العدسة – معتز أشرف :
بتعيين رئيس النظام المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي، اللواء عباس كامل رئيسًا لجهاز المخابرات العامة المصرية، يكون سجل اختراقًا خطيرًا، بحسب مراقبين للجهاز، بعد حملة تطهير منه خاصة فيما يخص مسئولي ملف القضية الفلسطينية، بعد أن حققت “إسرائيل” أحد أمانيها بتعيين صديق مهم لها على سدة الجهاز الذي أتعبها بـ”جمعة الشوان” و”رأفت الهجان”.
نرصد مؤشرات المراقبين وندق ناقوس الخطر.
صعود مشبوه
من مدير مكتب إلى رئيس جهاز المخابرات، لاحق اللواء عباس كامل العديد من علامات الاستفهام، فهو مدير مكتب الجنرال السيسي عام 2012 ثم مديرًا لمكتبه في رئاسة الجمهورية من عام 2014 وحتى تعيينه رئيسًا لجهاز المخابرات العامة، الذي حظي بعلاقة مهمة مع “إسرائيل” منذ اللحظات الأولى للإطاحة بالدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في البلاد.
لم يَخُض حرب تحرير سيناء في مواجهة العدو الصهيوني في العام 1973، حيث كان مازال في الكلية الحربية، وفي العام 1978 كان مجرد ضابط بسلاح المدرعات، ثم حصل على دورة المدرعات المتقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية بجانب حصوله على التأهيل العلمي اللازم من دورات وفرق حتمية ودورات كبار القادة بالقوات المسلحة، وعُين مساعدًا لملحق الدفاع المصري بجمهورية التشيك التي تعتبر قاعدة أمريكا وإسرائيل في الاتحاد الأوروبي.
رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو كشف عن اتصالات جرت مع الجنرال السيسي قبل الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، وأقرَّ بأن إسرائيل شاركت بالانقلاب على مرسي وَسَعت للتخلص من حكمه.
ووفق ما كشفته تقارير عربية، فقد بدأ السيسي تنفيذ خطة إسرائيلية سبق إعدادها للقضاء على جهاز المخابرات العامة العدو الأول لإسرائيل في مصر، حيث أخرج بالنقل والتقاعد والعزل أعدادًا كبيرة جدًا من ضباط المخابرات العامة من أماكن عملهم وأحلَّ محلهم غيرهم ممن يرضَى عن ولائهم له أو على الأقل سلبيتهم، فضلًا عن احتقاره للجهاز، حيث أهان السيسي جهاز المخابرات العامة في أحد التسريبات التي خرجت من مكتبه موجهًا حديثه لمدير مكتبه عباس كامل يقول له: “العامة دي ايدك منها والأرض يا عباس”، وهو ما يلقي بشبهات كثيرة عن اختياره وعلاقته بالجانب الصهيوني.
ويمكن اعتبار “عباس كامل” بحكم صعوده ووظيفته كمدير مكتب للسيسي، مهندس العلاقات المصرية الصهيونية بحسب مراقبين، وإليه يرجع الفضل في أوائل ٢٠١٤ حين أشاد المحلل العسكري الإسرائيلي إيهود يعاري بالصداقة “الحميمة” التي تربط السيسي بإسرائيل قائلًا: لدينا تعاون غير مسبوق من حيث الحجم والكم والحميمية- إذا جاز لي التعبير- بين إسرائيل والمؤسسة العسكرية المصرية، إنها شراكة لا مثيل لها وهي الأفضل على الإطلاق، لم تصل إلى هذه النقطة في عهد حسني مبارك ولا حتى في عهد الرئيس السادات”.
صفقة القرن!
إطاحة الجنرال السيسي بمدير المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، قد تكشف أبعادًا أخرى في تعيين “صديق إسرائيل” في سدة القرار بجهاز المخابرات العامة صاحب الصولات التاريخية ضد الكيان الصهيوني؛ حيث تريد الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” حليفًا على هذا الجهاز، بعدما تبيَّن لهم أن “فوزي” لا يؤيد ما أثير من بنود حول ما يسمَّى إعلاميا بـ”صفقة القرن”.
مراقبون يرون أنَّه رغم تعدد التحليلات حول أسباب إقالة “فوزي” إلا أنَّ التسريبات التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية حول التوجيهات التي قامت بها المخابرات الحربية المصرية لمجموعة من الشخصيات الإعلامية المحسوبة عليها بالترويج لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، يرجّح سببًا وجيهًا لنقل “كامل” للسيطرة على المخابرات العامة وترويضها لصالح السياسيات الصهيونية الأمريكية في المنطقة، وهو ما أقرَّته ” نيويورك تايمز”، حيث ربطت إقالة فوزي بتحقيقها الجنائي الذي نشرت فيه التسريبات الصوتية، وهو ما ذهبت إليه كذلك “صحيفة القدس العربي” مؤكدة أن الأمر يخصّ تغيير سياسة جهاز المخابرات العامة.
ويرجّح بصورة كبيرة، هذا الرأي ما يعتقده الدكتور ممدوح حمزة، الذي كان رئيس الوفد الحكومي الذي كان يتفاوض مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، أن إقالة اللواء خالد فوزي، ترتبط بموقفه الرافض تمامًا “للوطن البديل”، مشيرًا إلى “المشروع الأمريكي” لإنشاء “وطن بديل” للفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء مقابل بعض الأراضي الفلسطينية.
