العدسة – معتز أشرف

فوق المنابر يزعم حرب الحوثيين، وفي الواقع باتت كل إجراءاته تُخَدِّم على خصومه المتحالفين مع عدوته اللدودة إيران، وتدمر ما تبقى في اليمن، لتكون عبقرية محمد بن سلمان متناسبة مع وصف “الأمير الطائش” الذي يصفه به معارضوه، وذلك في ظل وضع إنساني كارثي في اليمن، سددت له آليات الأمم المتحدة ضربات جديدة، مستنكرة الجرائم السعودية بحق الشعب اليمني، ووسط استمرار للمطالبات الحقوقية بمحاكمة سلمان الابن على جرائم الحرب التي ارتكبها في اليمن.

آخر المصائب!

وبحسب ما أكدته صحيفة الإندبندنت البريطانية، واصل “بن سلمان” إنجازاته في خدمة من يصفونهم بأعدائه في اليمن، وقالت الصحيفة: “الإجراءات الاقتصادية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية قد تغذي الصراع في اليمن، وتضخم صفوف جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة بالشباب العاطلين عن العمل الذين جرى ترحيلهم من السعودية مؤخرا، حيث استشهدت بمقال كتبه رئيس ما يسمى باللجنة الثورية العليا محمد على الحوثي، في صحيفة الثورة الرسمية الخاضعة لسيطرة الجماعة في العاصمة صنعاء، والذي رحب فيه بالعمال اليمنيين المرحلين من السعودية، وقال إن الوظيفة التي تنتظرهم هي الدفاع عن اليمن والانخراط في القواعد العسكرية التابعة لهم.

التقرير أضاف أن اليمن، وهي الدولة التي تفككت منذ اندلاع الحرب الأهلية منذ ثلاثة أعوام، تواجه أزمة جديدة، نتيجة قوانين العمل السعودية المصممة للتعامل مع مستويات البطالة المرتفعة في البلاد، وجرى ترحيل مئات الآلاف من العمال اليمنيين الذين وصفوا بأنهم المهاجرون غير الشرعيين من المملكة، منذ نوفمبر من العام الماضي، ويعلق كاتب التقرير في الصحيفة (بيتان مكيرنان بيروت) على هذا الوضع بالقول: “إن إجبار الآلاف من اليمنيين على العودة إلى بلد يقع في قبضة أزمة إنسانية وبدون آفاق اقتصادية، قد يدفعهم لالتقاط الأسلحة والانضمام للحوثيين أو القاعدة، وهما الجماعتان اللتان تعتبران أن تدفق الشباب العاطل عن العمل يمثل فرصة توظيف رئيسية لهما”.

عار “بن سلمان”!

وتحت عنوان “صفقة المساعدات لا تعوض عن القتلى اليمنيين”، تتناول إحدى افتتاحيات صحيفة الجارديان إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ختام زيارته لبريطانيا تخصيص 100 مليون دولار من المساعدات للدول الفقيرة.

ووصفت الصحيفة إعلان ولي العهد السعودي بأنه “عار”، قائلة إنه لا يغطي على دور السعودية القيادي في حرب اليمن، وتدعو الحكومة البريطانية إلى بذل المزيد لإنهاء الأزمة، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة قالت إن 8.5 مليون يمني يواجهون خطر المجاعة، كما يصف الأمين العام للمنظمة الدولية الوضع الإنساني في اليمن بأنه “كارثي”، حيث يصارع النظام الصحي المتهالك وباء الدفتيريا، فيما يسعى المبعوث البريطاني الخاص مارتن غريفيث لإحياء المحاولات الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن، ولكن مهما كانت طبيعة آمال ولي العهد السعودي، فليس هناك حل عسكري للأزمة، بحسب الصحيفة، مؤكدة أن السعودية فشلت في اليمن مرتين؛ مرة في إقناع الرئيس اليمني السابق وحليف الحوثيين على عبدالله صالح بتصورها، حيث قتله الحوثيون، ومرة مع حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، التي أجبرها الحوثيون على الخروج، فليس لها وجود قوي على الأرض، حتي بات اليمن دولة تعمها الفوضى؛ حيث تخضع كل منطقة لسيطرة جهة سياسية ما، تدعمها جهة خارجية ما، أما الجيش الوطني اليمني فهو تكتل مهلهل من السنة المناهضين للحوثيين والجنوبيين ورجال القبائل من الشمال وآخرين، بحسب الصحيفة.

تنديد أممي!

وبالتزامن مع جلسات الدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كشف مرصد منظمة كوميتي فور جستس بجنيف، عن توجيه ضربة أممية جديدة للدور السعودي في اليمن، حيث أعربت الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والصراع المسلح ليلى زروقي، عن قلقها فيما يتعلق بتسييس إيصال المساعدات الإنسانية للأطفال، والاستخدام المتزايد للحصار بوصفه تكتيكًا من أساليب الحرب لضرب الأطفال، وذلك في التقرير السنوي للممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والصراع المسلح الذي يغطي الفترة من ديسمبر 2016 إلى ديسمبر 2017، التي تصدرت معاناة أطفال اليمن فيه بشكل لافت، مؤكدة أنه بسبب الوضع الأمني الهش في اليمن، أدت القيود المفروضة على استيراد ونقل المساعدات في جميع أنحاء البلاد إلى تفاقم الأثر المباشر للنزاع على الأطفال، في وقت كتابة هذا التقرير في ديسمبر، بالإضافة إلى أسوأ تفشٍّ للكوليرا في العالم، والذي أثر على الأطفال طوال عام 2017، قدرت الأمم المتحدة أن ما يقرب من 400000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، كما أعاقت الأزمات المستمرة التقدم في تنفيذ خطط العمل في اليمن، لكن الدعوة استمرت في تأمين إطلاق سراح الأطفال المرتبطين بالقوات المسلحة والجماعات المسلحة، فيما أوضحت أن الأمم المتحدة واصلت المشاركة المباشرة لضمان إطلاق سراح الأطفال المرتبطين بالجماعة المسلحة، وإعادة إدماجهم في الوقت المناسب، حيث سافر فريق فني من المكتب إلى المملكة العربية السعودية للتعاطي مع وحدة حماية الأطفال المنشأة حديثاً، التابعة للتحالف لاستعادة الشرعية في اليمن لتقديم المساعدة لتحسين حماية الأطفال في اليمن.

