بشكل متسارع، وعلى نحو غير مسبوق، تستمر معاناة الاقتصاد السعودي في ظل ارتفاع مهول في عجز الإيرادات وزيادة في معدلات التضخم، مما سبب عجزاً كبيراً في الموازنة العامة للعام الجديد، وذلك علي إثر التأثيرات المتلاحقة لتفشي وباء فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي بعد الإغلاق الاقتصادي، بالإضافة لانخفاض أسعار النفط مصحوباً بقلة الطلب عليه، والذي تعتمد عليه الرياض بشكل أساسي في موازنتها العامة.
عجز الموازنة
وفي تطور لافت، أقر مجلس الوزراء السعودي، في جلسته التي عقدها برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، مساء الثلاثاء، الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2020- 2021، والتي عانت من عجز في ميزان الإيرادات تبلغ قيمته 141مليار دولار.
وقال العاهل السعودي في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي عقدت عبر الاتصال المرئي: “يبلغ الإنفاق المعتمد في هذه الميزانية (990) مليار ريال (263,892) مليار دولار”.
وأضاف: “كما تقدر الإيرادات بمبلغ (849) مليار ريال (226,307 مليار دولار) بعجز يقدر بمبلغ (141) مليار ريال (37,584 مليار دولار)، ويمثل (9,4%) من الناتج المحلي الإجمالي”.
وأوضح الملك السعودي أن العالم مر بجائحة غير مسبوقة وهي جائحة كورونا التي أثرت سلباً في الاقتصاد العالمي.
وكانت المملكة العربية السعودية سجلت في الربع الثالث من العام الجاري عجزاً بقيمة 40.77 مليار ريال، في ظل استمرار أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد وانخفاض أسعار النفط مصحوباً بقلة الطلب عليه.
وبلغت توقعات نفقات موازنة المملكة للعام المقبل 990 مليار ريال، في حين توقعت بلوغ إجمالي إيراداتها 846 مليار ريال. كما توقعت الوزارة السعودية ارتفاع الدين العام إلى 854 مليار ريال، و941 مليار ريال في 2021.
وهبطت قيمة الصادرات “النفطية” للسعودية خلال الفترة المذكورة بنسبة 42.8 بالمئة، إلى 68.92 مليار دولار.
وكانت السعودية أعلنت موازنة 2020 بإنفاق 272 مليار دولار، مقابل إيرادات بـ222 مليار دولار، متوقعة عجزاً قيمته 50 مليار دولار.
ومنذ 2014، تشهد موازنات المملكة عجزاً متواصلاً تخطى 400 مليار دولار، ما دفعها إلى الاقتراض واللجوء إلى الإنفاق من احتياطاتها التي تراجعت من 125 مليار دولار في 2019، إلى 92 مليار دولار في 2020، في حين أنه من المتوقع أن تنخفض إلى 74,6 مليار دولار في 2021.
زيادة التضخم
في سياق متصل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في السعودية بنسبة 5.8% في نوفمبر، مقارنة مع الشهر نفسه في 2019، فيما لم يطرأ تغير على المؤشر على أساس شهري.
وقالت الهيئة العامة للإحصاء السعودية، الثلاثاء، إن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين جاء بشكل أساسي من زيادة في أسعار الأغذية والمشروبات (+13%) والنقل (+8% )
وأوضحت أن الزيادة في ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% في يوليو 2020، كان لها تأثير شامل على أسعار المستهلكين في أنحاء المملكة.
وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2% على أساس سنوي مقابل نوفمبر 2019.
وقالت الهيئة إن زيادة أسعار الغذاء هي العامل الرئيسي في ارتفاع المؤشر.
وأضافت: “كانت الزيادة ملحوظة على وجه الخصوص في أسعار اللحوم (+14.8%) والخضراوات (+22.2% )
وساهم رفع ضريبة القيمة المضافة في زيادة الإيرادات غير النفطية في الربع الثالث، لكن خبراء اقتصاد قالوا إن هذا سيؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي على الأرجح، وفقاً لـ”سي إن بي سي”.
