العدسة – معتز أشرف:
إنه أخطر تصعيد على جبهة الجولان منذ 30 سنة، وقفت فيه إيران وإسرائيل وجهًا لوجه للمرة الأولى، بعد حرب كلامية ومناوشات سريعة في الفترة الماضية، ليدق قلب العالم الدولي قلق على التصعيد الحاد بين البلدين، وتنطلق صفارات الإنذار من جديد، فهل يستجيب الخصمان، أم نحن إزاء حرب جديدة؟ نرصد ملامح الإجابة بالتوقف عند مجريات الساعات الأخيرة.
الشرارة الأعنف!
ما بين نفي وإثبات، الشرارة الأعنف انطلقت في الجولان، حيث قال المتحدث باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعي، فجر الخميس، إن فيلق القدس الإيراني أطلق 20 قذيفة باتجاه خط المواقع الأمامي في هضبة الجولان، وأفاد المتحدث في سلسلة تغريدات على “تويتر” بأنه وفي الساعة 22.00 تم رصد إطلاق نحو 20 صاروخًا من قبل فيلق القدس الإيراني باتجاه خط المواقع الأمامية في هضبة الجولان، واعتبر أفيخاي أدرعي ذلك عدوانًا إيرانيًّا خطيرًا، مؤكدًا أنه تم اعتراض بعض الصواريخ دون وقوع إصابات أو أضرار ملموسة، ولكن قال: “نحن مستعدون لسيناريوهات متنوعة.. في هذه اللحظة لا توجد تعليمات خاصة للجبهة الداخلية”.
وردت دولة الكيان الصهيوني على الهجوم السابق باستهداف طيرانها قواعد إيرانية في سوريا، ومنظومات الدفاع الجوي السوري بـ 60 صاروخًا، في ضربة وصفت بـ “الأعنف” منذ بدء الصراع في سوريا، وقالت “اسرائيل“ إنها هاجمت كل البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا تقريبًا، فيما قالت القيادة العامة للجيش النظامي السوري، إن دفاعاتها المضادة للطائرات دمرت “قسمًا كبيرًا من موجات الصواريخ الإسرائيلية المتتالية”، التي أطلقت على قواعدها العسكرية، مضيفة أن الضربات أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة اثنين آخرين”، وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 23 فردًا عسكريًّا بينهم سوريون وغير سوريين.
من جانبه، نفى نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني، أبو الفضل حسن بيغي، أن تكون إيران هي من أطلقت صواريخ على مواقع تمركز الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل، مؤكدًا أن جيش النظام السوري هو من استهدف خط المواقع الأمامية للجيش الإسرائيلي في الجولان بـ 20 صاروخًا، ولا علاقة لإيران بالصواريخ التي تم إطلاقها، أمس الأربعاء، على إسرائيل، ولو كانت إيران من قامت بذلك لأعلنا فورًا، كما نفى نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني أي تواجد عسكري لإيران في سوريا، وقال: “لا تواجد عسكريًّا لإيران في سوريا ولا قواعد، وإسرائيل تكذب، ومن قام بالضربة أمس هي سوريا، وهو رد على الاعتداءات المتكررة على هذا البلد”.
ترقب دولي
النفي الإيراني لا يصمد أمام إدانات دولية تواترت في اتهامها بالتصعيد، وسط تأجج التوقعات باندلاع صراع إقليمي، في ظل تحذيرات إسرائيل من أنها عازمة على منع التغلغل العسكري الإيراني في سوريا، بفعل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: “إن الهجوم على الجولان “هو مجرد دليل آخر على أنه لا يمكن الوثوق بالنظام الإيراني وتذكرة أخرى جيدة بأن الرئيس اتخذ القرار السليم بالانسحاب من الاتفاق الإيراني”، فيما أدان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الهجمات الصاروخية الإيرانية على قوات إسرائيلية، وحث الجمهورية الإسلامية على الكف عن أية تصرفات قد تزعزع استقرار المنطقة، وقال :”ندعو إيران للكف عن أية تصرفات لا تؤدي سوى لزيادة عدم الاستقرار في المنطقة، من المهم تفادي مزيد من التصعيد الذي لن يكون في مصلحة أحد”، فيما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، إن الهجمات على هضبة الجولان استفزاز، ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها.
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية، إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حثا إسرائيل وإيران على ضبط النفس، لتجنب مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط، فيما قالت “ميركل” في كلمة أثناء تسلم “ماكرون” لجائزة شارلمان الرفيعة في ألمانيا: “نعلم أن الوضع معقد للغاية، والتصعيد على مدى الساعات القليلة الماضية يظهر لنا أن الأمر يتعلق بالحرب والسلام، وليس بوسعي سوى دعوة كل الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس”.
