“كثير من الجدل أثاره في كل مواقفه ومواقعه، خارج المملكة العربية السعودية وداخلها، قبل الانقلاب العسكري في مصر وبعده، على شاشة قناة الجزيرة القطرية وشاشات أخرى مناوئة لها، لكنه ظل دائما يعرف من أين يؤكل الكتف”.

هكذا يصف العديد من المراقبين الكاتب الصحفي، عبد العزيز الخميس، الذي طالما اقترن اسمه بخوض معارك إعلامية منذ بداية عمله محررًا بعد تخرجه من كلية موريس للصحافة في لندن عام 1984.

بدأ “الخميس” عمله كمحرر متعاون في صحيفة الجزيرة السعودية عام1980، أي أثناء دراسته، ثم عمل بمكتب جريدة السياسة الكويتية في الرياض، ثم مسؤولا عن التحرير بمكتب جريدة اليوم بالرياض ثم مسؤولاً للقسم الاقتصادي في مجلة اليمامة، فمحررا اقتصاديا في صحيفة الشرق الأوسط بالرياض عام 1993.

عُيِّن الخميس رئيسا لتحرير مجلة المجلة من العام 1998 وحتى 14 ديسمبر 2000، ثم رأس تحرير مجلة المراقب العربي في عام 2009، ويرأس حاليًا تحرير صحيفة العرب اللندنية، وهي أول صحيفة عربية تصدر في بريطانيا وأوروبا.

كانت “المجلة” أهم أسبوعية تصدر بالعربية وتوزع في كل أنحاء العالم طوال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وتربطها باللوبي السعودي علاقات وثيقة، إذ كانت تصدر عن المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، التي ترتبط بصلات تاريخية وثيقة بعائلة الملك سلمان وولي عهده، إذ تولى الأمير أحمد بن سلمان رئاسة مجلس إدارتها، منذ 1989 وحتى وفاته في 2002، كما تم تعيين الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز رئيسا لها في 10 فبراير 2013.

وبانتهاء عمل “الخميس” بالمجلة يمكن رصد مرحلة جديدة من حياته، تحولت فيها مواقفه السياسية تدريجيا تزامنا مع تحوله الوظيفي، ليبدأ “وجهه المعارض” في الظهور.

وجه معارض

انتشر في الأوساط اللندنية أن الخميس ممنوع من العودة إلى المملكة بسبب معارضته للنظام الحاكم بها، واقترن اسمه بسعد الفقيه ومضاوي الرشيد، وغيرهم من رموز المعارضة السعودية بالخارج.

 

 

في هذا الوقت كان الخميس أحد ممثلي المعارضة “المفترضة” على شاشة قناة الجزيرة، إذ تكررت استضافته ببرامجها، كما استضافته قنوات أخرى عديدة مقرها لندن، متحدثا عن فساد النظام الذي رسخه أمراء آل سعود.

واستمر الخميس في التعبير عن هذا “الوجه” حتى عام 2011 كتب مقالا عن أحداث احتجاجات العوامية، شرق السعودية، التي راح ضحيتها قتلى وجرحى، جاء فيه: “النظام لا يهمه سنيا ولا شيعيا، ما يهمه هو المحافظة على حكمه وعرشه”.

وحتى يونيو 2012، وقبل الانقلاب العسكري في مصر (يوليو 2013)، كان “الخميس” أحد أبرز الوجوه التي تستضيفها قناة المستقلة للرد على داعمي النظام السعودي.

وفي إحدى مرات الاستضافة، برر الخميس عمله السابق في “السعودية للأبحاث والتسويق”، بأنه كان يعمل رئيسا لتحرير مجلة في شركة “بريطانية” يملكها سعوديون، وليس في شركة يخدم فيها العاملون الأمراء بالمعنى التقليدي المتعارف عليه بالمملكة (فيديو: ق 3).

