العدسة – معتز أشرف
“بشار” على نهج أبيه في المجازر والإبادات، هو إرث حافظ الأسد الذي لم يحاسب بعد على جرائمه في حماة وتدمر وتل الزعتر وجسر الشغور، فانطلق ابنه منذ مارس 2011، حين بدأت الثورة السورية الي إبادة الشعب الثائر فكانت الغوطة وإدلب ودوما خان شيخون وغيرهم، بينما العالم يندد ويتوعد، والديكتاتور فوق كرسي العرش حتى حين، ومن الأب للابن، فإنها عائلة حقًا في خدمة إبادة السوريين، وهو ما نرصده.
215 هجومًا!
بحسب تقارير متواترة وبيانات حقوقية موثقة لجأ نظام بشار الأسد إلى استخدام السلاح الكيماوي المُجرم دوليا ضد الشعب السوري لإجبار المدنيين على مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ما يقرب من 215 مرة منذ بدء الثورة في سوريا عام 2011، آخرها مساء السبت، حيث سقط العشرات من المدنيين قتلى والمئات جرحي في مدينة دوما التابعة للغوطة الشرقية بريف دمشق جراء معاودة النظام السوري اللجوء للسلاح الكيميائي حسب الدفاع المدني “الخوذ البيضاء”، في إعادة لهجمات كيميائية شنتها قوات الأسد أبرزها على الغوطة الشرقية عام 2013، ففي 21 أغسطس 2013، نفّذ النظام هجومًا كيميائيًا ضدّ المدنيين في الغوطة الشرقية راح ضحيته حينها ألف و400 شخص، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما يعد أكبر هجوم كيميائي شنه النظام منذ بدء الحرب في سوريا.
ومن أبرز الهجمات ايضا ” الهجوم الكيميائي الذي شنه النظام على بلدة خان شيخون بريف محافظة إدلب (شمال) في الرابع من أبريل 2017؛ ما أودى بحياة أكثر من 100 مدني، فضلا عن مئات الإصابات، كما لجأ النظام السوري إلى الكيميائي نهاية 2016؛ لإجبار سكان أحياء شرقي حلب (شمال)، على ترك منازلهم ومغادرة ديارهم.
وفي تقرير لها قبيل المجزرة الأخيرة قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” (غير حكومية): إن قوات النظام نفّذت 214 هجومًا كيميائيًا ضد المعارضة، دون أن يحاسبه أحد على ذلك. وبهجوم السبت، يرتفع عدد تلك الهجمات إلى 215، وأوضحت الشبكة أن 33 هجوما شنّها النظام قبل قرار مجلس الأمن (2118) الصادر في سبتمبر 2013، والباقي بعد القرار، فيما ينص القرار 2118 على تجريم كل من يستخدم السلاح الكيمياوي، وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة (بما يعني جواز استخدام القوة العسكرية لتنفيذه)، لكن في 26 أكتوبر 2017، خلص تحقيق مشترك بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيمائية إلى أن نظام بشار الأسد مسؤول عن إطلاق غاز السارين في بلدة “خان شيخون” في 4 أبريل من العام ذاته، كما توصلت اللجنة المشتركة إلى أن النظام مسؤول، أيضًا، عن 3 هجمات بغاز الكلور عامي 2014 و2015.
وفي نوفمبر 2016 أعلن مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا رصد قرابة 129 انتهاكا من قبل قوات النظام السوري الذي قال إنه ما زال قادرًا على تصنيع السلاح الكيميائي؛ حيث إن هناك العديد من المخابر والمنشآت ما تزال تصنع الأسلحة الكيميائية في سوريا وبوتيرة عالية، مؤكدًا أن هجمات الكيميائي طبقًا لإحصائيات ذلك الوقت أسفرت عن مقتل 2816 وإصابة 12213 شخصا، فضلًا عن أنّ 60% من ضحايا ومصابي الهجمات الكيميائية هم من النساء والأطفال، وإن المركز سلم نحو 25 عينة جُمعت من أماكن قصف البراميل الكيميائية للفرق الدولية.
مجازر حافظ!
وعلى خطى الأب الذي وصل للحكم بعد انقلاب عسكري نفذه على الرئيس الأسبق نور الدين الأتاسي، عام 1970، أطلق عليه وصف “الحركة التصحيحية”. سار الابن، ومن المجازر التي نفذتها قوات الأسد خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي: “مجزرة تل الزعتر” التي حدثت في يونيو عام 1976، نفذت قوات حافظ الأسد والميليشيات المارونية برئاسة بيير الجميل حصارًا لمخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين، شمال شرق العاصمة اللبنانية بيروت، في ظل الحرب الأهلية والطائفية التي شهدتها لبنان طيلة سنوات، ألقى حوالي 55 ألف قذيفة متنوعة، ليسقط المخيم بيد القوات المحاصرة في منتصف أغسطس من العام ذاته، وكما تقول مؤسسات ومراصد حقوقية: إن ثلاثة آلاف فلسطيني على الأقل قتلوا في تل الزعتر عقب دخول القوات المشتركة، معظمهم ذبحًا بالسكاكين، وتعتبر “مجزرة جسر الشغور” أحد أدوات حربه المعلنة ضد جماعة “الإخوان المسلمين”؛ حيث نفذت قوات حافظ الأسد سلسلة مجازر في محافظة إدلب، كان أبرزها مجزرة جسر الشغور في آذار 1980، حين حوصرت المدينة الواقعة شمال غرب المحافظة، وقصفت بالمدفعية وقذائف الهاون، ثم اجتاحتها القوات، وتقول مصادر محلية: إن نحو 100 رجل وامرأة وطفل قتلوا عقب دخول قوات الأسد إلى جسر الشغور، بعضهم مثل بجثثهم، وأحرق فيها نحو 30 منزلًا واعتقل العشرات من أبنائها.