سيناريوهات الغد
ووسط مشهد التوتر المتصاعد، يتحدث كثيرون أن إسرائيل فشلت في رسم خطوط حمراء لحدود التمدد الإيراني في سوريا، ونفوذه في لبنان عبر حزب الله، في حين تسعى إيران وحليفها النظام السوري لرسم خطوط حمراء لإسرائيل، ولذا يرجح مراقبون أن تبقى المواجهة الحالية قائمة لتوسعها أو تحضيرها لحرب شاملة، خاصة أن ما حدث من تصعيد هو الأخطر على جبهة الجولان، منذ الحرب السورية المستمرة منذ سبع سنوات، الأمر الذي ينذر بتدهور خطير في النزاع المتعدد الأطراف، رغم أن إسرائيل قصفت مصنعًا سوريًّا-إيرانيًّا مشتركًا للأسلحة، ثم ضربت قاعدة لميليشيا موالية لإيران قرب دمشق، في أوقات سابقة.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية من جانبها قالت إن قرار “ترامب” وَضَع “إسرائيل” في خطر مباشر، لأن حربًا كاملة مع إيران في سوريا أصبحت أكثر ترجيحًا، مضيفة أن نتنياهو لم ينتبه إلى أن هذا الاتفاق الذي يعتبره طريق طهران لصنع قنبلة نووية هو الذي كان يمنع حربًا كاملة بين “إسرائيل” وإيران في سوريا حتى الآن، فيما أكدت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن نوعية خطابات “إسرائيل” التي ترى أن الانسحاب من الاتفاق النووي يصب في مصلحتها، تكشف استعدادها للدخول في حرب مع إيران في القريب العاجل، وعلى الأرض السورية، خاصة أن إيران توعدت بالرد على الضربات الأخيرة في الوقت المناسب، فيما يرى محللون أن الانسحاب من الاتفاق النووي سوف يدفع بإيران إلى مزيد من التطرف في مواقفها، وأن التيار المتطرف داخل النظام الإيراني سيدفع باتجاه تسريع الحصول على التكنولوجيا النووية والصواريخ البالستية، حيث صرح أحد قادة الحرس بأن “إسرائيل” ستواجه ضربة مباغتة غير متوقعة، وهو ما يسرع من رد الفعل الإسرائيلي، ما يضع سوريا في خانة الانتظار لما هو قادم بين الكيان الصهيوني وإيران.
وفي مطالعة دورية لمركز كارينجي للدراسات الإستراتيجية صدرت الخميس تحت عنوان “هل الحرب بين إسرائيل وإيران حول سورية حتمية؟”، رأى جان-بيار فيليو، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في معهد الدراسات السياسية في كليّة الشؤون الدولية في باريس، أنه لا يبدو أن ثمة حربًا شاملة تلوح في الأفق بين إيران وإسرائيل في سوريا، كذلك يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه صعوبة في التكيّف مع واقع أن القوة الإيرانية باتت على مقربة من حدود إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، نتيجةً لسياسته التي اتّسمت بقصر النظر والتي تمثّلت في اعتبار نظام الأسد “أهون الشرّين”، لا بل حتى أحد الحصون الضامنة للاستقرار، كما أظهرت الاشتباكات الأخيرة بين إسرائيل وإيران في سوريا أن الجانبين يواجهان صعوبة في التعامل مع مثل هذا الوضع غير المسبوق، لكنني أستبعد أن تؤول الأمور إلى المزيد من التصعيد، غالب الظن أن يتم تحديد “خطوط حمراء” جديدة باتفاق ضمني بين إسرائيل وإيران.
وأضاف أن نتنياهو ظن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قادرٌ على حثّ إيران على ضبط النفس، لكنه أخطأ التقدير كثيرًا، فطهران ليس لديها الآن أية مصلحة في خوض صراع مفتوح مع إسرائيل من شأنه أن يهدّد مكاسبها الكُبرى في سوريا، لذا، أنا واثق بأن التوصّل إلى اتفاق أمر واقع في المدى القصير، فيما سيتكبّد السوريون مجدّدًا كلفة إجراءات “تخفيف التصعيد” المُلتوية، فيما يرى نيكولاس بلانفورد (باحث غير مقيم في مبادرة السلام والأمن في الشرق الأوسط، في مركز “برنت سكوكروفت للأمن الدولي” في المجلس الأطلسي)، أن اندلاع نزاع بين إسرائيل وإيران في سوريا أكثر من مجرد احتمال، وبينما يحاول الطرفان الإبقاء عليه تحت السيطرة ومحدودًا جغرافيًّا، إلا أن خطر بلوغه الأراضي اللبنانية حقيقي
اضف تعليقا