ويتزامن ارتفاع أسعار الغذاء والمشروبات على أساس سنوي مع تفشي فيروس كورونا، الذي دفع الدول إلى إغلاق حدودها، وتعطل جزئي في سلاسل الإمدادات.
من جانبه، قال وزير المالية السعودي إنه ليست هناك خطط حالية لرفع الضرائب، بما فيها ضريبة القيمة المضافة، في ظل الوضع الاقتصادي الذي تسبب به وباء فيروس كورونا المستجد.
وأضاف محمد الجدعان في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، أن المملكة تتوقع تلقي ما بين 15 و25 مليار ريال (4 مليارات و6.66 مليارات دولار) كتوزيعات من صندوق الثروة السيادي صندوق الاستثمارات العامة هذا العام.
وأكّد وزير المالية السعودي أنه ليست هناك أي خطط لمراجعة ضريبة القيمة المضافة على المدى القريب إلى المتوسط، لافتاً إلى أن هناك عجزاً متوقعاً عند 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، والحكومة تستهدف خفض العجز إلى أقل من 1% بحلول 2023.
وتوقع الوزير أن تضاعف السعودية عدد صفقات الخصخصة في العام المقبل، مبيناً أنها بلغت نحو 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) في 2020.
تحدي النفط
في ذات السياق، تواجه السعودية تحدياً ضخماً نظراً لانخفاض أسعار النفط العالمي وقلة الطلب عليه، باعتبارها أكبر مصدر له في العالم، حيث قالت السعودية، أمس الثلاثاء، إن تفشي فيروس كورونا جعل التنبؤ بسوق النفط أكثر صعوبة، محذرة من أن التقلب في سوق النفط يعد تحدياً كبيراً للاقتصاد.
وقالت وزارة المالية السعودية: “مع استمرار حالة عدم اليقين حول سـرعة تعافي الاقتصاد العالمي، واحتمالية استمرار تداعيات الأزمة إلى وقت أطول، فإن ذلك يعني صعوبة التنبؤ بمستقبل أسـواق النفط”.
وأضاف البيان نقلاً عن بيانات من “أوبك”: “إن متوسط إنتاج السعودية النفطي انخفض 5.7% على أساس سنوي؛ من يناير لأكتوبر، 2020، إلى 9.3 ملايين برميل يومياً”.
وقلصت الرياض، أكبر مصدر للنفط في العالم، إنتاج النفط هذا العام في إطار اتفاق مع أوبك ومنتجين آخرين لتحقيق الاستقرار لأسعار النفط التي بلغت قاع 21 عاماً عند أقل من 16 دولاراً للبرميل، في أبريل الماضي.
وجرت تسوية خام برنت عند 50.76 دولاراً للبرميل اليوم.
ومن المتوقع انخفاض إيرادات السعودية من النفط بأكثر من 30% هذا العام؛ بسبب انهيار أسعار الخام وتخفيضات الإنتاج بعد أن حدت جائحة فيروس كورونا من الطلب العالمي على النفط.
وارتفع الدين العام السعودي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري إلى 847.753 مليار ريال، بحسب ما أعلنته وزارة المالية السعودية.
ووفقاً لبيان ميزانية المملكة الخاص بالربع الثالث من العام فقد ارتفعت الديون الداخلية إلى 497.592 مليار ريال، بزيادة 124.828 مليار ريال، عن مستوياتها في 2019 التي كانت 372.764 مليار ريال.
وارتفعت الديون الخارجية إلى 350.161 مليار ريال، بزيادة 45 مليار ريال عن العام الماضي التي كانت 305.161 مليارات ريال.
وسُحبت 9 مليارات ريال من الحساب الجاري، و50 مليار ريال من الاحتياطيات الحكومية و83.108 مليار ريال كديون داخلية، و44.558 مليار ريال كديون خارجية، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.
وبلغ إجمالي تمويل عجز الميزانية خلال الفترة المذكورة 186.66 مليار ريال، بحسب الوزارة.
وكان الدين العام السعودي قد ارتفع إلى نحو 181 مليار دولار بنهاية 2019، يمثل 24 بالمئة من الناتج المحلي، في حين كان متوقعاً ارتفاعه إلى 201 مليار دولار في 2020 قبل ظهور الفيروس.
اضف تعليقا