تدق طبول الحرب في فنزويلا ، وتتسارع التحذيرات من هنا وهناك ، بينما مازال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمارس هوايته في التدخل في شئون الدول والتحريض على الانقلابات!

“العدسة” يسلط الضوء على الوضع الملتهب في كراكاس وسيناريوهات الأزمة المتصاعدة والتي تشير مؤشرات عديدة أن كافة الاحتمالات قائمة شرط توافر فرصها والتي مازالت في شد وجذب في فنزويلا بين سلطة ترفض تدخلات العم سام ومعارضة تستنجد بالبيت الأبيض !

حالة تأهب !

ساعات عصيبة تمر على فنزويلا ، تصدرها إعلانات متتالية من الجيش الفنزويلي، تقرع طبول الحرب وتؤكد أنه “في حالة تأهب” استعدادا للمواجهة ، فيما زال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواصل استفزازه وتهديده.

الجيش على لسان وزير الدفاع، فلاديمير بادرينو كرر الأربعاء 20 فبراير تأكيد ولائه “الذي لا يتزعزع” للرئيس نيكولاس مادورو، بعد التهديدات الأخيرة من “ترامب” ، وكانت الرسالة الأقوى هي التهديد بالدم من قبل وزير الدفاع الفنزويلي ، حيث قال الثلاثاء 19 فبراير :”إنه يتعين على المعارضة أن تمر على “جثثنا” قبل أن تتمكن من عزل الرئيس وفرض حكومة جديدة”.

الرد العسكري كان قاطعا فيما يبدو في مساندة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أمام تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقادة العسكريين في فنزويلا بأنهم “سيخسرون كل شيء” في حال رفضوا الانضمام إلى زعيم المعارضة خوان جوايدو وقبول العفو.

وفي المقابل سخر الرئيس الفنزويلي، ​نيكولاس مادورو​، من نظيره الأمريكي  قائلا :” إنه يتحدث بأسلوب نازي ، إنه يعتقد أن بإمكانه إصدار أوامر للجيش الفنزويلي”، متسائلا: “من هو قائد ​القوات​ المسلحة، هل هو دونالد ترامب في ميامي؟!”.

هذا التصعيد يشعله ما زعمه “ترامب” في إطار لعبة عض الأصابع بينه وبين نظيره الفنزويلي ، من إرسال كوبا قوات عسكرية إلى كراكاس لحماية الرئيس الفنزويلي مادورو، لكن سريعا نفى وزير الخارجية الكوبي برونو رودريجز ما أعلنه الرئيس الأمريكي واصفاً اتهامات سيّد البيت الأبيض لبلاده “بالخسيسة”.

طبول الحرب !

نوع آخر من الحرب بدأ فعليا بين فنزويلا والبيت الأبيض ، تركز على الحرب النفسية والبعد الاقتصادي باستخدام ورقة ” المساعدات الخارجية “!

زعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو، المدعوم أمريكيا ، والذي بات يشكل دولة داخل الدولة بحسب المراقبين ، كشف عن أن دولا أوروبية وعدت بتخصيص 18 مليون دولار مساعدات إنسانية لبلاده وأن يوم  23 فبراير سيكون يوم إيصال المساعدات الإنسانية لفنزويلا من مختلف دول العالم ، كما أعلن جوايدو، إنشاء ثلاث نقاط لجمع المساعدات الإنسانية: في ولاية كوكوتا الكولومبية، وفي البرازيل، وعلى جزيرة في منطقة البحر الكاريبي.

لكن في المقابل أعلن “مادورو” أن المساعدات تعد “جزءا من إستراتيجية الولايات المتحدة لاحتلال فنزويلا”، وأعلن أنه “لن يسمح بهذا الاستعراض”، مؤكدا أن روسيا أرسلت الأربعاء 20 فبراير إلى بلاده 300 طن من المساعدات الإنسانية وأن البضائع التي تستوردها بلاده “دفع ثمنها بكرامة”، من روسيا والصين وتركيا ودول أخرى، إضافة إلى مساعدات من الأمم المتحدة.

البرازيل الموالية حكومتها لـ”ترامب” دخلت في خط الحرب النفسية الثلاثاء 19 فبراير معلنها أنها ستضع قرب حدودها مع فنزويلا السبت المقبل مساعدات إنسانية موجّهة إلى جارتها، وذلك في إطار عملية يجري إعدادها “بالتعاون مع الولايات المتحدة”!! .

وفي رد فعل سريع في مواجهة ما يحدث باستخدام ورقة المساعدات ، أغلقت فنزويلا حدودها البحرية مع كوراساو منعا لاستخدام الجزيرة الهولندية الواقعة قبالة سواحلها الشمالية، منطلقا لإرسال مساعدات أمريكية لأراضيها.

هذه الحرب النفسية ، قد تتطور ، وهو ما حذرت الخارجية الروسية منه موضحة أن استمرار التحضير تحت ستار القافلة الإنسانية استفزاز يؤدي إلى سقوط ضحايا في فنزويلا وتبرير التدخل العسكري الخارجي في هذا البلد.

أربعة سيناريوهات  

والأمر كذلك فإن فنزويلا تواجه أربعة سيناريوهات بحسب مراقبين يتقدمها جر “مادورو” نظيره الأمريكي إلى فيتنام جديدة في بلاده!.

