العدسة – معتز أشرف:

أجواء ملتهبة بامتياز تنبئ عن صيف ساخن في موريتانيا، بعد اتهامات للنظام الحاكم بمحاولة الالتفاف على الدستور والبحث عن فترة جديدة في ظل مناخ قمعي – بحسب المعارضة- التي تعهدت بعدم السماح بأي تزوير للانتخابات المرتقبة، لتتصاعد حدة المواجهة بعد إعلان المعارضة التحدي وخوض الانتخابات في مقابل موالاة ترى في المعارضة خطرًا حقيقيًّا عليها في الانتخابات العامة والانتخابات الرئاسية المقررة في نهاية 2019، فإلى أين تذهب مورتيانيا؟!.

 إعلان التحدي

في تحد واضح أعلن محمد ولد مولود، الرئيس الدوري لمنتدى الديمقراطية والوحدة، أكبر ائتلاف معارض في موريتانيا، السبت، أن كتلته قررت المشاركة في الانتخابات المقبلة بالبلاد، موضحًا أن قرار المشاركة في الانتخابات سعي منه لإحباط مساعي السلطة لجره لمقاطعة الانتخابات البلدية والنيابية والجمهورية المقرر إجراؤها قبل نهاية العام الحالي، غير أنه صعد لهجة التحدي بقوة، وأعلن أن المنتدى لن يقبل التزوير أو التلاعب بالانتخابات، وأنه سيتصدى لأية محاولة للتزوير، فيما لم يحدد بأية طرق التصدي سيكون قرار المنتدى.

خارطة الطريق حددها ولد مولود، حيث أشار المعارض الموريتاني إلى أن المنتدى سيقدم طعنًا في تشكيلة اللجنة المستقلة للانتخابات، التي تشكلت ولم يمثل فيها المنتدى إثر فشل حوار سري كان يجري بينه وبين الأغلبية الرئاسية “الموالاة”، مؤكدًا أن اللجنة المستقلة للانتخابات ليست “وطنية” وليست مشروعة؛ لأنها لا تضم كل الأطياف السياسية، قائلًا إن السلطة تريد انتخابات صراعات ونزاعات ومجابهات .

في نفس السياق، قال رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح و التنميةتواصل، الدكتور محمد محمود ولد سيدي، إن “تواصل” باق في المعارضة متمسك بها، موضحًا أن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة تحالف متماسك ولديه فرص كبيرة في الانتخابات القادمة، حيث ستعمل على تنسيق جهودها بتقديم لوائح مشتركة وتبادل الدعم في المناطق المختلفة، مشيرًا إلى أن حزب “تواصل” بوصفه من أكبر أحزاب المعارضة سيكون من أكبر المستفيدين من هذا التحالف، و ذكر الرئيس بانتخابات 2006، حيث حصد الحزب عددًا من البلديات لم يكن ليحسمها دون تحالفات، وفيما يتعلق بانتخابات 2019 الرئاسية، أكد الرئيس المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، اتفاق المعارضة على نبذ الأنانية، والعمل على تقديم مرشح موحد يكون قادرًا على الفوز، ومؤمنًا بالإصلاح والديمقراطية، موضحًا أن المنتدى تقدم على بقية مكونات المعارضة في هذه النقطة، حيث قرر الاستعداد لدعم مرشح قوي، حتى وإن كان من خارج أحزاب المعارضة، إذا اقتنع ببرنامجه وقدراته.

تصريحات غامضة

ولد عبدالعزيز هو ثامن رئيس لموريتانيا منذ الاستقلال، وسادس رئيس عسكري منذ إطاحته في انقلاب عسكري، في 6 أغسطس 2008، بأول رئيس منتخب (سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله) بعدما قام الأخير بإصدار قرار رئاسي بخلعه من رئاسة الحرس الرئاسي، ثم انتخب رئيسًا لموريانيا يوم 18 يوليو 2009، بعد انتخابات رئاسية أشرفت عليها المعارضة، وقد فاز من الجولة الأولى، وبطبيعة الانقلابيين أثار الغموض في الساحة السياسية عندما أعلن أمام أنصاره في وقت سابق أن موريتانيا لن تشهد أي “فراغ”، وأن مشروعه “مستمر”، وأنه مستمر في السلطة، دون التصريح بطبيعة هذا الاستمرار، مؤكدًا أن الباب مسدود أمام المعارضة؛ لأنها تمثل “العودة إلى الماضي”، وهي التصريحات التي فهمتها المعارضة على أنها تأكيد، وإن بشكل موارب، على عزمه خوض غمار فترة ثالثة يمنعها الدستور، بالتزامن مع استقبال الرجل لرئيس مبادرة المليون توكيل، المطالِبة ببقائه في السلطة، وما يصاحبها من تحركات في هذا الاتجاه تشي بمؤشرات سلبية قد تصل إلى انقلاب استباقي جديد وفق البعض!.

المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أكبر ائتلاف معارض في موريتانيا، رد على هذه التحركات بقوله: “إن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز سيغادر الحكم مع نهاية مأموريته « شاء أم كره»، ولكنه دعاه لاحترام القانون، وندد بخرق الرئيس المتكرر للدستور، من خلال التعاطي مع المطالبين بالولاية الثالثة، وحضور أنشطة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، مشيرًا إلى أن الدستور الموريتاني يمنع رئيس الجمهورية من الانتماء الحزبي، فضلا عن تناقضه بشأن التلميح بخوض غمار الجولة الثالثة المحظورة عليه.

الحوار السري!

ورغم التحدي الظاهر لدى جماعات المعارضة، والمراوغات السلطوية، جرى في الفترة الأخيرة مفاوضات وصفت إعلاميًّا بالحوار السري، لكنها قوضت بعد الإعلان عنها، حيث تبرأ منها كل طرف وحَمّلها لخصمه، حيث أعلنت المعارضة والأغلبية الرئاسية في موريتانيا، أن حوارًا كان يفترض أن يبقى سِرِّيًّا بين السلطة والمعارضة بهدف الإعداد للانتخابات التشريعية والبلدية المقررة في النصف الثانى من العام، أخفق على إثر تسريبات صحفية، وبعد تغريدة لرئيس الحزب الحاكم تعلن انتهاءه، وقال رئيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة محمد ولد مولود، إن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، “أبلغنا رسميًّا بانتهاء هذا الحوار السري الذي جمع في الأيام الأخيرة وفودًا من الأغلبية الرئاسية والمنتدى بطريقة غير لائقة وبأسلوب خشن، دون جواب محترم ولا مبررات مقنعة” ووصف من يعتبر المفاوضات السرية خيانة بأنه يجهل السياسية والنضال، مستعرضًا نماذج لحوارات سرية على الصعيدين الوطني والدولي، فيما قال رئيس الحزب الحاكم سيدي ولد محمد للصحفيين في وقت سابق، إن المحادثات سمحت “بتقدم مهم” على طريق “اتفاق سياسي كان يفترض توقيعه، لكن الطرف الآخر قام بتسريب صيغة قريبة من الاتفاق لكنها تجرده من شكله ومضمونه”، مؤكدًا “جاهزية وفد الغالبية الحاكمة، لا للتفاوض من جديد، بل لتوقيع الاتفاق”، بينما قال الدكتور محمد محمود ولد سيدي رئيس حزب “تواصل”: “المفاوضات مع الأغلبية تمت بمبادرة من الأخيرة، وبهدف الوصول إلى عملية توافقية بشأن تسيير وظروف الانتخابات القادمة”.

دلالات المشهد

الاحتمالات مفتوحة أمام المراقبين في ظل غموض تصريحات ولد عبدالعزيز، ورغم أن احتمالية الانقلاب العسكري الاستباقي ضعيفة، إلا أنه قد تكون موجودة في المشهد في ظل حملة التوكيلات التي جرت على غرار التجربة المصرية قبل ما يوصف بانقلاب 2013، وفي ظل الأحاديث المتواترة عن رفض الجيش له، لكن يبقى الاحتمال موجودًا في كواليس الأحاديث، حيث يرى محسوبون على المعارضة، أنها ستستمر في الرفض والتعبئة ضد محمد ولد عبدالعزيز، لاسيما أنها قطعت شوطًا كبيرًا في ذلك، فهو غير قادر على الترشح، للعديد من الأسباب، ولعل أهمها أن الجيش الموريتاني والقوات المسلحة لا تريد استمراره، ولذلك فهو لا ينهي مسألة ترشحه من عدمه بشكل نهائي، لأنه يحاول استغلال الوقت الضائع لحسم قضية الجيش المبني أساسًا وفق توازنات ليست في صالح عبدالعزيز.

ويرى البعض أن الترتيبات الجارية حاليًا على مستوى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، تعتبر جزءًا من تصور الرئيس على ما ينبغي أن يكون عليه الوضع بعد عام 2019، ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن “ولد عبدالعزيز سيدعم أحد المقربين منه خلال فترة حكمه، وهو لن يخرج من المشهد السياسي كما صرح بذلك، ويحتمل أن يصبح رئيسا للحزب، مع توسيع صلاحيات الحزب ودور رئيسه، ليصبح صاحب الكلمة فيما يتعلق بالبرلمان والحكومة، ويكون بالتالي شبه ممسك بزمام الأمور، أما عن المعارضة، فالواقع يقول إن المعارضة لم تحسم أمرها ومرشحها.

مشاركة المعارضة في الاستحقاقات القادمة بحسب البعض تحيلها مبدئيًّا إلى الاعتراف ضمنيًّا وواقعيًّا باللجنة المشرفة على الانتخابات، رغم أنها تصفها بعدم الشرعية، في حين سترضخ لإملاءاتها وخطتها المرسومة لتسيير العملية الانتخابية، وهو ما سيجعل المعارضة في موقف حرج، بل وتناقض صارخ؛ فألسنتها مازالت تطعن في شرعية الاستفتاء الدستوري الأخير باعتبار أن عملية الاقتراع شابها تزوير واسع شمل حتى “تصويت الأموات” قبل الأحياء، في حين تقبل بنتائج هذا الاستفتاء واقعيًّا، ولا تألو جهدًا في محاولة قطف ثماره من خلال الترشح للمجالس المنبثقة عنه، وفي ظل هذا الوضع يتابع الرأي العام مراقبته لتطورات الأوضاع، منتظرًا حدوث انفراج من هذه الجهة أو تلك، أو حدوث مفاجأة بحسب البعض.