“يا عم حمزة، رجعوا التلامذة، يا عم حمزة للجد تانى”.!

يبدو أن كلمات الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم عادت من جديد على واقع مظاهرات الجزائر ، تبشر بالأمل في عودة طلابية جديدة تعطي الزخم لموجة ثانية من الربيع العربي باتت قرب قوسين أو أدنى بحسب المراقبين.

ويبدو أن “التلامذة” قادمون من قلب الحرم الجامعي – وفق ما رصدنا – رغم قمع أنظمة الخريف العبري برعاية الامارات والسعودية ، وكانت البداية في الجزائر واضحة ، جامعات تهتف وسط فعاليات حضارية: “لا للعهدة الخامسة” وتنادى الجميع في حراك عربي شامل بات يمثل رعبا لانظمة الثورات المضادة.

رسالة الجزائر!

كان لافتا لدى المراقبين قرار وزارة التعليم العالي الجزائرية، إغلاق أبواب الجامعات، والإقامات الحكومية المخصصة للطلاب؛ بسبب الحراك الشعبي المضاد لترشح الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، حيث مددت العطلة الجامعية في سابقة هي الأولى من نوعها.

وصنف المتابعون القرار كعلامة على نجاح الحركة الطلابية الجزائرية في التأثير في فعالية المظاهرات الرافضة للعهدة الخامسة ، حيث يعد طلاب الجامعات عصب المظاهرات الشعبية الجزائرية، وأسهمت الساحات داخل الجامعات في إعطاء الاحتجاجات زخما كبيرا ، ويعتبر حرم جامعة الجزائر واحدا من أشهر بؤر الاحتجاجات ، وعمدت الشرطة في أكثر من مرة إلى إغلاقه بإحكام لمنع خروج الطلاب إلى الشوارع.

هذا النجاح ظهر كذلك في اجتماع الحملة الانتخابية للرئيس المريض المترشح بقادة التنظيمات الطلابية؛ لحثّهم على ”إنجاح حملة بوتفليقة، وحشد الطلاب لصالحه“ بعد تصاعد مشاركة الطلاب في الحراك منذ 22 فبراير الماضي في ضربة قوية بحسب المراقبين أركان أحزاب الموالاة المهيمنة على تنظيمات طلابية متحكمة في دواليب قطاع الجامعات الجزائرية لكن الغضب الطلابي كان أقوى .

 

ويتصدر المشهد الاحتجاجي عدة جامعات وقفات ومسيرات للطلاب منها حرم جامعة “الجزائر المركزية” بالعاصمة ومقار كليات أخرى تتبع الجامعة ذاتها هي العلوم السياسية والطب والحقوق ، كما وصلت الاحتجاجات إلى جامعات بولايات أخرى مجاورة للعاصمة مثل تيزو أوزو وبجاية والبويرة وبومرداس وتيبازة، إلى جانب سطيف وقسنطينة وباتنة ومسيلة ووهران وورقلة وأدرار، ركز الطلاب فيها على رسالتين بارزتين عبر الشعارات هما :” سلمية سلمية، لا للعهدة الخامسة”.

الرعب من الطلبة !

ووفق المراقبين ، فقد شكلت الحركة الطلابية هدفا أساسيا للتحالف العربي الصهيوني الذي حاصر الموجة الأولى للربيع العربي واستهدف أبرز عناصرها وهم الطلبة ، في محاولة للحليولة دون موجة ثانية بحسب ما يتوقع كثيريون.

في مصر استهدف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بعد قيامه بالانقلاب العسكري في 2013 الحركة الطلابية بقسوة ، ووصل عدد المعتقلين من الطلاب على الأقل 3462 طالبًا جامعيًّا خلف القضبان، بجانب المئات من الشهداء وتنفيذ عمليات اختفاء قسري للمئات، باعتقالهم بشكل غير قانوني واحتجازهم في أماكن سرية حيث يتم تعذيبهم هناك بطرق غير مشروعة، وهو ما دفع 160 شخصية مصرية بارزة لإصدار بيان إدانة للهجمة الأمنية ضد الحركة الطلابية في مارس 2018 ضمن ادانات حقوقية وسياسية ودولية متكررة.

ولم يختلف الوضع في الامارات ، حيث ظل الخوف من الطلبة ملمحا رئيسا في منظومة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ، وهو ما وثقته منظمة العفو الدولية مؤكدة أن العنف السلطوي طال أساتذة جامعات وطلاب وأفراد عائلات هؤلاء الأشخاص.

وبحسب تقرير لمؤسسة كارينجي للدراسات في الشرق الأوسط عقب انطلاق الربيع العربي بعام في تطوّر معبّر، تحدث طلاب إماراتيون عن حاجتهم لثورة ليس بسبب الجوع ولكن بسبب الحرية والكرامة ، وأشاروا إلى أن تأثير الربيع العربي سيطال حكماً الإمارات العربية المتحدة: قائلين : “… هذا أشبه بالموجة. إذا كان العالم كلّه يتغيّر وإذا كانت هذه الموجة تتقدّم وتجرف الجميع معها، فسوف تمرّ بطريقة ما في هذا المكان أيضاً”.

