منصور عطية

رغم أنها لم تحقق أهدافًا مادية، إلا أنَّ دخول الطائرات الحوثية المُسيّرة (بدون طيار) معادلة الحرب في اليمن، يجرح كثيرًا كرامة السعودية التي تروِّج لانتصاراتها هناك، كما يحيط مصير الصراع الدائر منذ أكثر من 3 سنوات بظلال من المجهول.

الردّ السعودي على المحاولة الحوثية ربما جاء لحفظ ماء وجه ولي العهد محمد بن سلمان، لكنَّه أثار تساؤلات حول موقف الرياض في خِضمّ هجمات متتالية بأسلحة متنوعة لم تتمكن من إيقافها.

أول طائرة في رمضان

أعلنت جماعة أنصار الله (الحوثيون) السبت، “شن غارات” على مطار أبها الإقليمي في منطقة عسير جنوب السعودية، فيما أعلن التحالف العربي إحباط الهجوم والقضاء على المسؤولين عنه.

وقالت قناة “المسيرة” التابعة للجماعة، إنّ “سلاح الجو المسيّر شن غارات على مطار أبها في عسير”، ونقلت عمّا أسمته “مصدر في سلاح الجو المسير” قوله: إنَّ حركة الملاحة توقفت من وإلى المطار بعد استهدافه بعدة غارات.

من جهته، أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، “إحباط محاولة هجوم إرهابي بطائرة بدون طيار باتجاه أبها جنوبي غرب المملكة”، ونقلت قناة “الإخبارية” السعودية الرسمية عن التحالف، أنه تمّ “رصد وتدمير طائرة بدون طيار، حاولت الاقتراب من مطار أبها الدولي”.

وأشار التحالف إلى أنه تم “استهداف الإرهابيين المسؤولين عن إطلاق الطائرات بدون طيار من صعدة شمال اليمن”، وأن المطار يعمل بحركته المعتادة.

ويعدّ هذا هو أول هجوم حوثي بطائرات مسيّرة خلال شهر رمضان، لكن سبق أن أعلن الحوثيون شنَّ غارات مماثلة على المطار ذاته، الشهر الماضي، بطائرات من نوع “قاصف” طورتها الجماعة، فيما قال التحالف آنذاك: إنه أسقط تلك الطائرة.

سلسلة هجمات غير مسبوقة

الهجوم الحوثي بالطائرة المسيرة يأتي بعد أسبوع من إعلان قوات الدفاع الجوي السعودي اعتراض صاروخ باليستي فوق سماء مدينة ‎”خميس مشيط”، جنوب غربي المملكة، وقالت قناة “المسيرة” الناطقة باسم “الحوثيين”: إنَّ القوة الصاروخية التابعة للجماعة قامت بـ”قصف لواء الرادارات السعودي في خميس مشيط بصاروخ بدر 1 الباليستي”.

استهداف لواء الرادارات لم يكن الأول من نوعه، ففي 8 أبريل الماضي أعلن الحوثيون عن إطلاق صاروخ باليستي من نوع “بدر 1” أيضًا على اللواء ذاته.

بعدها بيومين أعلنت ميليشيا الحوثي أنها أطلقت صاروخين باليستيين على موقعين للجيش السعودي في جازان وعسير (جنوبي المملكة).

وقال الحوثيون، إنهم أطلقوا صاروخًا باليستيًا من نوع “بدر واحد” على معسكر للإمداد والتموين في جازان السعودية، كما تحدثوا عن إطلاق صاروخ باليستي ثانٍ من نوع “قاهر تو إم” على معسكر في عسير التي تقع بدورها جنوب المملكة.

وفي 15 أبريل استهدف الحوثيون بصاروخ باليستي مدينة الفيصل العسكرية في جيزان، بينما تزامن ذلك مع أنباء راجت باستهدافهم مقرّ وزارة الدفاع السعودية في العاصمة الرياض.

وقال الناطق باسم ميليشيا الحوثي شرف لقمان، إن جماعته جاهزة لتنفيذ كلام رئيس المجلس السياسي للجماعة الذي يقضي بإطلاق صواريخ باليستية كل يوم باتجاه السعودية، مضيفًا أنَّ كلام الصماد “أمر تنفيذي سيشاهد في الأيام المقبلة”.

وكان رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد- الذي قتل في غارة للتحالف أواخر أبريل الماضي- صرَّح بأن هذا العام سيكون “عامًا بالستيًا بامتياز”، قائلًا: إنَّ السعودية لن تسلم من الصواريخ مهما حشدت من منظومات دفاعية.