تحول الانقلاب

لكن الانقلاب العسكري في مصر مثل تحولا آخر في حياة الكاتب السعودي، الذي دافع بضراوة عن الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وأسفر عن وجه جديد يشن فيه الحملات الإعلامية ضد دول منها: إيران وقطر، إضافة إلى تيارات الإسلام السياسي عموما، والإخوان المسلمين خصوصا.

شبه عبد العزيز الخميس الرئيس محمد مرسي بنتنياهو وهتلر وموسوليني، كما وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنه “فرعون”، واتهم جميع الجماعات، والأحزاب الإسلامية بتكفير مخالفيها.

وكتب “الخميس” مقالا بتاريخ (29 أغسطس 2013) ندد فيه بالرفض القطري للانقلاب في مصر، وجه فيه خطابا إلى وزير الخارجية، خالد العطية، جاء فيه: “هل يعلم السيد الوزير أن وزارته وقنواتها التي تنوح وتلطم ليل نهار وتزحف إلى كربلائها العدوية حزنا على “ديمقراطية” و”شرعية” لا تملك ألف الديمقراطية والتمثيل الشعبي، ناهيك عن بائها”.

واستمر وجه الخميس الجديد حتى 2017، إذ وصف القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض بأنها “هزت عرش كسرى في طهران، وأسقطت قناع قطر، وكشفت علاقتهما الحميمة بالإرهاب”.

ولذا لم يكن مفاجئا موقفه من إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر، حيث وصفه بالقرار الشجاع “ليس لتفاصيله، بل معناه الحقيقي، وهو الوقوف ضد الإرهاب أيًّا كان نوعه ومكانه ومموله وداعمه” بحد تعبيره.

وجه الموالي

وانعكس تحول الخميس على مواقفه من الشأن السعودي الداخلي أيضا، إذ احتفى بفشل الدعوة للتظاهر فيما سمي، عبر تويتر، بحراك 15 سبتمبر الماضي، مغردا: “لم أهتم لما يسمى بحراك ١٥ سبتمبر، لسبب بسيط، شعبنا لديه قدرة خارقة على دحر كل من يهدد أمنه واستقراره، سيبقى الوطن شامخا منيعا”.

وفجأة أعلن “الخميس” عودته إلى السعودية عام 2014 زاعما أنه “لم يكن معارضا للحكومة السعودية في يوم من الأيام”، وأن بقاءه طيلة 19 عاما خارج المملكة كان بسبب عدم إعطائه ترخيصا لإنشاء مجلة تكون مملوكة له، و”ليس لأي سبب سياسي” حسب قوله (برنامج اتجاهات على قناة روتانا خليجية بتاريخ 16 مارس 2014).

انتقل الخميس من موقع المعارض إلى الموالي، بل والمبشر بعهد ولي العهد الجديد، الأمير محمد بن سلمان، والمؤيد الشرس لتوجهاته، داعيا إلى تحويل المملكة العربية السعودية لدولة مدنية، وإلغاء “الولاء والبراء” من مناهجها الدراسية.

فما الذي دفع الخميس لهذا التلون؟ نظرة فاحصة لتاريخ علاقته باللوبي التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة تمثل مفتاحا للإجابة على السؤال.

تحت السطح

ففي الوقت الذي عارض فيه الخميس نظام آل سعود كانت العلاقات متوترة “تحت السطح” بين الرياض وأبوظبي، وهو ما سجلته وثائق وكيليكس، عندما وثقت سخرية ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من ولي العهد السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز وتشبيه له بالقرد.

وأوردت الوثيقة أن ولي عهد أبو ظبي قال لمسؤول أمريكي إن “90% من الشعب السعودي ينتظر الأمريكيين بعد انتهائهم من العراق ليغيروا لهم آل سعود”.

وجاء تسريب الوثيقة في وقت تصاعد فيه الخلاف السعودي – الإماراتي بعد أن هرولت الإمارات إلى إيران لمباركة اتفاقها النووي مع الغرب وهو الاتفاق الذي تحفظت عليه الرياض، إضافة للخلاف بينهما بشأن الملف السوري على خلفية رفض أبوظبي دعم أي تيار إسلامي من فصائل المعارضة.