هذا السيناريو يستند إلى تصريحات الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو المتكررة عن تصعيد المواجهة ورفع حالة الاستعداد العسكرية وغلق الحدود واعتبار المساعدات أداة احتلال أمريكية لبلاده.

ويشير مراقبون إلى أن خطاب المواجهة الدموية حاضر في أحاديث الرئيس الفنزويلي كذلك حيث أعلن أنه لا يستبعد احتمالية اندلاع حرب أهلية بالبلاد ومع تزايد الضغوط عليه للتنحي عن منصبه، كما حذر نظيره الأمريكي من تكرار حرب فيتنام في أمريكا اللاتينية متوقعا أن يترك ترامب البيت الأبيض ملطخا بالدماء إذا تدخل في الأزمة في فنزويلا!

في هذا الإطار اعتبر حلفاء مادورو أن تسييس مسألة المساعدات الإنسانية لفنزويلا، والتستر بها للتلاعب بالرأي العام وتعبئة القوى المناهضة للحكومة بهدف الانقلاب على السلطة، وقالت الخارجية الروسية :” إن النداءات الموجهة للقوات المسلحة الفنزويلية،تنذر بجرّ هذا البلد إلى مواجهة أهلية داخلية”.

وقال الكاتب أليكس وارد، في تقرير لموقع “فوكس الأمريكي”  إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل في الأزمة السياسية الفنزويلية من الممكن أن يؤدي إلى حرب أهلية في المستقبل.

السيناريو الثاني بحسب البعض هو استمرار تحفيز الجبهة الداخلية الداعمة للرئيس الفنزويلي وتقويض الجبهة المناوئة ، لحين فتح باب للحل السلمي والسياسي عبر الحوار.

وكان ” نيكولاس مادورو” طالب في مطلع فبراير الجاري بابا الفاتيكان بالتدخل لدعم الحوار في فنزويلا ، وكشف عن أن  “حكومات المكسيك وأوروجواي وبوليفيا، وجميع الحكومات الكاريبية ودول مجموعة الكاريبي، تدعم عقد مؤتمر للحوار والسلام في الشأن الفنزويلى.

ويعزز قوة هذا السيناريو أن خيار الغزو العسكري هو الأقل احتمالية الآن، بحسب مراقبين ، حيث أعلنت المعارضة الفنزويلية وعدد من قادة أمريكا اللاتينية معارضتهم لمثل هذه الحركة، وحتى ترامب نفسه أعلن عن رغبته في إخراج القوات الأمريكية من الدول الأجنبية.

السيناريو الثالث يربطه البعض بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ، ويرون أن التصعيد برمته في إطار حرب طويلة بين البلدين ولكن لجأ ترامب إليه في هذه الفترة لتعزيز فرصه الانتخابية، وهو ما يعززه مراقبون يرون أن موقف “ترامب” من “مادورو” هو افتتاحٌ لمعركته الرئاسيّة وبالتالي فصعود المواجهة أو هبوطها مرتبط بعوامل أخرى في الانتخابات الأمريكية وبما يحققه لصالح الصندوق الانتخابي المنتظر.

وفي هذا الإطار رد “مادورو” الكرة في ملعب “الشعب الأمريكي ” حيث خاطبه مباشرة طلبا العون قائلا من خلال تغريدة على صفحته في “تويتر”: “أيها الأمريكيون أطلب مساعدتكم لمنع تدخل إدارة وحكومة الرئيس دونالد ترامب في شؤوننا والذي يعتزم أن يحول فنزويلا إلى فيتنام في أمريكا اللاتينية”.

وبحسب رونال رودريجز، الخبير بالمرصد الفنزويلي بجامعة روزاريو في كولومبيا، فإنه على الرغم من الفوضى الحالية في فنزويلا، فمن المحتمل للغاية أن يبقى مادورو في السلطة، في ظل دعم الجيش وسيطرة الموالين له على العديد من المؤسسات المهمة الأخرى في البلاد، مثل المحكمة العليا”.

السيناريو الرابع بحسب مراقبين هو سيطرة المعارضة على الحكم  بسبب الضغط المحلي والدولي المتزايد على “مادورو” الذي قد يؤدي في النهاية إلى إجباره على التنحي وإبرام صفقة مع المعارضة خاصة أن غريمه “جوايدو” قال في وقت سابق :” إنه قد يفكر في تقديم عفو لمادورو إذا ترك منصبه بإرادته”.

هذه السيناريوهات تتشابك بعضها مع تقدير موقف حديث لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يتوقع فيه أن احتمالات تطور الأزمة تدور بين أربعة سيناريوهات، هي: انحياز الجيش لصالح المعارضة، وهو السيناريو الأبعد أو أن يقوم بالسيطرة على زمام الأمور وتنحية الطرفين، ولكن البديل ليس واضحًا في هذه الحالة. أو نجاح محاولات التفاوض التي تحاول المكسيك التوسط فيها في الأزمة الحالية، والوصول لتسوية بين الطرفين. بينما يبقى الاحتمال الرابع، وهو الأضعف، في بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، ونجاح “مادورو” في التشبث بالسلطة.