قال الباحث السعودي عبد الله العودة إن السلطات السعودية تتعمد بممارساتها الوحشية والقمعية ضد المعتقلين السعوديين قتل والده بالبطيء داخل مقر احتجازه في المملكة، إذ يعاني من أوضاع صحية متدهورة نتيجة لظروف الاحتجاز القاسية وإهماله طبياً بحرمانه من العلاج والغذاء مؤكداً أن حبسه الانفرادي هو تعذيب حقيقي له، يعكس مدى المعاملة السيئة التي يتلقاها العودة الأب في زنزانته المعتمة.

وفي مقال الرأي الذي كتبه لصحيفة “نيويورك” تايمز الأمريكية، ذكر العودة الابن أن والده الإصلاحي السعودي سلمان العودة ومنذ اعتقاله قبل ثلاث سنوات والسلطات السعودية تتعمد التنكيل به وانتهاك كافة حقوقه الإنسانية والقانونية، أبسطها أنها كثيراً ما تحرمه من زيارة العائلة، وفي حين سمحت له بذلك، تتخلل الزيارات العديد من المضايقات والانتهاكات.

” لم تتمكن عائلتي من زيارته في السجن ولا تلقي مكالمة هاتفية في الفترة بين مايو/أيار وأواخر سبتمبر/أيلول، وعندما سُمح لهم بالتحدث معه، كان بينهم حاجز زجاجي… وبعد ستة أشهر، وأثناء حضورهم جلسة محاكمته في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم في المحكمة الجزائية المتخصصة، سُمح لإخوتي بعناق والدي.. جاء هذا العناق الذي تشتد الحاجة إليه بعد ستة أشهر”.

وبحسب العودة، فإنه خلال جلسة المحكمة تلك، والتي تمت في 18 نوفمبر / تشرين الثاني في الرياض، أصيب إخوته بالدهشة من مدى ضعف وهزال الوالد، بعد أن فقد نصف سمعه وبصره في السجن، وكان غير متماسك ويواجه صعوبة في سماعهما ورؤيتهما بوضوح، لم يستطع حتى التحدث بنفس القوة والفخر والحزم الذي كان يتميز بهم، وهي حالة أثارت شكوك ومخاوف لدى أبنائه من أن يتم إجباره على التوقيع على اعترافات جديدة.

وبين عبد العودة أن التدهور الجسدي والعقلي لوالده يتم بصورة متسارعة على مدى ثلاث سنوات من الإساءة والعزلة، مضيفاً أنه خلال الأشهر الثلاثة إلى الخمسة الأولى من احتجازه، في سجن ذهبان بجدة، كبل الحراس قدميه بالسلاسل وعصبوا عينيه أثناء نقله بين غرف الاستجواب وزنزانته، كما حرمه المحققون من النوم والأدوية لعدة أيام متتالية.

وفي إحدى المرات -بحسب العودة- ألقى الحراس عليه كيسًا بلاستيكيًا من الطعام دون فك الأصفاد، وأجبروه على فتح الكيس وإخراج الطعام بفمه، مما تسبب في أضرار جسيمة لأسنانه، وتابع أنه بعد هذه المعاملة السيئة المطولة، في يناير/كانون الثاني 2018، نُقل إلى المستشفى لبضعة أيام بسبب ارتفاع ضغط الدم بشكل خطير.

وأوضح عبد الله العودة أن والده، سلمان العودة، الداعية الذي يبلغ من العمر 63 عاماً، اعتقل في 10 سبتمبر/أيلول 2017، ومنذ ذلك الحين وهو في الحبس الانفرادي، الذي زُج به داخله بعد اعتراضه على حالة الشقاق الخليجية التي حدثت بعد مقاطعة السعودية والبحرين والإمارات لقطر وفرض حصاراً عليها، ما جعله يعبر بصورة غير مباشرة في تغريدة له عن رغبته في أن تتم مصالحة بينهم، “بعد ساعات قليلة تم اعتقاله”.

بعد احتجازه دون تهمة لمدة عام، وجهت السلطات السعودية لسلمان العودة 37 تهمة، فوجئ بها عندما بدأت محاكمته في سبتمبر/أيلول 2018 في محكمة مغلقة في الرياض، وكان بين التهم: تحريض الناس ضد الحاكم والدعوة لتغيير الحكومة إلى حيازة كتب محظورة، وعليه، طالب النائب العام السعودي سعود المعجب بإعدامه.