وتعتبر “مجزرة سجن تدمر” من أبرز المجازر التي ارتكبها حافظ الأسد، ففي 27 حزيران عام 1980، نفذت قوات الأسد إنزالًا في سجن تدمر الصحراوي، وأعملت سلسلة إعدامات بحق المعتقلين والسجناء السياسيين فيه، عقب يوم واحد من محاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد، قالت عنها السلطات: إنها بتوقيع “الإخوان المسلمين”، ولا إحصائيات دقيقة لعدد القتلى من المعتقلين وسجناء الرأي في سجن تدمر، لكن تذهب بعض المصادر إلى أنهم 600 قتيل، في حين تشير مصادر حقوقية إلى أن عددهم قد يتجاوز 1200 قتيل، كما شهدت مدينة حلب عام 1980 عدة انتهاكات ومجازر بحق أبناء المدينة، كان أبرزها مجزرة حي المشارقة، في اليوم الأول لعيد الأضحى في 11 اغسطس فقد حوصر الحي ثم جمع نحو 100 من أبنائه وأطلق عليهم النار جميعًا، ثم دفنوا في مقبرة جماعية، وتأتي المجزرة امتدادًا لمجازر أخرى لا تقل قسوة عنها، منها مجازر سوق الأحد، وبستان القصر، والكلاسة، وأقيول، بحجة أن هذه الأحياء والمناطق هي مأوى لعناصر وقيادات جماعة “الإخوان”.
وتأتي “مجزرة حماة” كأبشع مجازر حافظ الأسد انتقامًا من سكانها كونها شكّلت منذ ستينيات القرن الماضي مركزًا لجماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا؛ حيث دخلتها فرق وألوية تابعة للحرس الجمهوري والقوات الخاصة بعد تمهيد مدفعي وقصف جوي واستمرت المعارك داخل المدينة منذ 2 فبراير 1982 وحتى 28 من العام ذاته، لتسيطر عليها قوات الأسد بالكامل، ويختلف المؤرخون في عدد ضحايا المجازر التي طالت معظم أحياء المدينة، فقال روبرت فيسك، الكاتب والصحفي البريطاني الذي زارها في العام ذاته إن 25 ألفًا من سكانها قتلوا، بينما ذهب البعض إلى أن عدد القتلى فاق 60 ألفًا، معظمهم إعدامات جماعية وذبحًا بالسكاكين، فضلا عن اعتقال الآلاف من أبنائها.
إحباط الملاحقة!
وحاول العديد من الحقوقيين السوريين المعارضين تقديم طلب لمحاكمة مرتكبي الجريمة الكبرى، لا سيما رفعت الأسد، دون جدوى، كما لم يقدم النظام السوري الحالي لأي محاكمات دولية، رغم المطالبات الدولية الواسعة، وبحسب حقوقيين سوريين فإن حافظ الأسد منذ استلامه للسلطة عام 1971، أوجد أرضية قانونية متكاملة لجعل سوريا أرضًا للإفلات من العقاب لمختلف المجرمين ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا والعالم، وعززها ابنه بشار بعدد آخر من القوانين لتأكيد ونشر حماية أوسع للمجرمين، والأساس الذي انطلق منه نظام الأسد كان الدستور الصادر عام 1972؛ حيث منح الحماية والحصانة لنفسه من الملاحقة والعقاب بموجب المادة 91 من الدستور التي تنص على أنه: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، ويكون طلب اتهامه بناء على اقتراح من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل وقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية ولا تجري محاكمته إلا أمام المحكمة الدستورية العليا، وحيث إنه لا يوجد في قانون العقوبات أي نص على جرم الخيانة العظمى مما يعني عمليًا عدم معاقبة رئيس الجمهورية على أي جرم يرتكبه مهما كان هذا الجرم، وفي الدستور الصادر بعام 2012 الذي أصدره بشار الأسد أكد هذه الحماية بالمواد 117 وجاء فيها: “رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا، كما لم توقع سوريا على انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية مما يجعلها بمنأى عن ملاحقة المجتمع الدولي للجرائم المرتكبة ، كما منح النظام السوري حماية للقوات الخارجية المتعاونة معه ومنها اتفاق مع موسكو.
اضف تعليقا