وكتب حمزة وهو صاحب علاقات واسعة على حسابه الرسمي علي “تويتر”: “خالد فوزي رافض تمامًا لمشروع الوطن البديل بناءً على مقابلة مباشرة معه وبوجود شاهد، وقال لي إنّ سبب تخلي أمريكا عن مبارك هو رفضه للوطن البديل علي أي جزء من سيناء”.
إرضاء إسرائيل!
يأتي اختيار “عباس كامل” كمحاولة لإرضاء إسرائيل، وفي مؤشر لتغير السياسة مع حركات المقاومة مع قدوم أيام صفقة القرن، خاصة بعد غضب إسرائيل من إجراء المصالحة في أكتوبر من العام الماضي بين فتح وحماس تحت إشرف اللواء خالد فوزي، الذي هللت له الوسائل الإعلامية المحسوبة عليه في هذا الوقت، واعتبرتها انتصارًا كبيرًا لـ«المخابرات العامة» في عهده، فضلًا عن معلومات متواترة عن رفض “فوزي” لفكرة تهويد القدس وتشويه المقاومة؛ حيث إنه قاد تيارات في المخابرات العامة، رافضًا لإتمام “صفقة القرن” على حساب قرار “ترامب” اعتبار “القدس” عاصمة لإسرائيل، وليست لفلسطين.
وهنا يقف دور “عباس كامل” المرسوم كداعم للدور المطلوب من السيسي في صفقة القرن، والذي لا يتحمل فيه البيت الأبيض والكيان الصهيوني وحلفاؤهم أي أخطاء أو آراء وطنية، وهو ما كشفته مصادر دبلوماسية مصرية تحدثت لـ”العربي الجديد”، عن أن “الدور الرئيسي للقاهرة الذي تنسق الولايات المتحدة بشأنه حاليًا في التمهيد لخطة صفقة القرن، هو العمل على إقناع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بإبداء مزيدٍ من المرونة إزاء التصورات المتداولة بين واشنطن وكل من السعودية والإمارات وإسرائيل حول الطبيعة السياسية للقدس الشرقية، والدور الذي سيسند للأردن لدعم الدولة الفلسطينية الوليدة في الضفة الغربية. وكذلك وضع المستوطنات، فضلًا عن دفع مصر لإقناع السلطة الفلسطينية بقبول الاشتراك في المحادثات حول تصورات الصفقة، خصوصًا فيما يتعلق بمستقبل القدس والأوضاع الأمنية للأماكن المقدسة”.
وبحسب المصادر فإنَّ “هذه المرحلة من المفاوضات تدور بشكل أساسي حول إقناع عمّان والرئيس الفلسطيني محمود عباس بقبول الأفكار الأمريكية المدعومة من السعودية والإمارات، وتحديدًا تمويل الخليج لمشروعات تنموية ضخمة في غزة والضفة الغربية نظير تنازل الفلسطينيين نهائيًا عن حق العودة، وعن شرط تفكيك المستوطنات”.
الرئاسة الفلسطينية أصدرت بيانًا عقب الزيارة الأخيرة في 21 يونيو لصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر والمبعوث الخاص للمفاوضات جيسون غرينبلات إلى القاهرة، كشفت فيه أبعاد ما جرى في حضور “عباس كامل” و”السيسي”، مؤكدة رفض أي حلول تسعى لفصل مسار قطاع غزة عن الضفة الغربية والالتفاف على تطلعات الشعب الفلسطيني.
دور مشين
وبخلاف دور جهاز المخابرات العامة الذي تصدَّى للكيان الصهيوني في فترات ماضية، يلعب اللواء عباس كامل منذ تولِّيه مؤقتًا ثم رسميًا شئون الجهاز دورًا مشينًا مخالفًا لمبادئ الجهاز، وفي مطلع أبريل الماضي، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وأمريكية في القاهرة، أن اللواء عباس كامل، أجرى اتصالات بجاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأحد المعنيين بملف صفقة القرن، خلال لقائه أخيرًا في تل أبيب، برئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي نداف أرغمان، وبحسب “العربي الجديد“، شمل “اللقاء المقترحات المصرية والسعودية بإدخال تعديلات على صفقة القرن، تسهّل على رئيس السلطة الفلسطينية والأطراف العربية، أمام شعوبهم، التوقيع على الاتفاقية”!!.
فصول المؤامرة لم تنتهِ، ونقلت القناة الإسرائيلية السابعة بحسب وكالة معًا الفلسطينية، أن العلاقات العربية الإسرائيلية تتعمق يومًا بعد يوم، وتم التعبير عن ذلك بشكل كبير قبل عشرة أيام في اجتماع سري مشترك ضمّ قادة استخبارات من دول عربية بحضور إسرائيل للتباحث حول دفع عملية “التسوية” الفلسطينية الإسرائيلية قدمًا.
القمة السرية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 17 يونيو الحالي، قادها الفريق الأمريكي جيسون جرينبلات وجاريد كوشنر، وخلال المحادثات شارك رئيس الموساد يوسي كوهين ونظراؤه، ورئيس المخابرات السعودي خالد بن علي الحميدان، ورئيس المخابرات المصري عباس كامل، ورئيس الاستخبارات الأردني عدنان عصام الجندي، ورئيس الاستخبارات الفلسطيني ماجد فرج وجاء الاجتماع بناءً على طلب صريح من المبعوثين الأمريكيين للحديث عن كيفية تمرير صفقة القرن.
ووفق صحيفة “معاريف“ يبدو أنّ العلاقات السريّة بين الدولة العبريّة وبين عددٍ من الدول العربيّة، التي تُصنّف إسرائيليًا بالدول السُنيّة المُعتدلة، بدأت تتوطّد كثيرًا على الصعيد الأمن والمُخابرات.
اضف تعليقا