قبل عام مضى لم يكن أكثر المتفائلين الفلسطينيين قبل غيرهم يتوقع أن تستمر مسيرات العودة التي انطلقت على حدود قطاع غزة مع الضفة الغربية ردا على قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال، لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تستمر هذه المسيرات عام كامل.

التفاؤل لم يكن فقط مرتبطا بفكرة الاستمرارية، وإنما الأهم في قوة وتأثير هذه المظاهرات، التي كانت سببا في أن يعيد الكثير من المسئولين العرب بل والإسرائيليين، التفكير أكثر من مرة في قبول صفقة القرن المزعومة، كما أن ما حققته المسيرات من قوة الفعل الفلسطيني، أعاد القضية الفلسطينية للمشهد العالمي مرة أخرى، بعد أن كاد الجميع أن يتناساها بفعل فاعل ونتيجة الأزمات التي تحيط بالعالم كله وفي القلب منه إقليم الشرق الأوسط.

مفاجآت مقبلة

المسؤولون عن هذه المظاهرات عبروا عما حققوه من نجاحات، بأن الأيام المقبلة سوف تشهد المزيد من المفاجآت، وحسب تصريحات محمد أبو عسكر القيادي في حركة حماس وعضو الهيئة الوطنية العليا لـ”مسيرات العودة وكسر الحصار” فإن الأيام القادمة ستشهد مفاجآت للاحتلال من الشعب الفلسطيني في مسيرات العودة، مع قرب إتمام السنة الأولى لانطلاقتها.

ويرى المتابعون أن هذه المفاجآت كشف عنها متحدث آخر للحركة بأن الشعب الفلسطيني يستعد للخروج في مسيرة مليونية ضخمة، في الثلاثين من شهر مارس الجاري، وهو ما يعكس قوة الإصرار الجماهيري على مواصلة مسيرات العودة، وأن الإرادة الشعبية لن تتراجع عن قرارها القطعي بأن تكسر عن نفسها الحصار، وتمارس حقها بالعيش بحرية وكرامة.

حصاد أممي

ويري المراقبون أنه رغم الحصاد المؤلم الذي خلفته المواجهات الإسرائيلية للمسيرات، إلا أن ذلك كان سببا في ضبط البوصلة مرة أخري في اتجاه القضية الفلسطينية، كما أنها كشفت أن القوة والكلمة المؤثرة، لن تكون علي الإطلاق علي طاولة المفاوضات التي تصر عليها السلطة الفلسطينية، التي كانت هي أيضا أحد الخاسرين من هذه المسيرات، بعد وضعتها المقاومة في موقف لا تحسد عليه.

وحسب بيان لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة خلال مسيرات العودة في غزة، فإن إسرائيل قتلت 183 فلسطينيا بالرصاص الحي، من بينهم 35 طفلا دون الثامنة عشر و ثلاثة مسعفين وصحفيين رغم أنهم كانوا يرتدون زيا واضحا بمهنتهم.

ودعا رئيس اللجنة سانتياغو كانتون لرفع الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وإحالة حالات قتل الفلسطينيين خلال مسيرات العودة على حدود القطاع مع إسرائيل للمحاكمة الدولية مؤكدا كذلك أن اللجنة ترى أن هناك أسبابا معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن الجنود الإسرائيليين ارتكبوا انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان خلال مظاهرات مسيرة العودة الكبرى. ومن الممكن أن تشكل بعض هذه الانتهاكات جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وعلى إسرائيل أن تباشر التحقيق فيها على الفور”.

التحرك الأممي لم يقف عند ذلك حيث أكدت بيتي مورونغي، عضو اللجنة، أنهم سوف يحيلون من خلال ملف سرّي، المعلومات ذات الصلة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان لإطلاع آليات العدالة الوطنية والدولية على هذه المعلومات، كما كشفت أن المحكمة الجنائية الدولية على اضطلاع بنفس النتائج التي انتهوا اليها.

استغلال فلسطيني

وتشير التقديرات المختلفة، أن الفلسطينيين استغلوا التقرير الأممي، بشكل جيد في فضح سياسات الاحتلال، الذي اعتبروه إدانة واضحة لإسرائيل على كافة الأصعدة.

