العدسة– معتز أشرف:

عامان من النضال والمواجهة، خاضهما الشعب التركي بقيادةٍ تكافح في جبهات عدة في الداخل والخارج، تصيب وتخطئ، ولكنها كانت- وفق المراقبين- للصواب والمكاسب أميل، لتحلّ الذكرى الثانية للانقلاب الفاشل في تركيا بمكاسب وإيجابيات يرصد “العدسة” بعضها.

وداعًا للانقلابات

أكبر المكاسب التي تحققت بحسب المتابعين للشأن التركي، توجيه ضربة موجعة لمخططات الانقلابات في الأناضول، وهو ما رصده بدقة في الذكرى الثانية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معلنًا أنَّ بلاده طوت صفحة الانقلابات في تاريخها، مؤكدًا في كلمة ألقاها الأحد أمام حشد ضخم تجمع عند جسر “شهداء 15 تموز”، أنَّ تركيا “طوت في هذا التاريخ صفحة الانقلابات وأثبتت للعالم نضج ديمقراطيتها “مشددًا على أنه “لا توجد قوة في العالم تستطيع ثَنْي تركيا عن مواصلة طريقها”.

الأقوال في تركيا لها أفعال، وفق ما رصده المراقبون في هذه الأزمة، حيث إن مواجهة الانقلابات استطاعت خلال الفترة الماضية تجفيف منابع الانقلابات من الداخل؛ حيث قال القضاء كلمته بالتزامن مع الذكرى، حيث قضت محكمة تركية على 84 متهمًا بالسجن مدى الحياة لدورهم في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وحسب وكالة الأناضول التركية، فإنَّ 72 من المشتبه بهم حُكِم عليهم بالسجن المؤبد؛ لمحاولتهم الإطاحة بالنظام الدستوري، بينما تعرَّض 12 آخرون لنفس العقوبة لتورطهم في قتل الناشر البارز إيرول أولكوك وابنه عبد الله، اللذين سقطا بين 34 ضحية آخرين على جسر البوسفور ليلة 15 يوليو قبل عامين.

 

الإجراءات متواصلة لتجفيف منابع الانقلابات؛ حيث أصدر ممثل الادعاء في مايو الماضي أمرًا باعتقال 300 من أفراد الجيش لصلتهم برجل الدين البارز فتح الله كولن، المقيم في الولايات المتحدة، وبحسب القرار فإنَّ 211 من أولئك الذين يواجهون أمر الاعتقال مازالوا في الخدمة العسكرية، في استمرار لإجراءات بدأت منذ محاولة الانقلاب قضت بتوقيف أكثر من 50 ألف شخص، انتظارًا لمحاكمتهم لصلتهم بكولن، بالإضافة إلى عزلها نحو 150 ألفًا آخرين وإيقافهم عن العمل في وظائف بالجيش والقطاعين العام والخاص.

كما أقالت السلطات التركية في هذا السياق أكثر من 18,5 ألف موظف رسمي، بينهم العديد من عناصر الجيش وقوات الأمن ومدرسون وأساتذة جامعيون، بموجب مرسوم له قوة القانون نشر في الجريدة الرسمية في 8 يوليو الجاري، كما فصلت السلطات 199 من الأكاديميين، في حين أعاد المرسوم 148 شخصًا من العسكريين والموظفين الحكوميين إلى مناصبهم السابقة، ونصَّ المرسوم على إغلاق 12 مؤسسة وثلاث صحف وقناة تلفزيونية أيضًا.

ترقب “2023”!

ومن أبرز المكاسب التي حققتها تركيا، بعد عامين من فشل الانقلاب الغاشم، كانت تجربة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بموجب التعديل الدستوري الذي أقرّ تغيير النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي، وحاز تأييدًا شعبيًا كبيرًا في جولات الاقتراع التي أعقبت الانقلاب الفاشل، رسخت من حكمه، وفق رأي اللواء مصطفى كامل، مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية المصري، والذي أكّد أن ما حدث في تركيا من محاولة فاشلة للانقلاب لا تنمّ عن أي عمق ترتيبي أو تخطيط جيد، بل إنّها ستساعد على ترسيخ حكم «أردوغان».

وعزّز الفوز الأخير بالانتخابات لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية، من قبضته على مقاليد الحكم الذي بدأ منذ 15 عامًا، وفرض نفسه كأقوى قيادي منذ عهد مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك، بعد أن سجّل خلال فترة حكمه العديد من مشاريع البُنَى التحتية العملاقة، إلى جانب ما تمّ تحقيقه في مجال الحريات الدينية، وباتت أنقرة أيضًا على الساحة الدولية لاعبًا دبلوماسيًا أساسيًا، وفق مراقبين. ولذلك كانت سعادة أردوغان كبيرة بعد إعلان نتائج فوز التحالف الذي يقوده حزبه “العدالة والتنمية” بالغالبية البرلمانية، وقال: “النتائج غير الرسمية للانتخابات واضحة. وفقًا لها.. عهدت أمتنا إليّ بمسؤولية رئاسة الجمهورية، شعبنا منحنا وظيفة الرئاسة والمناصب التنفيذية، ولن يكون هناك تراجع عما حققه للاقتصاد مع حزب العدالة والتنمية، وآمل ألا يحاول أحد التشكيك في النتائج والإضرار بالديمقراطية لكي يخفِي فشله”.

وتتجه الأنظار مع ترسيخ أردوغان لأقدامه في القصر الرئاسي إلى مشروع 2023، الذي كثيرًا ما وعد به أوروبا، وهو ما ذكره “أردوغان” في خطاب الانتصار، حيث أكّد أن تركيا ستحقق أهدافها المرسومة لعام 2023، وستعطي الدروس لمن كانوا ينعتونها بالرجل المريض، مؤكدًا أنّ تركيا ستصنع المعجزات بدعم شعبها، مشددًا على أنّ تركيا ستحلّ بين الدول العشرة الأولى اقتصاديًا في العالم، داعيًا الجميع إلى تحمل المسؤولية لتحقيق الأهداف ومواكبة المنافسة.

وكالة الأنباء الفرنسية الرسمية قالت تعليقًا على مرور الذكرى الثانية للانقلاب الفاشل: “أردوغان.. أقوى من أي وقت مضى!، لقد بات أردوغان عقب سنتين على محاولة الانقلاب عليه، يمسك بمقاليد السلطة بيدٍ من حديد، ويبدو اليوم أقوى من أي وقت مضى منذ وصوله السلطة في 2003 كرئيس للوزراء”.

 شعبية أممية!

أسهم فشل الانقلاب في استمرار تركيا ورئيسها بالانشغال بمهامها العربية والإسلامية والتصدّي للاحتلال الصهيوني الغاشم وقرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة بلاده إلى القدس، ودعم الثورة السورية واستكمال التصدي للإرهاب على حدود الدولة، وهو ما أفرز شعبية واسعة ومتزايدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأتراك في وسط العالمين العربي والإسلامي، بحسب مراقبين، جعلت البعض يصنّف “أردوغان” بأنّه زعيم الأمة ويلقّبه بـ”سلطان المسلمين”!.

 

ويرى الكاتب الفلسطيني محمد عايش في مقال له بجريدة القدس العربي، أنَّ العرب باتوا  يتدالون قصصًا وأخبارًا عن أردوغان أشبه بالروايات عن عمر بن عبد العزيز، وصلاح الدين الأيوبي، وسيف الدين قطز؛ حيث يرصدون التقدم الاقتصادي لبلاده، وإنهاء حكم العسكر وسطوة الجنرالات ومواجهة الفساد من رئيس ينتمي لأسرة بسيطة فتح أبواب بلده أمام 3 ملايين و400 ألف لاجئ سوري هربوا من القصف، إضافة إلى عشرات الآلاف من المصريين والليبيين واليمنيين وغيرهم من العرب المطاردين، بجانب استقبال تركيا ما يقرب من  72 ألف طالب أجنبي، أغلبهم من العرب، على نفقة الحكومة التركية (منحة).

مركز الدراسات الفلسطينية” يرى أنَّ قوة تركيا الحالية هي إسناد للمقاومة الفلسطينية ولأمل الشعوب العربية في التحرر، مشددًا على أنَّ “وجودًا تركيًا قويًا بمواقف ثابتة ومؤيدة للحق الفلسطيني الثابت، من شأنها أن تقوّي ظهر المتمسكين بالثوابت الفلسطينية الرافضين لخيارات الاستسلام تبعًا لنظرية الأمر الواقع”.

وبحسب استطلاع حديث للرأي أجراه مركزبيو في خمس دول شرق أوسطية أنَّ غالبية شعوب عدة دول بالشرق الأوسط ترى أنّ تركيا تلعب دورًا كبيرًا متزايدًا في المنطقة، كما أنَّ غالبية الشعوب المستطلعة تنظر بإيجابية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكثر من بقية زعماء المنطقة.

 

 

صعود اقتصادي

ومن المتوقع صعود الأتراك في الفترة المقبلة اقتصاديًا مع استقرار الأمور واستمرار تجفيف منابع الانقلابات، بحيث تحلّ بين الدول العشرة الأولى اقتصاديًا في العالم، بحسب تعهُّدات أردوغان، ويرى كثيرون من المهتمين بالشأن الاقتصادي في تركيا أن نتيجة الانتخابات التي أفرزتها توابع فشل الانقلاب فتحت الطريق الذي سيُوصِّل تركيا إلى أهداف رؤية 2023، وأنَّ فترة الإجراءات لتحقيق الاستقرار خلال 5 سنوات قد بدأت بالفعل، خاصة أنَّ مناخ الاستقرار السياسي سيعزّز الثقة في الاقتصاد والاستقرار بوجه عام، وهو ما رصده أبرز رجال الأعمال في تركيا، أحمد البيراق، مؤكدًا في تصريحات صحفية أنَّ أردوغان يعتبر زعيمًا ورجل دولة عظيمًا ترك بصمته بفضل إنجازاته على تركيا خلال الـ16 عامًا الماضية.

ومنذ فشل الانقلاب عَمِلت الحكومة التركية بمساعدة قوية من الرئيس رجب طيب أردوغان وفق المراقبين على إيجاد مناخ إيجابي لمواجهة التحديات الاقتصادية من خلال المبادرات الفردية، وكذلك مؤسسات الحكومة ومجتمع الأعمال، وكان أبرز مثال على ذلك ما تمّ من تحويل الأتراك ما لديهم من عملات أجنبية إلى العملة الوطنية، ومنذ بداية عام 2017 بدأت مؤشرات الاقتصاد التركي في أدائها الإيجابي.