العدسة – منصور عطية
“حلّوا عنا”.. بهاتين الكلمتين وجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رسالة مبطنة إلى كل من السعودية والإمارات، بعد كشفه عن أحدث تجليات مواقفهما بشأن القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
تصريحات “عباس“، تأتي كمزيد من التأكيد على الدور المشبوه الذي تلعبه قيادات البلدين، خاصة السعودية، في الملف الفلسطيني، منذ صدور القرار الأمريكي بشأن القدس.
كما أنها تثير العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل العلاقة بين السلطة الفلسطينية والبلدين الخليجيين، خاصة على مستوى الدعم السياسي والمالي المقدم من قبلهما، في هذه الفترة العصيبة.
حلّوا عنا!
وخلال كلمته في اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية برام الله، مساء الأحد 14 نوفمبر الجاري، انتقد عباس مواقف بعض الدول العربية، وطلب منها عدم التدخل بالشأن الفلسطيني الداخلي، مشيرًا إلى ضغوط من بعضها، وخاطبها قائلًا: “حلوا عنا”.
وقال إنه “في اجتماع وزراء خارجية ست دول عربية في عمّان الأسبوع الماضي، انتقد أحد الوزراء الشعب الفلسطيني قائلًا: عتبنا على الشعب الفلسطيني، الذي لم يهب بقوة وشراسة وينتفض بعنفوان على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس”.
وأضاف “عباس” أن وزير الخارجية الفلسطيني “رياض المالكي” رد على الوزير قائلًا: “قبل الرد وإخبارك بماذا عمل الشعب الفلسطيني حتى الآن، أسألك: هل سمحت بلدكم لمواطن واحد بالتظاهر أو الاعتصام أو يقف في ركن جانبي ليقول واقدساه”.
وعلق الرئيس الفلسطيني مخاطبًا هذا الوزير بقوله: “إذا أردت تبرير تقصيرك، فلا تلق اللوم على الشعب الفلسطيني (…) هذا شعب حي ليس بحاجة لمن يقول له ماذا يفعل… يا ريت تعطونا كتف (تساعدوننا) أو تفكونا(تريحوننا) من رائحتكم”.
وعلى الرغم من أن “عباس” لم يذكر اسم الوزير أو الدولة التي يمثلها صراحة، إلا أن تحليلا بسيطا لكلمته يكشف من كان يقصد بالضبط، فمن المعروف أن الوزراء الستة الذين حضروا الاجتماع، هم وزراء خارجية الأردن ومصر والمغرب والإمارات وفلسطين والسعودية.
وقد شهدت بالإضافة للأراضي الفلسطينية المحتلة، عواصم ومدن أردنية ومغربية ومصرية مظاهرات تضامنية مع القدس، الأمر الذي يعني أن “عباس” يقصد إما وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أو وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش.
وكانت السفارة السعودية بالأردن، حذرت، في ديسمبر الماضي، رعاياها بالبلاد من الاقتراب من المسيرات التضامنية، التي انطلقت احتجاجا على القرار الأمريكي.
عرّاب صفقة القرن
لكن ليست هذه هي المرة الأولى التي تفضح تصريحات قيادات فلسطينية حقيقة الموقف السعودي الرسمي بشأن القدس والقضية الفلسطينية برمتها، فقبل أيام كانت هناك تصريحات على لسان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، “أحمد مجدلاني”، حيث أكد أن القيادة الفلسطينية تم إبلاغها بـ”صفقة القرن”، عبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
“المجدلاني” قال في تصريحات متلفزة، إن مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره “جاريد كوشنر”، نقل تفاصيل الصفقة لولي العهد السعودي، الذي نقلها بدوره إلى السلطة الفلسطينية، وأضاف القياي الفتحاوي أن السلطة أبلغت الإدارة الأمريكية، عبر ولي العهد السعودي، “تمسكها بمبادرة السلام العربية، كأساس للحل مع الجانب الإٍسرائيلي”.
