لم تصبح الأزمة المالية التي يعاني منها حزب الله اللبناني طي الكتمان أو تتداول تفاصيلها في الغرف المغلقة بين بيروت وطهران، بل أخرجها الحزب نفسه إلى العلن على لسان زعيمه وأمينه العام حسن نصر الله.

ويبدو الحزب الذي يئن تحت وطأة العقوبات الأمريكية على إيران واستنزاف إمكاناته في الحرب السورية على مدار سنوات، مستعدا لمزيد من التضييق، في أعقاب القرار البريطاني بإدراجه على قائمة المنظمات الإرهابية.

لاشك أن القرار سيكون له تبعات وخيمة تؤثر أيضا على تسليح الحزب الذي يمر بتوترات كبيرة على حدود لبنان مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهل ينجح في استحداث طرق بديلة أو تكميلية لتمويله؟.

حرب اقتصادية

نصر الله دعا، في كلمته بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس “هيئة دعم المقاومة”، 8 مارس الجاري، كوادر الحزب إلى “الجهاد بالمال”، قائلا: “من أهم ما شكلته الهيئة هو الفرصة لتوسيع ساحة الجهاد، لأن المقاومة تجاهد في النفس والأهل يقدمون فلذات أكبادهم، وهناك مساحة للجهاد بالمال والمال تحتاجه أي مقاومة، وهو أحد عناصر القوة الطبيعية”.

السبب الرئيسي في تلك الدعوة العقوبات الأمريكية على إيران والحصار المالي ولوائح الإرهاب، التي كان آخرها القرار البريطاني، ليتوقع نصر الله أن تشتد (العقوبات) على الحزب وداعميه، معتبرا أن التضييق على البنوك اللبنانية مثال على ذلك.

وضع أمين عام الحزب عناصر وكوادره في حالة “حرب اقتصادية ومالية”، لا تقل ضراوة عن نظيرتها العسكرية المسلحة، قائلا: “العقوبات ولوائح الإرهاب هي حرب في هذا السياق، ويجب أن نتعاطى معها وكأنها حرب، هذه حرب اقتصادية ومالية ويجب أن نواجهها”.

وتابع: “نحتاج إلى تفعيل نشاط الاخوة والأخوات في الهيئة، نحتاج إلى التعاطف من جديد. بعد عام 2006 ونتيجة الدعم الكبير خصوصا من إيران قلت لكم قد لا نكون بحاجة إلى المال ولكن واصلوا عملكم. اليوم نحن بين بين، هيئة دعم المقاومة يجب أن توفر فرصة الجهاد بالمال”.

وعلى الرغم من أن نصر الله لم يغفل في كلمته الحديث عن العقوبات الأمريكية والحصار الاقتصادي وقوائم الإرهاب كسبب مباشر في الضائقة المالية للحزب، إلا أن تجاهل تأثير انخراط الحزب في الحرب في سوريا على مدار أكثر من 7 سنوات، على مكانته المالية وإمبراطوريته الاقتصادية.

أزمة 2006

منذ نشأته، كانت مسألة التمويل نقطة الضعف الأكثر خطورة في جسد حزب الله، فرغم الالتزام الكامل من قِبل إيران نحوه، فإن مكانتها المهتزة في النظام الدولي وخطوط التمويل المباشرة عبر سوريا وضعت الحزب دوما تحت رحمة الاضطرابات السياسية في إيران وسوريا.

ولم تكن ضريبة “الخمس” التي يجمعها رجال الدين من الشيعة اللبنانيين الفقراء كافية لسد العجز المالي، ومواجهة أزمات التمويل المتتالية التي واجهها الحزب عاما بعد عام.

وقعت أبرز تلك الأزمات عام 2006، حيث كان حزب الله خارجا للتو من حربه الشهيرة ضد إسرائيل، ورغم أن الحرب منحت الحزب الكثير من النفوذ السياسي داخل لبنان، والكثير من الرصيد المعنوي والشعبي خارجه، فإن الحرب تسببت في نشوب خلاف بين حزب الله والحكومة حول ملف إعادة إعمار الضاحية الجنوبية المتضررة بفعلها، حيث وجد الحزب نفسه نهاية المطاف محملا بمفرده بحصة كبيرة من تركة إعادة البناء.

