سلسلة من “الأحكام الجائرة” -كما وصفتها منظمات حقوقية- أصدرها القضاء السعودي بحق ناشطين وناشطات، في الأيام القليلة الماضية، أثارت غضبا واسعا، على الصعيدين المحلي والدولي، فيما ردت سلطات الرياض بالزعم أن لديها “قضاء نزيه ومستقل”، ورفضت المساس بشؤونها الداخلية.

وأصدرت المحكمة الجزائية المختصة في العاصمة الرياض، الإثنين الماضي، حكما بالسجن لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر على الناشطة البارزة المدافعة عن حقوق النساء لجين الهذلول. ويشمل الحكم وقف تنفيذ عامين و10 أشهر من العقوبة المقررة.

وقضت لجين الهذلول بالفعل أكثر من 900 يوم قيد الاحتجاز، تعرضت خلالها للتعذيب والتحرش الجنسي، وأشكال أخرى من المعاملة السيئة، واحتُجزت في الحبس الانفرادي، وحُرمت من الاتصال بأسرتها. وفق تأكيد منظمة العفو الدولية.

وأعقب هذا الحكم، أحكام أخرى شملت الداعية الإسلامي، يوسف الأحمد، الذي صدر في حقه حكم قضائي بالسجن أربع سنوات، والحرمان من السفر، بتهمة المشاركة في معرض الكتاب، وزيارته قديما لبعض معتقلي الرأي. واعتقل الأحمد في سبتمبر 2017.

أما الداعية حمود بن علي العمري، فقد أصدر القضاء السعودي عليه حكما بالسجن 9 سنوات. فيما صدر حكم بالسجن لمدة 16 عاما على الشاعر نواف الدبيخي.

 وتأتي هذه الأحكام بعد قرار آخر لمحكمة سعودية قضت بسجن الطبيب السعودي الأمريكي وليد فتيحي بالسجن 6 سنوات، بتهمة “الحصول على الجنسية الأمريكية بدون إذن من السلطات، والتعاطف مع منظمة إرهابية غير محددة”. وذلك بحسب تأكيد مصدر قريب من عائلته لوكالة فرانس برس.

انتقادات حقوقية

وتعليقا على هذه الأحكام، قالت منظمة العفو الدولية إن “هذه المحاكمات التي تفتقر للعدالة تُظهر قسوة السلطات السعودية تجاه الناشطين الذين تجرؤوا على التعبير علنا عن أحلامهم في رؤية مملكة عربية سعودية أفضل”.

وأضافت: “بهذه المحاكمة المعيبة بشكل بالغ، واستمرار حملة القمع المستمرة ضد النشطاء والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، أثبتت السعودية أن خطابها حول إجراء إصلاح لحقوق الإنسان ما هو إلا خطاب أجوف تماما”.

وجددت المنظمة دعوتها إلى الإفراج الفوري، ودون قيد أو شرط، عن جميع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان الذين ما زالوا رهن الاحتجاز، وضمان إسقاط التهم الموجهة إليهم.

ووصفت “العفو الدولية” المحكمة الجزائية المتخصصة؛ بأنها “مؤسسةٌ تُستخدم لإسكات الأصوات المعارضة، وتشتهر بسمعتها السيئة في إصدار أحكامٍ مطولةٍ بالسجن بعد محاكماتٍ معيبة على نحوٍ خطير”. ولفتت إلى أن “مزاعم السعودية بشأن الإصلاح في مجال حقوق الإنسان ليست أكثر من مسرحية هزلية”.

من جانبها، حثت الأمم المتحدة، الإثنين الماضي، السلطات السعودية على “الإفراج المبكر” للناشطة لجين الهذلول، فيما انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الطبيعة “الاستعجالية” لإدانة الهذلول، وقالت إن الحكومة حاولت وصم الهذلول بإنها “جاسوسة” في محاكمة “سخرت من الإجراءات القانونية”.

كما دعا مقرر لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي “جيم ريتش” إلى إعادة النظر بالحكم الذي وصفه بـ”المخيب للآمال”، وطالب بإبطال التهم الموجهة إلى لجين الهذلول.

وعلى صعيد متصل، قالت الخارجية الفرنسية على موقعها الناطق بالعربية في إجابة على سؤال حول الحكم الصادر بحق الناشطة السعودية: “نأمل إطلاق سراح السيدة لجين الهذلول بسرعة، وهذا ما صرّحنا به علنا مرات عديدة”.

مغازلة إدارة بايدن

وأكد مستشارون في الديوان الملكي لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن الحكم “المخفف وفقا لمدته ومنطوقه قياسا إلى المدة التي قضتها المحكوم عليها في الاعتقال”، الذي أعلنته السلطات السعودية بحق الناشطة المعتقلة لجين الهذلول، جاء بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاندفاع كان واضحا من السعودية لإنهاء قضية “لجين” قبل قدوم إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن”، حيث تم عقد 6 جلسات محاكمة للناشطة، على الأقل، خلال أسبوعين ونصف فقط، توجت بإصدار هذا الحكم، الذي عاقبها بالسجن 5 سنوات و8 أشهر مع وقف تنفيذ عامين و10 أشهر، وهو ما يعني وجوب إطلاق سراح “لجين” خلال شهرين تقريبا.

واعتبر التقرير أن هذا الأمر يشير إلى محاولة “بن سلمان” إزالة مصدر محتمل للصراع مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بعد انتقاد “بايدن” الواضح له، والتأكيد على عزمه إنهاء الدعم الكبير الذي قدمه سلفه دونالد ترامب له.

ولفتت الصحيفة إلى أن دعم ترامب لولي العهد السعودي كان واضحا في فضيحة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، رغم إدانة أعضاء الكونجرس الواضح لاين سلمان، وهو ما دفع “بايدن” إلى التعهد بإعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة مع السعودية وحماية حقوق الناشطين حول العالم.

سجل سيئ

وأظهرت الحصيلة السنوية لمنظمة “مراسلون بلا حدود” التي نشرت، الإثنين الماضي، أن عدد الصحفيين المعتقلين في العالم بقي على مستويات “عالية تاريخيا” عام 2020، فيما ترافقت الأزمة الصحية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا المستجد مع تزايد الانتهاكات لحرية الإعلام.

وللعام الثاني على التوالي، تمثل بكين والقاهرة والرياض وهانوي ودمشق أكبر خمسة سجون للصحفيين في العالم. ووفقا للمنظمة فقد تم احتجاز ما لا يقل عن 387 صحفيا، خلال عام 2020، نصفهم في الصين والسعودية ومصر.

وعلقت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية على موضوع تصدّر السعودية ومصر قائمة الدول التي كانت بين الأكثر خطورة على الصحافيين في عام 2020، بتذكير قرائها أن عبد الفتاح السيسي هو «الدكتاتور المفضل» لدى ترامب وفق اعترافه علانية، وأن محمد بن سلمان لا يحتاج في صفة تفضيل مماثلة إلى إقرار من الرئيس الأمريكي.

وأشارت الصحيفة إلى أن البيت الأبيض ليس وحده الذي يربت على أكتاف طغاة الشرق الأوسط، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منح السيسي مؤخرا واحدا من أعلى أوسمة الجمهورية الفرنسية، على نقيض من استنكار برلمانيين فرنسيين ومنظمات حقوق إنسان محلية وعالمية.