ووفقاً لعبد الله فإن السبب الرئيسي لغضب النظام الحالي على والده يعود إلى بداية ثورات الربيع العربي عام 2011، حيث كان سلمان العودة من أشد المؤيدين لها، وكان من كبار الداعمين للالتماس الذي وقعه الآلاف من السعوديين للمطالبة بالانتقال الوطني نحو ملكية دستورية مع انتخابات وحريات أساسية ومؤسسات ديمقراطية.

وعلى الرغم من أن الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي حكم من عام 2005 حتى وفاته في يناير/كانون الثاني 2015، قد سمح للسعوديين بالتحدث إلى حد ما وتقديم بعض المطالب لأن المملكة كانت حريصة على تجنب الاضطرابات العامة، لم يكن هذا رأي الملك سلمان -حين كان ولياً للعهد آنذاك، ولا نجله.

عام 2013، عندما كان الأمير سلمان بن عبد العزيز – الملك الحالي – وليًا للعهد بالفعل، عين نجله الأمير محمد بن سلمان رئيسًا لمحكمته برتبة وزير، حث العودة الأب الحكومة السعودية على إطلاق سراح العديد من الإصلاحيين الذين أسس الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، حيث كان يتم اعتقال العديد من النشطاء، وإدانتهم بتهم واسعة تتمثل في محاولة “تشويه سمعة المملكة” و “قطع الولاء للحاكم” و “إنشاء منظمة غير مرخصة”، تم تجاهل مطالبات سلمان العودة حينها، ولكن لم يكن هناك عقاب.

في ذلك الوقت، قدم ولي العهد الأمير سلمان- الأمير محمد، ابنه الصغير، للعديد من الشخصيات العامة المؤثرة في المملكة العربية السعودية التي كانت تتحدث عن الإصلاحات، والتقى ولي العهد الأمير سلمان والأمير محمد بوالد عبد الله وطلبا نصيحته بشأن عملية الإصلاح السياسي الدقيقة.

في عام 2015، بعد أن خلف الملك سلمان الملك عبد الله، أراد سلمان العودة -على حد قول عبد الله- تذكير الملك بوعده بالإصلاحات في المملكة العربية السعودية، وأثناء ظهوره على التلفزيون الوطني السعودي، روى الشيخ سلمان العودة كيف أخبره ولي العهد الأمير سلمان أن الإصلاحات السياسية والحقوق التي دافع عنها سلمان العودة لفترة طويلة ستكون على رأس جدول أعماله عندما أصبح ملكًا، ولكن وبعد ثلاثة أشهر نم تولي الملك سلمان السلطة “تحولت آمالنا في إجراء إصلاحات سياسية أو المزيد من الحقوق المدنية إلى سراب” بعد أن شن ولده -الذي أصبح ولياً للعهد- حملة قمع للمنافين من العائلة المالكة، وسحق المعارضة، والتنكيل بالمعارضين، وتورط المملكة في حرب اليمن، وقيادة الحصار المفروض على قطر، وهي القشة التي تسببت في سجن سلمان العودة في النهاية.

ومنذ اعتقاله وهو يعاني من معاملة قاسية ومهينة، ساهمت كثيراً في الإضرار بصحته، أكد عبد الله العودة أن الإهمال الطبي وسوء الممارسة منتشران في السجون السعودية، ما تسبب في وفاة الكثير من معتقلي الرأي داخل مقار احتجازهم، كما حدث مع المعتقل عبد الله الحامد، أحد أبرز الإصلاحيين في المملكة، والذي الذي انهار ودخل في غيبوبة أثناء وجوده في السجن في أبريل/نيسان 2020، بعد رفض السلطات نقله إلى المستشفى لإجراء عملية قسطرة قلبية.

واختتم عبد الله العودة مقاله بمناشدة إدارة بايدن بالتدخل العاجل واتخاذ مواقف حاسم من النظام السعودي للحد من انتهاكاته وإنقاذ والده وبقية المعتقلين قبل فوات الأمان، خاصة وأن بن سلمان يهتم بنظرة المجتمع الدولي له، مشيراً إلى تعهدات جو بايدن أثناء حملته الانتخابية بأنه لن يتسامح مع السعودية مرة أخرى فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، مؤكداً أن تدخله للإفراج عن المعتقلين السعوديين بما فيهم والده سيكون خطوة مهمة في سجل الإدارة القادمة.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا