العدسة – معتز أشرف

وسط حديث لا يتوقف عن “صفقة القرن” التي تنسف حقوق الشعب الفلسطيني، ظهر حديث جديد على نطاق واسع عن دور محمود عباس أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية فيها، بعد إصراره على عقد جلسات المجلس الوطني الفلسطيني تحت حكم الاحتلال، ودون توافق فلسطيني على برنامجه ومقرراته، فهل تسرع “أبو مازن” في كشف دوره المقبل في ظل الحديث عن بدء تفعيل الصفقة مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في مايو الجاري، أم أن في الأفق مظاهر أخرى؟ وهو ما نتوقف عنده.

شرعية مضروبة!

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية، أعلن بوضوح رفض الحركة لما يقوم به “أبو مازن”، وقال في خطاب ساخن: “إن عقد المجلس الوطني خارج الإجماع الوطني هو استمرار للخطوات الانفرادية التي تسهم بالانكشاف الإستراتيجي لقضيتنا الوطنية”، مضيفًا أنه يومًا بعد يوم تتضح معالم الصفقة والمؤامرة التي تحيط بقضيتنا الفلسطينية، وفي المركز منها القدس واللاجئون، وتتضافر الجهود في سباق مع الزمن لبلورة المشروع الذي يهدف إلى تصفية القضية وإجهاض مشاريع المقاومة، بما فيها المقاومة السلمية الشعبية المتمثلة في مسيرة العودة وكسر الحصار، مؤكدًا أن المغزى الحقيقي من عقد هذا المؤتمر يشير بوعي أو بدون وعي إلى علاقته بما يدور من مؤامرات ومشاريع هزيلة رفضها شعبنا، ولا يمكن أن يمنحها الشرعية الوطنية بأي حال من الأحوال، فيما دعا إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني فورية.

وشدد السيد “هنية” على أن أي مجلس لا يحمل بشكل عملي مفهوم الوحدة، هو مجلس لا يعبر عن الكل الوطني، بل يمس بشكل صارخ وحدة شعبنا ويضرب المنظمة وشرعيتها وجدارة تمثيلها لكل أبناء شعبنا الفلسطيني، موضحًا أن الطريقة التي يدير بها “أبو مازن” الوضع الفلسطيني تكرس التفرد والرغبة في إقصاء القوى السياسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية، وحتى تيارات واسعة من أبناء حركة “فتح” نفسها وأعضاء مؤسسيين في مسيرة المجلس الوطني والمنظمة، ونحن نعتقد أن هذه الخطوات تأتي ضمن مخطط مرسوم وليست ردات فعل على أحداث هنا أو هناك، فهو يرغب بالحصول على شرعية مضروبة للقيادة المنبثقة عن المجلس الوطني، والتفرد بالقرار الوطني.

وفي السياق ذاته، أكد تحالف القوى الفلسطينية في لبنان، أن قرارات اجتماع جلسة المجلس الوطني غير التوافقية في رام الله، ليست ملزمة، موضحًا أنه دعا مرارًا إلى تأجيل جلسة المجلس الوطني، من أجل عقد مجلس جامع يضمن حضور كل القوى الفلسطينية، وأن “مجلسًا يعقد تحت حكم الاحتلال هو حتمًا مجلس مقيد القرارات والنقاشات، وقراراته سوف تخدم الاحتلال”، خاصة أنه قد سبق وتوافقت كل الفصائل الفلسطينية على تفعيل منظمة التحرير في أعوام 2005 و 2006 و2011، وقد توافقت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت عام 2017 على أن يكون المجلس جامعًا، وإعادة تفعيل منظمة التحرير، لكن كل ذلك لم يلتزم به، بل ضُرب به عرض الحائط”.

كما أعلن القيادي بالجبهة الشعبية بدران جابر، أن انعقاد المجلس الوطني -في ظل غياب الفصائل الوطنية والإسلامية الوازنة، وفي ظل عدم مشاركة الشتات بكل مكوناته وشخصياته الوطنية المعتبره- يعتبر انعقادًا بـ”نصاب وهمي”، مؤكدًا أن نصاب الانعقاد وهمي وليس حقيقيًّا، الأمر الذي يزيد قناعتنا بأن هذا الانعقاد في هذا الظرف وبهذه الطريقة ليس بريئًا، وإنما كان معدًّا ومخططًا لإبعاد قوى المقاومة الحقيقية عن الاجتماعات، حيث يوجد “أكثر من 83 رفيقًا من الجبهة قاطعوا اجتماعات المجلس الوطني بقناعة، لأنهم لا ولن يقبلوا أن يكونوا شهود زور على قرارات قد تعصف بالثوابت الفلسطينية ومستقبل القضية”.

إصرار فاضح!

توقيت ومكان الاجتماع والإصرار على عقده بعد غياب 22 عامًا، رغم غياب الكبار، كشف أوراق “أبو مازن ” مبكرًا في ظل صراعه المستمر مع “حماس”، حيث من المتوقع – بحسب مراقبين– أن يستغل الرئيس محمود عباس اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني، التي تستمر أربعة أيام، لتجديد شرعيته، ولتعيين شخصيات موالية له في مناصب كبيرة، ليبدأ في تشكيل إرثه السياسي، فضلًا عن تفعيل أجندته الخاصة، واستبدال الخصوم بموالين له في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، والتي يختار المجلس الوطني أعضاءها، بغرض إعادة بث الشرعية والاعتراف بسلطته، ولكن يتساءل كثيرون عمن الذي يمنح الشرعية، فقد يكون المؤتمر مانحًا للشرعية، ولكن من الذي يمنح الشرعية وكيف؟!، خاصة أنه على الرغم من أن النصاب العددي متوفر، إلا أن النصاب السياسي ناقص، في ظل أجواء من التراشق الإعلامي والاتهامات ومقاطعة عشرات الأعضاء الاجتماع، ومقاطعة “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وطلائع حزب التحرير “الصاعقة”، و”الجبهة الشعبية القيادة العامة”، ونحو 114 من نواب المجلس التشريعي وأعضاء كثر من المجلس الوطني، بحجة أنه “غير توحيدي، ويعمّق الانقسام الفلسطيني”، لاسيما بعد عدم تنفيذ الاتفاقيات لإنهاء الانقسام، ورفض حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” المشاركة فيه.

طرف خيط الشكوك من غرض المؤتمر، يمكن إمساكه من القاهرة، حيث تصريح لاذع من عضو اللجنة المركزية لـ”فتح” ومرشحها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عزام الأحمد، الذي أفاد من القاهرة قبيل اجتماع وفدي “فتح” و”الجبهة الشعبية” قبل أيام، بأن “المجلس الوطني سيعقد في موعده، شاء من شاء وأبى من أبى”، مضيفًا أن “اللي مش عاجبه يشرب من بحر غزة، الجزء الملوث من البحر”، كلام خلّف عاصفة من الانتقادات ضده، سواء من الفصائل أو الشخصيات الوطنية التي قررت مقاطعة المجلس الوطني، إذ إن “الأحمد” استخدم عبارة ياسر عرفات التي قالها يومًا ضد الاحتلال الإسرائيلي، ليوجهها “الأحمد” اليوم لخصوم “فتح” من الفلسطينيين.

ورغم الأنباء التي تتحدث عن تقليص عدد أعضاء اللجنة التنفيذية لـ”منظمة التحرير” من 18 إلى 15 عضوًا فقط، ووصول 10 أسماء جديدة إلى اللجنة التنفيذية، في مقابل بقاء خمسة أعضاء من القديمة، ووصول التغيير إلى ثلثي اللجنة التنفيذية، لكن مراقبين يجمعون على أن تغيير الوجوه والأسماء لا يعني تغيير الجوهر؛ فاليوم التالي لانعقاد “المجلس الوطني” لن يختلف كثيرًا عن سابقه، سوى تجديد الشرعية لـ”منظمة التحرير” وقياداتها أمام الداخل والخارج، وإن كانت شرعية مقوضة برفض كبار المشهد الفلسطيني.

“صفقة القرن”

في ظل هذا الإصرار من معسكر “أبو مازن” والاتهامات الصريحة أو التلميحات اللاذعة من معسكر “حماس”، تقف ما يسمى إعلاميًّا بـ”صفقة القرن” في صدارة المشهد، إذ كان الغرض منها – في ظل زيارة وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو للسعودية والكيان الصهيوني والأردن- ترتيب “عراب” جديد للصفقة من قلب الأراضي الفلسطينية لديه شرعية ما، وهو ما يمكن فهمه في سياق خطاب السيد “هنية” وقيادات المعسكر المقاوم وإصرار “أبو مازن” ورجاله على ترتيب أوراقهم جيدًا، وتجديد شرعيتهم بعد طول انفصال، بحسب مراقبين.

التوقيت متوازٍ مع ما أعلنته القناة الثانية الإسرائيلية، حيث أكدت أن واشنطن ستعلن عن “صفقة القرن” بعد نقل سفارة بلادها للقدس المحتلة، فيما اختارت تل أبيب التزام الصمت حيال ما نشرته القناة الثانية الإسرائيلية حول إمكانية إطلاق الإدارة الأمريكية “صفقة القرن” بعد نقل سفارة واشنطن للقدس المحتلة بينما رجّح محللون وباحثون إسرائيليون أن تزامن نشر تفاصيل حول تحريك خطة السلام الجديدة -والتي تتضمن تعويضات مالية للفلسطينيين- مع جولة وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو للشرق الأوسط، يندرج ضمن الضغوط التي تمارس على السلطة الفلسطينية لإعادتها إلى طاولة المفاوضات، وربطت المحللة السياسية بالقناة الثانية، دانا فايس، -التي أوردت خبر تحريك “صفقة القرن” بعد مراسيم نقل سفارة واشنطن للقدس- بين زيارة وزير الخارجية الأمريكي الجديد إلى تل أبيب، واجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبين التجهيز لإعلان خطة السلام الأمريكية المحتملة؛ لافتة إلى أن الخطة التي تم إعدادها تشمل دول الإقليم، وأن الجانب الفلسطيني أحد أطرافها، لكنه ليس صاحب “القول الفصل” فيها، وهو السياق الذي يبدو أنه يسيطر على معسكر “أبو مازن”.