العدسة – محمد العربي
أزمة جديدة تشهدها الساحة الدينية الرسمية بمصر بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، أما سبب الأزمة الجديدة فكانت صكوك الأضاحي التي تتبناها وزارة الأوقاف للعام الرابع علي التوالي.
علماء أزهريون شككوا في شرعية هذه الصكوك، مطالبين الأوقاف بالكف عن صكوكها، التي تحمل أهدافا سياسية وليست شرعية، وكما أشار الدكتور عبد الوارث عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر فإن الصكوك عبارة عن إعطاء مال لشخص ما يقوم بذبح ذبيحة مجهولة، وهو أمر باطل في الشرع ولا يجوز، لأن أهم شروط الذبح أن يعرف الشخص ما هي الذبيحة التي يذبحها، وهو ما لا يتوفر مع الصكوك، مؤكدا أنها تقع فقط في إطار الأفضل لمن يخاف الغفلة أو النصب عليه عندما يقوم بالأضحية، بينما أكد الأستاذ الشهير بجامعة الأزهر أحمد كريمة.
الرفض الأزهري واجهته الأوقاف بحملة ترويج للصكوك عبر منابرها ومن خلال أئمتها في المساجد، وأكدت في بيان رسمي لها أن صكوك الأضحية مطابقة للشريعة الإسلامية، وأن الذبح سوف يتم على الطريقة الشرعية، وفي الوقت الشرعي للذبح، ويجري إعداد قوائم المستحقين في المناطق الأكثر احتياجًا للأسر الأولى بالرعاية، وأن قبول التبرع مستمر لثالث أيام النحر الموافق الخميس 23 من أغسطس.
ووجه الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني والمتحدث باسم الوزارة، انتقادات حادة لمنتقدي الصكوك، متوعدا الذين افتوا بحرمة الصكوك بالفصل من الخطابة إذا كانوا تابعين للوزارة.
صراع النفوذ
وطبقا للدستور المصري فإن المؤسسات الدينية الرسمية المعنية بتنظيم الشئون الدينية والشرعية هم الأزهر الشريف والذي يضم عدة مؤسسات هامة وهم، هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر الشريف، ولجنة الفتوي بالأزهر الشريف، وإدارة الدعوة، وطبقا للدساتير المختلفة منذ تعديلات دستور 1976 وحتي 2014، فإن مجمع البحوث الإسلامية هو الجهة المنوط بها مراجعة القوانين المرتبطة بالشريعة الإسلامية.
أما الجهة الثانية فهي وزارة الأوقاف وهي المعنية بإدارة الوقف الإسلامي وشئون المساجد والدعوة، بالإضافة للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية الذي تأسس لنشر القيم الإسلامية في مصر والعالمين العربي والإسلامي، بينما كان الهدف الأساسي هو تقليص نفوذ مشيخة الأزهر الشريف.
أما الجهة الثالثة التي تتقاسم الشئون الدينية الرسمية فهي دار الإفتاء التي تتبع وزارة العدل، إلا أن اختيار المفتي يخضع لترشيح هيئة كبار العلماء بالأزهر، لثلاثة من علماءه تتوافر فيهم شروط ومتطلبات الإفتاء، علي أن يختار رئيس الجمهورية واحدا من بينهم.
وظلت العلاقة متناغمة بين الهيئات الثلاثة في ظل توزيع الاختصاصات بينهم، وكانت الفترة الأبرز التي تولي فيها الدكتور حمدي زقزق وزارة الأوقاف، بجانب الشيخ أحمد الطيب مشيخة الأزهر والدكتور علي جمعة دار الإفتاء، إلا أنه بعد نجاح الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية، اختلف الأمر بعد اختيار الدكتور طلعت عفيفي وزيرا للأوقاف، ثم اختيار الدكتور شوقي علام مفتيا للديار، إلا أنه مع بداية الانقلاب تضامن الشيخ والمفتي ضد الرئيس الشرعي، وبعد تكليف الدكتور حازم الببلاوي برئاسة أول حكومة بعد الإنقلاب، جاء اختيار الدكتور مختار جمعة وكيل الجمعية الشرعية السابق، وزيرا للأوقاف، بترشيح مباشر من الطيب الذي عين جمعة كذلك في مكتبه الفني وفي هيئة كبار العلماء ليكتمل الثلاثي الديني الرسمي مرة أخري، ولكنه اكتمالا لم يحافظ علي تناغمه طويلا.
وطبقا للعديد من المتابعين فإن طموح مختار جمعة تصادم مع نفوذ الشيخ الطيب، الذي لم يجد في الوزير الجديد إلا منافسا مفضوحا، يريد أن يقفز علي كرسي المشيخة، وهو ما فطن اليه الطيب مبكرا، ولذلك كان الصدام بين الرجلين علي أشده، بعد أن أعاد الشيخ ترتيب المكتب الفني ليستبعد جمعة منه، في إشارة من الشيخ بأنه علي علم بمخططات الوزير، ورغم قوة مخالب الطيب إلا أنها فشلت في القضاء علي الوزير المدعوم من رئيس الإنقلاب بشكل كبير.