وصعّد مسلحو الحوثي منذ 25 مارس الماضي ضرباتهم الصاروخية مستهدفين العمق السعودي، بما في ذلك العاصمة الرياض، بالإضافة إلى منشآت اقتصادية على غرار شركة “أرامكو” النفطية.

وحسب تقديرات إعلامية استنادًا إلى بيانات رسمية بلغ عدد الصواريخ التي أعلنت السعودية سقوطها أو اعتراضها وتدميرها في سماء المملكة 36، منذ 26 مارس الماضي، بينما بلغ العدد الإجمالي للصواريخ التي استهدفت المملكة 140، منذ بدء العمليات العسكرية للتحالف باليمن في 26 مارس 2015.

هل تجبره على التفاوض؟

ورغم أنَّ تقدير موقف السعودية في تلك الحرب على إثر الضربات والهجمات المتتالية، مع اعتبار الفارق في الإمكانات والقدرات العسكرية، يتأرجح بين الفشل في تحقيق الهدف من الحرب والهزيمة، إلا أن ابن سلمان يرى شيئًا آخر.

الأمير الشاب اعتبر أنَّ ارتفاع وتيرة استهداف الحوثيين للمملكة بالصواريخ مجرد “محاولة أخيرة بائسة لا تعبر إلا عن ضعفهم”.

المثير في هذا التصريح الذي يرجع لشهر مارس الماضي، أنه تضمن في الوقت ذاته ميلًا إلى التهدئة من جانب ابن سلمان لا التصعيد؛ حيث قال إنَّ التحالف العربي بقيادة السعودية يسعى لإنهاء الحرب في اليمن عبر عملية سياسية، وعبر محاولة تقسيم ميليشيا الحوثيين والضغط العسكري عليهم.

الحديث السعودي عن السلام جاء تحت ضغط أمريكي لم تخفه الولايات المتحدة خلال زيارة ابن سلمان الأخيرة إلى هناك؛ حيث قال له وزير الدفاع “جيمس ماتيس” في 22 مارس إنه “ينبغي بشكل عاجل إيجاد حل سياسي لحرب اليمن”، وعبّر عن أمله في نجاح جهود السلام التي يقودها المبعوث الأممي.

كثيرون يرون أن التطورات المتلاحقة على الأرض في المشهد اليمني، فضلا عن الضغوط الخارجية على السعودية، تجعل الخيارات محدودة بالنسبة للرياض.

الحديث عن تحقق أهداف التحالف التي شنّ الحرب من أجلها قبل أكثر من 3 سنوات، يبدو غير منطقي في ظلّ انقسام واضح بين مكوّنيه الرئيسيين السعودية والإمارات، وما كشفته تفاصيل الحرب من صراع دائر بينهما على النفوذ في اليمن، أحدث إرهاصاته أزمة جزيرة سقطرى.

وبدأ الصراع يتخذ أشكالًا أعمق وأكثر خطورة، خاصة مع اندلاع أزمة انفصال الجنوب، لكن أحدث إرهاصات الدور الإماراتي المشبوه في اليمن كشفه الفيلم الوثائقي “كيد الأشقاء”، الذي تحدّث عن تورط الإمارات في أعمال استخباراتية ضد السعودية خلال الحرب على اليمن، فضلًا عن ضلوع القوات الإماراتية في إسقاط طائرة سعودية هناك هذا العام.

العديد من الشواهد على الممارسات والانتهاكات الإماراتية المخالفة للسعودية ولأهداف الحرب، رصدها وحللها (العدسة) في تقرير سابق.

على صعيد الخسائر التي مُنيت بها السعودية فلا تتوفر معلومات رسمية أو إحصاءات دقيقة بشأنها، إلا أن تقارير إعلامية قدرت الكلفة اليومية للحرب بـ 750 مليون ريال، يتم إنفاقها كقيمة للذخائر، وقطع غيار، وإعاشة وتموين أفراد الجيش فقط، بينما بلغ إجمالي الكلفة الكلية للحرب خلال شهورها التسعة الأولى نحو 200 مليار ريال.

أما على مستوى الخسائر في العتاد والآليات وأعداد القتلى، فقد أسهبت تقارير أخرى في بيانها، لكن دون الاستناد إلى مصادر موثوقة.

ولعل التساؤل الأبرز في هذه الحالة: هل تجبر صواريخ وطائرات الحوثي ابن سلمان على أن ينتقل حديثه عن الحل السياسي من دائرة التصريحات ليصبح واقعًا؟