موقف “عباس” الذي يعد تحديًا كبيرًا منه في وجه السعودية تحديدًا، ربما كان تعبيرًا عن حالة الغضب الفلسطينية بشأن المواقف السعودية المتتالية بشأن القضية الفلسطينية عمومًا، ولم يكن وليد اللحظة.
فبعد نحو 10 أيام من القرار الأمريكي، أطلق وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، تصريحات مثيرة ربما مهدت لموقف عباس.
التصريحات التي أدلى بها الجبير، لقناة “فرانس 24″، جاءت وسط عاصفة هجومية غير مسبوقة على المستويين العربي والإسلامي، شعبيًّا ورسميًّا، لكن الوزير تطوع للدفاع عنه بقوله: إن “إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جادة بشأن إحلال السلام بين الإسرائيليين والعرب”.
“الجبير” أضاف أن الأمريكيين “يعملون على أفكار، ويتشاورون مع كل الأطراف وبينها السعودية، ويدمجون وجهات النظر التي يعرضها عليهم الجميع”، مشيرًا إلى أنهم أعربوا عن احتياجهم “لمزيد من الوقت لوضع خطة للتسوية في الشرق الأوسط وعرضها”.
وبرغم نفيه وجود أي علاقات للمملكة مع إسرائيل، رغم أنها تشاركها القلق من نفوذ إيران بالمنطقة، إلا أن وزير الخارجية السعودي أكد أن لدى بلاده “خارطة طريق” لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، بعد اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
مصطلح “خطة التسوية” الذي أشار إليه الجبير، ربما لا يعني سوى شيء واحد، وهو “صفقة القرن”، حيث تضمن التصريح التأكيد على أنها خطة لإحلال السلام بين الإسرائيليين والعرب، وليس الفلسطينيين وحدهم، الأمر الذي يشير إلى أنها ليست مجرد مفوضات سلام بين الطرفين، بل تسوية إقليمية كبيرة للقضية.
ليست “أبو ديس” ببعيدة
وربما لا يمكن وضع تصريحات “عباس” في سياقها الصحيح، بعيدًا عن ربطها بما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، حول لقائه بولي العهد السعودي في نوفمبر الماضي، ولم يُزَح الستار عنها إلا بعد صدور القرار الأمريكي في ديسمبر.
الصحيفة، نقلت عن مصادر رسمية فلسطينية وعربية وأوروبية قولها: إن “بن سلمان” اقترح على الرئيس الفلسطيني، خطة ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وصفتها بأنها منحازة لإسرائيل أكثر من خطة “ترامب” نفسه.
وذكرت أن “بن سلمان” اقترح خطة تكون فيها الدولة الفلسطينية مقسمة إلى عدد من المناطق ذات حكم ذاتي، وتبقى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة “ملكًا” لإسرائيل، وتكون “أبو ديس” عاصمة فلسطين، وليس القدس الشرقية المحتلة، وكذلك لن يمنح حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وقالت الصحيفة إن الكثير من المسؤولين في واشنطن والشرق الأوسط تفاجأوا من الاقتراح، خاصة أن ولي العهد السعودي هو الذي طرحه على “عباس”، واعتبروا أنه يحاول تقديم خدمة للرئيس الأمريكي، أو أنه يعمل لديه متطوعًا.
المصادر، أكدت أن “بن سلمان” عرض على “عباس” أموالًا طائلة للسلطة الفلسطينية وله شخصيًّا في حال قبوله بالمقترح، كما طالبه بالاستقالة في حال رفض هذا العرض.
رفض “عباس” للمقترح السعودي، وفق الصحيفة، ربما كان الشرارة التي أشعلت جذوة الخلاف بين القيادة السعودية الجديدة والفلسطينيين، على نحو انعكس فيما بعد على موقف الرياض من أزمة القدس.
اضف تعليقا