كتب- باسم الشجاعي

ساق الدكتور “عبد الرحمن البر”، عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والعميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع المنصورة، أدلة تؤكد براءته من التهم المنسوبة إليه في القضية المعروفة إعلاميًّا باسم “فض اعتصام رابعة العدوية”.

وفند “البر” –في نص المرافعة التي أرسلها لمحكمة الجنايات خلال جلسة 29 مايو الماضي، واطلع موقع (العدسة) عليها-  الاتهامات الموجهة لجماعة الإخوان المسلمين بالغلو والتطرف، وموقفها من مواجهة ظاهرة التكفير.

وركز القيادي في جماعة الإخوان، خلال مرافعته، على ثلاث نقاط أساسية، فيما يتعلق باتهامه بالانضمام لجماعة أُسست على خلاف الدستور والقانون، تسعى لتعطيل الدستور وإعاقة عمل مؤسسات الدولة وتكدير السلم الاجتماعي، وتتخذ من العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضها، قال: “إن كان المقصود جماعة الإخوان المسلمين فهي براء تمامًا من كل ذلك، فإنها لم تعمل يومًا خارج إطار الدستور والقانون، منذ تأسيسها عام 1928 على يد الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، وحتى الترخيص الذي أصدرته وزارة التضامن الاجتماعي في مارس 2013، ولا معنى على الإطلاق لاتهامها بالسعي لتعطيل الدستور، وهي التي كان من أعضائها ومؤيديها من يمثلون أكثر من ربع أعضاء الجمعية التأسيسية المنتخبة التي وضعت الدستور، وكنت أنا واحدًا منهم ومعي زميلاي في هذه القضية الدكتور عصام العريان والدكتور محمد البلتاجي ضمن نخبة متميزة من الوطنيين المخلصين، ومنهم زميلنا في هذه القضية الأستاذ عصام سلطان.. فهل تجد العقول السليمة تناقضًا أشد من اتهام المشرعين الدستوريين بأنهم أعضاء في جماعة تسعى لتعطيل الدستور؟! بل كنا بصدد التقدم للترخيص لجمعية لحماية الدستور يكون أعضاؤها هم أعضاء الجمعية التأسيسية، أما الذي أعلن تعطيل العمل بالدستور فهو بكل تأكيد ليس من الإخوان المسلمين”.

وتابع: “وأشد تناقضًا من ذلك، اتهامهم بتعطيل مؤسسات الدولة وإعاقتها، وهم الذين حازوا ثقة الشعب في كل الانتخابات الحرة؛ برلمانية كانت أو نقابية أو عمالية أو طلابية، وفي الذروة الانتخابات الرئاسية، وذلك لما لمس الشعب فيهم من حرص على حسن إدارة المؤسسات العامة والخاصة، ولما رأى من دورهم البارز والمشرف في تبني كل قضايا الأمة وهمومها، وسعيهم الجاد والدءوب لحل مشاكلها، ولسجلهم الزاخر بالإنجاز في كل المجالات، وحملهم الخير للجميع، وفق برنامج واضح محدد لاقى قبول الأمة وتأييدها، فأي عاقل يمكنه بعد ذلك تصديق اتهام الجماعة  بتعطيل المؤسسات؟!.. والإخوان هم الذين شهد لهم الجميع بالكفاءة والإخلاص في إدارة ما وكل إليهم منها بالانتخاب أو بالتعيين”.

وعن اتهام الجماعة بالتطرف والعنف، قال “البر”: “هذا كذب وبهتان، ففكر الإخوان هو ذاته فكر الأزهر الشريف الوسطي المعتدل، وإنما اهتم الإخوان ببناء الإنسان على ضوء ذلك حتى يتحقق المواطن الصالح الخصال العشر اللازمة للتقدم والرقي والإبداع بأن يكون قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، صحيح العبادة، سليم العقيدة، منظمًا لشؤونه، قادرًا على الكسب مجاهدًا لنفسه، نافعًا لغيره، وبه وبأمثاله يقوم المجتمع القوي، وتبنى الأمة القادرة على منافسة أمم الأرض وأخذ مكانها المناسب في صدارة الحضارة العالمية”.

وعن حمل الجماعة للسلاح، أوضح  أن “الإخوان” لم يحملوه إلا في مواجهة المستعمر الأجنبي في فلسطين وعلى ضفاف القناة، مثل كل الفصائل الوطنية في حينه، وقد جعل الإخوان من ثوابتهم التي لا تقبل التغيير: السلمية ونبذ العنف.

وأضاف: “أكد ذلك كل قادتها، بداية من المرشد المؤسس رحمه الله، وحتى المرشد الثامن الدكتور “محمد بديع” الذي سمعه الملايين وهو يقول: “سلميتنا أقوى من الرصاص، سلميتنا سر قوتنا”.

وأما فيما يتعلق باتهامه بالتدبير والتحريض والمشاركة في أعمال العنف وقطع الطرق وتعطيل المؤسسات، قال “البر”: “أقف الآن على أعتاب السادسة والخمسين من العمر، ولم يسبق لي على الإطلاق دخول قسم شرطة أو الوقوف أمام نيابة عامة شاكيًا ولا مشكوًّا ولا شاهدًا في أية قضية أو خصومة، ذلك لأني حملت أهم رسالة لي في الحياة؛ إصلاح المجتمع، والإصلاح بين الناس، وإقرار دعائم السلم الاجتماعي، وبفضل الله وحده قطع الله على يدي مئات النزاعات بين العائلات والأفراد وبين الأزواج، ولم أدخل في خصومة مع أي كان” .