في هذا الوقت أخرج “الخميس” من جعبته دور المعارض للنظام السعودي من الخارج، بدعم إماراتي، كشفه تلقي صحيفة العرب اللندنية دعما ماليا بأمر من القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية، محمد دحلان، مستشار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، حسبما نقل موقع أسرار عربية عن مصادره.

ووفق شبكة الدعم، سالفة الذكر، بات الخميس أحد أهم رجال اللوبي الإعلامي الموالي للإمارات حتى اليوم، ضمن شبكة تضم عددا كبيرا من الكتاب والصحفيين، بينهم يوسف علاونة (طالع تقرير العدسة حول دوره).

وفي هذا السياق، سجلت صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 31 مايو 2013 تثمين الخميس لمبادرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في تنظيم مؤتمر مستقبل الثقافة العربية الإسلامية الوسطية، لأنه جاء “في التوقيت الذي تشهد فيه الساحتان الإقليمية والدولية، محاولات محمومة للترويج للفكر المتطرف والغلو والعنف والعنف المضاد” حسب قوله.

وأعرب عبدالعزيز الخميس عن أمله في أن تتضمن الأوراق البحثية في المؤتمرات المقبلة لمركز الإمارات، إبراز دور الثقافة المتطرفة بوصفها وسيلة يستخدمها المتطرفون لإشاعة ثقافة العنف واستخداماته.

سر التحول

وبخلاف أن خطاب الخميس هو عينُه خطاب أبوظبي الرسمي، فإن التسريبات الواردة عبر وسائل الإعلام العربية والدولية تؤكد أن عودة المياه إلى مجاريها بين رأس الحكم الفعلي حاليا بالسعودية، متمثلا في ولي العهد، ونظيره الإماراتي، محمد بن زايد، هي السبب وراء “التلون” في مواقف الخميس.

ولذا ابتلع الرجل كلامه السابق عن ضرورة تأسيس نظام دستوري بديل عن الملكية المطلقة في السعودية، مستبدلا إياه بمقالات المديح عن تطور وتفرد وتسامح النموذج الإماراتي.

بل إن التسريبات تشير إلى أن دعم اللوبي الإماراتي لابن سلماه بلغ مداه بتوجيه الخميس إلى التفاوض مع عدد من الكتاب المحسوبين على المعارضة السعودية بالخارج لتغيير مواقفهم باتجاه تأييد “العهد الجديد” بالمملكة.

حددت التسريبات تحديدا اسم المعارض السعودي “كساب العتيبي”، حيث تفاوض معه الخميس لغلق ملف الخلاف مع أبوظبي ورفع الحظر عن دخوله الإمارات، بعدما شن هجوما عنيفا على ابن زايد ورجاله إثرالكشف عن محاولة تجسس إماراتية علي سلطنة عمان، قائلا: “كشفنا قبل فترة عن الخلية التجسسية في ولاية عمان التابعة للإمارات لقلب نظام الحكم في عمان، وعمل على الصلح سمو أمير دولة الكويت، ولكن لا يزال الإماراتيون في نفس السياق بالشتم والطعن بالأعراض.. وليس لديهم منطق ولا أدب الحديث”.

تلون الخميس بتوجيه إماراتي إذن، وهو ذات السبب الذي يقف وراء تبنيه خطا استراتيجيا ثابتا يتمثل في الهجوم الشرس على تيارات الإسلام السياسي بشكل عام، والإخوان المسلمين بشكل خاص، باعتبار ذلك على رأس أهداف اللوبي الإماراتي حول العالم.

وليس “الخميس” في ذلك إلا حبة في عقد مئات الكتاب والصحفيين الذين يعبرون عن هذا اللوبي حول العالم بـ “واجهة سعودية” تبدو مقبولة لدى نظام ابن سلمان الذي يبدو لسان حاله رافعا لشعار: من تولى حلفاءنا من آل زايد فهو آمن، وتائب اللوبي الإماراتي كمن لا ذنب له.