الضرب تحت الحزام
وقد خضعت العلاقة بين الرجلين لما يمكن ان نسميه لسياسية الضرب تحت الحزام طوال الفترة الأولي من تولي رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي للحكم، وهو ما ظهر في دعم الوزير لكل ما خرج عن السيسي في قضية الخطاب الديني، وتعريضه ضد الإمام بأنه يقف أمام تطوير هذا الخطاب، وان الشيخ فشل في تطهير الأزهر من علماء الإخوان، علي عكس النجاح الذي حققه الوزير في نفس الملف.
ونتيجة للتأييد والدعم الذي يحظي به الوزير من السيسي فقد تعجل الرجل المواجهة المباشرة ضد الإمام، ولذلك بدء الوزير في استخدام أئمة المساجد ضد الشيخ في محاولة واضحة لنزع المهابة والتقدير الذي يحظي به منصب شيخ الأزهر لدي الدعاة والأئمة ايا كانت الجهة التي ينتمون إليها، ثم قام بعزل وكيل الزهر وعدد من مستشاري الشيخ من لجان المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، وهو ما رد عليه أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر بمقاطعة كل لجان الأوقاف التي كانوا مشاركين فيها.
ويري المتابعين لهذا الملف أن الخلاف الذي شهدته لجان البرلمان أثناء مناقشة قانون تنظيم الفتوي، لم يكن الهدف منه الحصول علي مساحة للأوقاف في القانون، وإنما كان الهدف إثبات أن هناك تمايزا بين الأوقاف والأزهر، وأنه يجب علي الدولة أن تتعامل مع الأوقاف باعتبارها مؤسسة مسئولة عن الشئون الدينية وليست مجرد مؤسسة تابعة للأزهر، وأنها تحتل مساحة كالتي يقف عليها الأزهر الشريف.
ولم تكن أزمة قانون الفتوي هي الأولي بين الطرفين كما أنها لم تكن الأخيرة، حيث بدأت الأزمات العلنية مبكرا عام 2014، عندما قررت الأوقاف توحيد الخطبة في المساجد، وتوعدت أي مسجد، أو زاوية تابعة للوزارة إذا لم تلتزم بالخطبة الموحدة، إلا أن مشيخة الأزهر التي رأت في تحركات الوزير إعلانا مبكرا للحرب، تصدت لتوجهات الأوقاف ودعت لاجتماع عاجل لهيئة كبار العلماء الذي رفض القرار، ما دفع وزير الأوقاف للتراجع وأعلن أن الخطبة استرشادية غير إلزامية، ثم عادت الأزمات للظهور مرة أخري عام 2016 بقرار الوزير بأن تكون الخطبة مكتوبة يلتزم بها الأئمة والخطباء، وهو ما عارضه الأزهر بقوة، واستطاع أن يحقق مكسبا بعد تدخل السيسي لصالح الأزهر، ومنع إلزام الأئمة بالخطبة المكتوبة.
فوائد السيسي
ويشير عدد من المختصين بالشئون الدينية أنه بالرغم من مناصرة السيسي للإمام الأكبر في الأزمات التي نشبت بين الأزهر والأوقاف، إلا أنه يعد المستفيد الأكبر من هذا الخلاف، والذي يمكن ان يحقق مبتغاه بالإجهاز علي الأزهر، بعد فشله في ذلك بعدد من من المناسبات كان أبرزها تجديد الخطاب الديني ومطالبته الأزهر بإصدار فتوي شرعية بتكفير المنتمين للتنظميات الإسلامية المخالفة للنظام وخاصة المنتمين لتنظيم داعش، وهو ما رفضه الأزهر في مؤتمر علمي موسع انتهي فيه بأنه لا يجوز لأحد أن يكفر آخر نطق بالشهادتين، وهو الموقف الذي جعل السيسي ينظر لمواقف الأزهر بشك وريبة، وأنه لن يكون آلة طيعة في يديه، ثم كانت الأزمة الثانية من خلال بيان هيئة كبار العلماء الخاص بوقوع الطلاق الشفهي علي عكس ما طالب به السيسي من الأزهر بإصدار فتوي لا تجيز وقوع الطلاق الشفهي، وهو ما رفضه الشيخ من خلال بيان لهيئة كبار العلماء مثل صدمة أخري للسيسي، ثم كانت القضية الثالثة المتعلقة بموقف الأزهر من دعوة الرئيس التونسي بالمساواة في الميراث، وهو ما تصدي له الأزهر بشكل قوي في رسالة واضحة بأنه سيكون حجر عثرة أمام أية دعوات مماثلة يمكن ان تشهدها مصر.
هذه العلاقة بين الأزهر والسيسي دفعت الأخير لأن يعتمد علي وزير الأوقاف الذي يعد الوحيد الذي لم يطاله أي تعديل أو تشكيل وزاري منذ اول حكومة للإنقلاب رأسها حازم الببلاوي في يوليو 2013 وحتي الحكومة الأخيرة لمصطفي مدبولي في يونيو 2018، إلا ان مكانة الأزهر لم تتح للجنرال والوزير تنفيذ ما يرمون إليه حتي الآن.
اضف تعليقا