار دولار سنويا يمنح لمقديشو منذ عام 2010.
في هذا الصدد، فإن لدى “صوماليلاند” سبب وجيه للاعتقاد بأن الحرب تدفع أكثر من السلام، إذ يقول وزير الخارجية سعد علي شاير: “إن المجتمع الدولي لا يعترف بجهودنا ومساهمتنا في استقرار المنطقة”.
وفي ظل غياب إمكانية الوصول إلى النوافذ الدولية على نطاق أوسع، بما في ذلك صندوق النقد الدولي وإطار قانوني مطمئن للمستثمرين الأجانب، تعيش “صوماليلاند” في المقام الأول على التحويلات من الشتات، ومن نجاح بعض أصحاب المشاريع الخاصة.
إن العقد الذي وقعته عام 2016 مع دبي لتطوير ميناء بربرة (في المياه العميقة على خليج عدن)، والعقد الذي وقعته الإمارات العربية المتحدة هذا العام لإنشاء قاعدة بحرية، بث الأمل في غد أفضل.
التراجع مستحيل
في الوقت نفسه، تدفع البطالة الشباب على نطاق واسع إلى السفر إلى إثيوبيا أو إريتريا، هم من بين الأكثر عددا في محاولة للوصول إلى أوروبا؛ فالجفاف الذي أصاب القرن الإفريقي لمدة أربعة مواسم أدى أيضا إلى إعدام قطعان من الخيول التي يتم تصديرها إلى شبه الجزيرة العربية، كما تضاعفت أعداد عشرات الآلاف من الأشخاص الذين فقدوا كل شيء تقريبا في مخيمات اللاجئين الواقعة بالقرب من المدن الرئيسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن 70% من السكان البالغ عددهم 3.5 مليون نسمة، والذين يعيشون في هذه المنطقة، تقل أعمارهم عن 30 عاما.
ورغم أن السلام والحرية اللذين يفخران بهما فإنهما ليسا علاجا للجوع، وكذلك الأمر بالنسبة لمستقبل هذا البلد الشبح، يبدو أن العودة إلى الوراء لا يمكن حتى تصورها، خاصة لدى هذه الأجيال الشابة المولودة في “صوماليلاند المستقلة”.
وقد تعهد موسى بيهي عبدي باستئناف المحادثات مع الحكومة الاتحادية في مقديشو، للتفاوض على شروط الاستقلال التي تمهد الطريق للاعتراف الدولي بها، فحتى الآن، فشلت جميع المحاولات، أما الوساطة الأخيرة تحت رعاية تركيا فقد أجهضت عام 2015.
العديد من المستشارين الأوروبيين الذين هنأوا “صوماليلاند” على هذه الخطوة الإضافية نحو الديمقراطية، ووعدوا بتقديم معونات مالية لهم، ما زالوا حريصين على عدم التقدم في هذا الطريق.
اضف تعليقا