وتابع: “بعد أن تخرجت في كلية أصول الدين، حاصلًا على الترتيب الأول على الدفعة بامتياز مع مرتبة الشرف، تم تعييني معيدًا في الكلية عام 1985، ثم تدرجت في الوظائف الجامعية حتى درجة أستاذ عام 2003، ثم توليت رئاسة قسم السنة وعلوم الحديث، ثم عمادة الكلية عام 2011، وخلال هذه السنوات التي قاربت الثلاثين لم أتعرض لتوقيع أي جزاء إداري ولا مجرد لفت نظر على الإطلاق، أفيصح في العقول أن ينتهي بي هذا الانضباط العملي والأخلاقي إلى الاشتراك في قطع الطرق وتعطيل المواصلات والمؤسسات؟!.

وألمح إلى أنه في نهاية عام 2011، قام السادة علماء الأزهر الشريف من زملائي في الكلية بانتخابي عميدًا بأغلبية قاربت الإجماع، فأنجزت -بفضل الله ثم بمعونة الزملاء- في عام ونصف ما لم يتم إنجازه على مدى نحو أربعين عامًا هي عمر الكلية، سواء في البرامج العلمية والتعليمية أو التحديث التقني أو الإصلاح الهيكلي والإداري أو الخدمات الطلابية أو خدمة المجتمع أو النهوض العمراني والجمالي للمبنى ومحيطه، وجهزت بعد المدارسة مع الزملاء رؤية لتطوير الكلية، بحيث تكون الأولى في مجالها إقليميًّا وعالميًّا وتصبح نموذجًا لغيرها من الكليات، متسائلًا: “فهل يمكن أن يكون كل ذلك مقدمة للاشتراك في تشكيل عصابي لقطع الطرق وارتكاب الجرائم وتعطيل المؤسسات؟!.

وأضاف: “في عام 2012/ 2013 دعاني السيد اللواء سامي الروبي مساعد وزير الداخلية لمصلحة التدريب لإلقاء المحاضرات التوجيهية على المتدربين من ضباط وأفراد الشرطة، فألقيت الكثير منها، حتى يونيو 2013، ومنها ما ألقيته في هذا المعهد الذي تتم فيه المحاكمة، وقد رفضت تقاضي أية مكافآت أو الانتقال بغير سيارتي الخاصة”، متسائلًا: “فهل كانت وزارة الداخلية تستعين بزعيم في تشكيل عصابي وعضو في جماعة عنيفة وإرهابية لتوجيه ضباطها على النحو الوارد في الاتهامات المرسلة في هذه القضية؟!” .

وألمح “البر” إلى أنه ألف خمسة وثلاثين كتابًا في مختلف فروع الثقافة الإسلامية، وكتب مئات المقالات في الصحف والمجلات على اختلاف توجهاتها، وألقى آلاف المحاضرات والدروس والخطب والكلمات في الجامعات والمدارس والمساجد والنقابات والأندية وقاعات الاحتفالات، ولم يجد كاتب التحريات ولا ممثل الادعاء في شيء من هذا الإنتاج الضخم عبارة مرئية أو مسموعة أو مكتوبة يستندون إليها في الاتهامات المرسلة التي أطلقوها في هذه القضية وغيرها، ولم يجدوا إلا كل ما ينقض ويبطل تلك الاتهامات، فآثروا أن يغضوا الطرف عن نقل شيء منها إلى أوراق الدعوى.

واشتكى “القيادي في جماعة” الإخوان المسلمين”، من أنه لم يسمع أحدًا ممن أدلوا بشهادتهم في هذه القاعة ذكر اسمه في أية واقعة، أو ذكر أنه رآه فعل شيئًا أو سمعه يقول قولًا أو أقر له بعبارة، مما يعد مؤثمًا قانونًا، بل ولا ذكر أحدهم اسمه على الإطلاق، وهم الذين اكتفت المحكمة بشهادتهم في تصور القضية والأحداث والاتهامات، قائلًا: على حد علمي خلت أوراق القضية من ذكر اسمي على لسان أحد ممن تم التحقيق معهم يقول إني حرضته أو شاركت معه أو مع غيره في فعل مؤثم قانونًا، كما أن ما عرضته المحكمة من أقراص مدمجة جاء خاليًا تمامًا من أية إشارة إلى شخصي أو من أي نقل مسموع أو مكتوب عني، ولذا فقد تم حشر اسمي حشرًا في القضية ضمن قوائم المتهمين دون أي دليل أو إشارة من دليل على سبب للاتهام، فضلًا عن الإدانة، مضيفًا أن النيابة أدركت أنه ليس لديها ما تحقق معي بشأنه أو تواجهني به، فآثرت إحالتي للمحاكمة دون تحقيق، وتساءل: “فما السر في ذلك؟” .

واختتم “البر” مرافعته قائلًا: “هذا كله وغيره من التنكيل ليس له إلا هدف واضح، هو إرغامي على التخلي عن حريتي وبيع ديني وتضييع الميثاق الذي واثقني به، وإكراهي على خيانة هذا الوطن الحبيب، وهو ما لا يمكنني أن أقبل به على الإطلاق، خصوصًا بعد أن آذنت شمس عمري بالغروب، وأوشكت أن يدعوني رسول الله فأجيب اللقاء به، ولو فعلت لكنت كمن صام يومًا شديد الحر، ثم أفطر قبيل الغروب وقبيل موعد الإفطار، فحبط عمله وكان من الخاسرين، وأغبى الأغبياء من ضل في آخر الطريق بعد أن قارب المنزل”.