وفي البحرين كانت وتيرة استهداف الطلاب ملحوظة ، ووفق مركز البحرين لحقوق الإنسان فإن هناك أكثر من 200 طالب محرومون من الدراسة بسبب وجودهم داخل السجن لأسباب سياسيّة بعد الاحتجاجات الشيعية على نظام الحكم الذي يصفونه بـ” القمعي” و”الطائفي”.

وشكلت سوريا في عهد حافظ الأسد ونجله بشار صورة واضحة لقمع الحركة الطلابية السورية  والخوف منها ، وهو ما ظهر جليا بحسب المراقبين مع انطلاق الانتفاضة السورية ، حيث استهدف شبيحة “بشار الأسد” الحراك الطلابي بشكل عنيف وممنهج  

وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة ظل التنكيل الصهيوني بالطلبة سيد الموقف، حيث تعرض الآلاف للاعتداءات الممنهجة ، وكثفت قوات الاحتلال الصهيوني في العام 2018 من اعتقالاتها المتفرقة في صفوف الطلاب الفلسطينيين في جامعات الضفة الغربية ، فيما مددت اعتقال عدد آخر من الطلاب قبيل فترة من موعد الإفراج عنهم.

وفي العام 2017 تعرض 80279 طالب وطالبة لاعتداءات من قبل قوات الاحتلال ؛ تنوعت ما بين ارتقاء الشهداء وسقوط الجرحى والاعتقالات والاحتجاز والإقامات الجبرية والتأخير على الحواجز والحرمان من الوصول الآمن للمدارس، من خلال إغلاق الحواجز والبوابات ، وفي العام 2016 كشفت تقارير عن أعداد مماثلة .

المستقبل للحركة الطلابية !

ورغم القمع المستند للخوف ، إلا أن تفاؤل كبير يحوط بمستقبل الحركة الطلابية ويراهن عليها كثيريون لقيادة موجة ثانية من الربيع العربي أو المشاركة فيه بثقل لافت.

ويرى مراقبون أن طلاب وطالبات الخليج يمكن لهم لفت أنظار المجتمع لمطالبهم المشروعة بل ربما يمتد تأثيرهم إلى خارج أسوار الجامعات والمعاهد العليا ليكون حراكًا شاملًا على غرار ما حدث من قبل في فرنسا ومصر وجنوب إفريقيا .

وفي هذا الشأن يقول الكاتب السوداني محمد مصطفى جامع ::إن هناك جيلًا جديدًا من الحركة الطلابية سيظهر في وقتٍ ما متى أتيحت له الفرصة، ليقدم مقاربة مختلفة لواقعه، في ظلّ متغيرات داخلية وخارجية عديدة وكبيرة، والكبت ومصادرة حرية التعبير يفاقم الإشكال مع هذا الجيل ويزيد الاحتقان”.

وبحسب أحمد عبدربه، مدرس العلوم السياسية في جامعة القاهرة فإن هناك  3 سيناريوهات تنتظر “دور الشباب في الوطن العربي” وفي القلب منهم الطلاب خلال الفترة المقبلة وهم : اطلاق الشباب ثورة ثانية، أو استمرار انسحاب الشباب من العمل العام تأثرا بـ”الضربات الموجعة التي وجهت لهم خلال الأعوام الماضية” أو انخراط الشباب في تطرف فكري وحركي بجانب العنف السياسي.

مؤسسة ” مبادرة الإصلاح العربي” للفكر المستقل من جانها تربط مستقبل الحركة الطلابية في الوطن العربي كإحدى الحركات الاجتماعية بعدة عوامل هي : قدرتها على رسم الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع تغير السياق السياسي وانغلاقه بشكل يمكنها من اقتناص الفرص المتاحة على ندرتها وتقليل تكلفة التحرك عند اشتداد القمع وقدرتها على تشكيل تنظيم قوي مبني على روابط اجتماعية وآليات للتضامن الاجتماعي، وقادر على تأطير مطالبه وخطابه بطريقة تمكنه من الولوج إلى قلب الجمهور الأوسع بجانب تحديد شكل الحركة و طريقتها في التفاعل مع القمع.

ولكن يرى البعض أن صعود الحركة الطلابية في الجزائر يعزز من فرص مشاركة الحركة الطلابية في الموجة الثانية للربيع العربي التي يترقبها كثيريون ، بعدما تهيأت الظروف لها عقب إفلاس الثورات المضادة وانكشاف الدول التي تزعمتها وفق ما رصدته (العدسة ) في الفترة الأخيرة.