كما سدد المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير  زيد بن رعد بن الحسين، قبل أيام، ضربة للتحالف السعودي في اليمن وذلك بخطابه الرئيسي في الدورة المستمرة حاليا في جنيف لمجلس حقوق الإنسان، حيث انتقد استمرار تصاعد النزاع في اليمن، مما خلق كارثة إنسانية بمقاييس جديدة، موضحا أن المدنيين يعانون من القصف العشوائي والقناص العشوائي من قبل الحوثي والقوات التابعة له، فضلاً عن الغارات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف التي تقودها السعودية، مشيرا إلى أن هذا هو السبب الرئيسي للإصابات بين المدنيين، بما في ذلك إصابات الأطفال، فيما أعرب عن قلقه بشكل خاص حول مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين في مدينة تعز.

مجاعة متفاقمة!

سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن، والمتخصص في شؤون الدول العربية، يرى بوضوح أن معاناة اليمن ستستمر في ظل فشل السعودية ووزير دفاعها محمد بن سلمان، قائلا في تقرير حديث نشره معهد واشنطن: “قصة اليمن التي تُروى في واشنطن هي قصة مجاعةٍ متفاقمة ناجمة جزئيًّا على الأقل عن القصف السعودي غير الدقيق لأفراد القبائل الحوثيين الموالين لإيران، إلّا أن القصة الحقيقية تكمن في تغطية الإحراج العسكري السعودي والخطر الوشيك لنشوب صراع أوسع نطاقًا، بما يعود بالفائدة على إيران بتكلفة ضئيلة لها، فمنذ اندلاع الحرب قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، في آذار/مارس 2015، تحاول القوات المتحالفة بقيادة السعودية والإمارات إعادة الحكومة المعترف بها دوليًّا تحت زعامة الرئيس عبدربه منصور هادي – الذي يعيش في المنفى في الرياض- إلى الحكم لكن التقدم الوحيد الذي أحرزته القوات السعودية على طول الحدود الشمالية اقتصر على الاستحواذ على بقعة صغيرة من الأراضي اليمنية بالقرب من ساحل البحر الأحمر، ولكن الواقع العسكري العام يُظهر عكس ذلك، وفي الواقع أن التقييمات الدبلوماسية لأداء الجيش السعودي ليست دبلوماسية فعلاً: فبعض الصفات المستخدمة تضمنت عبارات “ضعيف”، و”رديء جدًّا” و”مروِّع”، علمًا أن هذه التعليقات انطبقت على الجيش والقوات الخاصة والقوات الجوية على حدٍّ سواء، ويشعر الحلفاء الغربيون للمملكة العربية السعودية، بمن فيهم الولايات المتحدة، بالاستياء من الوضع في ساحة المعركة”.

أضر بنفسه!

لم يخدم الأمير الطائش خصومه فحسب، بل أضر بنفسه كذلك، وبات تحت شبح الملاحقة القانونية الدولية، ودعت نائب مدير شؤون الأمم المتحدة في “هيومن رايتس ووتش” أكشايا كومار، الأمم المتحدة إلى أن تفرض عقوبات على التحالف الدولي والشخصيات المسؤولة عن الحرب المستمرة في اليمن، من بينها “محمد بن سلمان”، مؤكدة ضرورة أن يواجه “بن سلمان” وغيره من قادة التحالف السعودي عقوبات دولية بسبب القيود التي يفرضونها، ما يدفع بملايين اليمنيين أكثر نحو المجاعة وانتشار الأمراض، خاصة أن فرض العقوبات بسبب القصف العشوائي والحصار غير الشرعي على السلع الأساسية للشعب اليمني هو من ضمن صلاحيات مجلس الأمن الدولي، فيما خلصت كومار إلى أنه يجب ألا يكون ولي العهد السعودي قادرًا على التغطية على الانتهاكات في الخارج بالحديث عن الإصلاح في الداخل.

الرفض الدولي كذلك يلاحقه؛ حيث تحرك 17 نائبًا في مجلس العموم البريطاني من مختلف الأحزاب، في عريضة رفعت لرئيسة الوزراء “تيريزا ماي” قبيل زيارة “محمد بن سلمان”، من أجل إلغاء زيارته العاصمة البريطانية لندن، مؤكدين أن ولي العهد السعودي ارتكب جرائم حرب في اليمن، بصفته وزيرا للدفاع، وممارسة الانتهاكات بحق المدنيين وصفوها بالخطيرة خلال الحرب التي يشنها على اليمن، أدت إلى نشوب أزمة إنسانية كبيرة.