ووفق مركز عدالة الفلسطيني، فإن التقرير الأممي سلط الضوء على عدم قيام السلطات الإسرائيلية بالتحقيق وانعدام النية لديها بإجراء تحقيق جدي في شبهات بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين خلال العدوان على قطاع غزة عام 2014 وفي مسيرات العودة الكبرى في غزة عام 2018.

وأوصت اللجنة بضرورة أنْ يقوم المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بتزويد المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل بملفات الأدلة المتعلقة بمشتبهين بارتكاب جرائم، وأن توصي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لفرض عقوبات على أفراد إسرائيليين صنفتهم اللجنة كمسؤولين عن هذه الجرائم، وتشمل منع السفر وتجميد الأصول المالية.

نجاحات أخرى

وترى تحليلات أخرى تحدثت عن نتائج عام من مسيرات العودة، أن أهم ما حققته هذه المسيرات، كان بأحداثها تغييرا في معادلات القوة، وان الصمود الشعبي استطاع مواجهة الآلة العسكرية الباهظة التي كان يستخدمها الاحتلال في السابق، ويكفي أن عام 2018 يعد الأقل في التعرض للمواجهات الإسرائيلية على حد وصف البعض فإن المسيرات دعت إسرائيل للبحث عن الوسطاء من أجل تهدئة الغضب الفلسطيني، كما أنها سهلت بشكل مباشر وصول المساعدات للقطاع عن طريق معابرها وليس من خلال معبر رفح المثير للقلق.

وحسب توقعات القيادات الفلسطينية فإن عام 2019 يمكن أن يشهد حلحلة واضحة في ملف كسر الحصار عن قطاع غزة، مقابل وقف المظاهرات والمسيرات التي شكلت ضغطا أمنيا وسياسيا علي الحكومة والشعب الإسرائيلي.

أمثلة الرعب

ويستدل المتابعون على قوة المسيرات بالرعب الذي يسيطر على المزارعين الإسرائيليين المتواجدين في غلاف قطاع غزة، وحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت” فإن فإن المستوطنين المزارعين في مستوطنات غلاف غزة بدأوا بحصار القمح على الرغم من عدم جفافه وذلك قبل “رعب” الحرائق.

ونشرت الصحيفة على موقعها الالكتروني تسجيل فيديو يظهر قيام المستوطنين بحصاد القمح وهو أخضر وذلك قبل بدء “رعب الطائرات الورقية والبالونات التي تحرق كل شيء” حيث يخشى المزارعون من اقتراب نهاية شهر مارس الجاري خشية نجاح الشبان الفلسطينيين في حرق محاصيلهم الزراعية باستخدام الطائرات الورقية والبالونات الحارقة كما جرى العام الماضي، و كبدت الاحتلال خسائر كبيرة بعد نجاح الشبان الفلسطينيين بإطلاق طائرات وبالونات حارقة تجاه المستوطنات في غلاف القطاع، ما أدى إلى اشتعال حرائق كبيرة.

انتصار أم انتحار؟

ورغم أن التساؤل السابق، كان مجال ساحة من الجدل بين المؤيدين والرافضين لجدوى المسيرات، مقابل التضحيات التي قدمها المشاركون فيها، إلا أن النتائج التي حققتها المسيرات في النهاية، دفعت الكثير من المحللين للكشف عن الانتصارات التي حققتها هذه المسيرات، والتي من أهمها تعزيز الوحدة الوطنية التي تمثلت في مشاركة كل الفصائل الكبرى.

كما بعثت المسيرات برسالة واضحة لإسرائيل والادارة الامريكية وللعالم أجمع، بأن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتنازل عن حقوقه وثوابته، وأعادت إحياء القضية الفلسطينية من جديد على الطاولة الدولية، كما استطاعت المسيرات أن تعيد للذاكرة الفلسطينية حق العودة، ولذلك فقد كانت بمثابة الرد المباشر والعملي على مشروع ترامب الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائياً.

ووفقا لنفس الرأي فإن مسيرات العودة، رغم استخفاف البعض بها، كانت سببا في استنزاف الدوائر الأمنية والعسكرية للاحتلال، وأظهرت ضعف الاحتلال، الذي لجأ لحميع المؤثرين في الملف الفلسطيني من أجل وقف المسيرات مقابل تخفيف الحصار.