تزامنا مع ذلك، وبحلول نهاية العام نفسه، كانت الخلافات تحتدم بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامج طهران النووي والصاروخي، وصولا إلى فرض الأمم المتحدة عام 2007 عقوبات على البنك المركزي الإيراني و28 مؤسسة أخرى بعضها تابع للحرس الثوري الإيراني، مما وضع ضغوطا إضافية على قدرات إيران المالية، التي لم يكن سخاؤها كافيا لسد التزامات الحزب، الذي أدرك قبل ذلك بفترة زمنية كافية حتمية البحث عن مصادر مالية مكملة أو بديلة.

بعيدا عن إيران كممول رئيسي لحزب الله وصل ما تمنحه للحزب بشكل سنوي إلى نحو 700 مليون دولار، وفق تصريح مسؤول أمريكي، هل يمكن لحزب الله أن يتدبر أموره المالية ليخرج من الأزمة الحالية؟.

في تصريح هو الأعنف من نوعه ومن قلب العاصمة اللبنانية بيروت شن وزير الخارجية الأمريكي مايك يومبيو هجوما لاذعا على الحزب، واتهمه بأنه يسرق أموال اللبنانيين.

وقال: “لبنان والشعب اللبناني يواجهان خيارا، إما التحرك بشجاعة إلى الأمام كدولة مستقلة وفخورة أو السماح للطموحات المظلمة لإيران وحزب الله بالسيطرة على مستقبلكم”.

وتابع بومبيو: “يجب ألا يُجبر الشعب اللبناني على المعاناة من أجل الطموحات السياسية والعسكرية لدولة خارجة على القانون وشريكها الإرهابي”.

ورأى أن حزب الله “يجلس داخل مؤسسات الدولة ويتظاهر بدعمها”، وقال: “بلا شك حزب الله يسرق موارد لبنان التي هي حق الشعب اللبناني”، مضيفا أن الشعب اللبناني “لا يجب أن يعاني بسبب حزب الله”، وأن الولايات المتحدة ستواصل وقوفها بجانب اللبنانيين.

المثير في تلك التصريحات أنها تأتي بعد أشهر قليلة من تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، والاتهامات التي لاحقت حزب الله بالسيطرة على التشكيل وفرض اختياراته على سعد الحريري رئيس الحكومة.

كما تتزامن تصريحات بومبيو مع خطاب نصر الله سالف الذكر، والذي أعلن فيه شن الحزب حملة لمكافحة الفساد وهدر المال العام بمؤسسات الدولة اللبنانية، قائلا: “نريد منع الانهيار الاقتصادي والمالي ووقف سرقة المال العام ومواجهة الفساد في إدارات الدولة.. نحن في هذه المعركة في مواجهة الفساد والهدر المالي، نريد تحقيق الهدف وليس المهم أن نحصل على مكاسب سياسية وإعلامية..”.

قبلها بشهر تحدث نصر الله عن الاتهامات التي تواجه الحزب بعد اقتناصه حقيبة الصحة في الحكومة الجديدة لرجله “جميل جبق”، بالسعي وراء إمكانات وموارد الوزارة لصالح خزينة حزب الله.

وقال: “أثير كلام حول وزارة الصحة واستخدام إمكاناتها، بالنسبة لحزب الله نؤكد أن مال الدولة هو للدولة وللشعب اللبناني ولا يجوز التصرف بالمال خارج دائرة القانون بالإضافة إلى الموانع الأخلاقية والشرعية لذلك”.

ومن المعروف في لبنان أن وزارة الصحة تعتبر من الوزارات المربحة، التي توفر دخلا كبيرا للدولة عبر عدة قطاعات أبرزها قطاع الدواء.

لذلك لا يمكن استبعاد أن تركيز حزب الله على اقتناص تلك الوزارة في التشكيل الحكومي الجديد يمهد للسطو على إمكاناتها، والاستفادة من مواردها لتغطية العجز القائم في موارد الحزب، وتخطي الأزمة الحالية.

كما لا يمكن أيضا استبعاد أن تشكل حملته للقضاء على الفساد واجهة مقننة للاستيلاء على موارد الدولة اللبنانية وتحويل ما تجمعه تلك الحملة المفترضة من أموال لصالح الحزب.