في مقالة له لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، حذر الكاتب والباحث المصري عز الدين شكري فشير من الطريقة التي يتعامل بها الحُكام في منطقة الشرق الأوسط مع جائحة كورونا، حيث لا زال القمع هو سيد الموقف، مع الإهمال المتزايد لكافة الخدمات والقطاعات باستثناء القطاعات الأمنية التي تخدم ترسيخ قواعد تلك الأنظمة وحسب، مؤكداً أنه مع استمرار الحكام في هذه الطريقة فإنهم يسعون بسرعة البرق نحو التدمير الذاتي لأنفسهم قبل دولهم.

وقال فشير أنه على الرغم من الانتشار الواسع لفيروس كورونا الذي ضرب العالم بأسره، إلا أن الجائحة لم تطلق العنان لقوتها الكاملة بعد، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً أنه إذا حدث هذا، فهذا يعني أن المنطقة بالكامل معرضة للدمار بالكامل بسبب الأنظمة الصحية المتهالكة والخدمات الطبية الهشة.

ورأى فشير في مقاله أن “الفطرة السليمة” والمنطق كانا يحتمان في مثل هذه الأزمة أن يُعاد ترتيب الأولويات في الشرق الأوسط، من كافة الأطراف، الحكام وجماعات المعارضة، للوصول إلى الحكم الرشيد، مع تعليق النزاعات حالياً، والعمال على تحسين الخدمات الصحية وتوسيع نطاق الحصول على المياه النظيفة وتوفير المساكن الآمنة للمواطنين.

وأشار إلى أن دول الشرق الأوسط كان يجب أن تتعظ من أزمة فيروس COVID-19، والتي جاءت لتؤكد أن حماية الأمن القومي تتطلب التكامل الإقليمي وليس التنافس مع الجيران، ما يعني أن هذه فرصة لدول المنطقة للتغلب على صراعاتها التاريخية وتصبح جزءًا لا يتجزأ من النظام العالمي.

كما يجب أن تُذكر الأزمة قادة الشرق الأوسط بالحاجة الملحة لإعادة هيكلة المؤسسات التنظيمية القديمة في دولهم وإعداد اقتصاداتهم لما بعد انتهاء الأزمة، إلا أنه يبدو أن القطاع الاقتصادي سينهار أكثر بعد ما حدث في أسواق النفط التي على وشك التدمير نهائياً.

“يبدو أن الأزمة تمنح حكام الشرق الأوسط المزيد من الأسباب للقمع”- هكذا رأى فشير الوضع الحالي، حيث قال أنه في مصر على سبيل المثال تم التوسع في استخدام قانون الطوارئ مع توسيع استخدام السلطات التنفيذية كذلك، مع زيادة تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير في دول الخليج العربي والمغرب الجزائر، من خلال اتهام أي صوت ينشر إحصاءات مخالفة لتصريحات النظام أو يشكك في تصريحات الأنظمة وينتقد طريقة تعامله مع الأزمة بأنها شائعات، يجب القضاء على مروجيها.

وذكر فشير أنه بدلاً من بناء تحالف لإصلاح قطاعاتهم الصحية المتدهورة، يستخدم حكام الشرق الأوسط سيطرتهم على وسائل الإعلام لإقناع المواطنين بأن كل شيء على ما يرام. تُعد مصر مثالاً جيداً على هذا: فهي مليئة بالادعاءات بأن وزارة الصحة لديها قبضة شديدة على الوباء، ووجدت علاجاً للفيروس قامت بمشاركته مع الصين ثم إيطاليا، مما مكن البلدين من كبح انتشار المرض.

من ناحية أخرى، تحدث فشير عن دور الجماعات المعارضة في هذه الأزمة، حيث قال لم تُظهر مجموعات المعارضة حتى الآن أي علامة على الاستعداد لمواجهة التحدي الحقيقي الذي يواجه بلدانهم.

وأضاف أنه حتى الآن، لا تزال استراتيجياتهم تركز على التنافس على السلطة، وإظهار فشل النظام، وضرب مثالاً بما يحدث في لبنان، حيث قال أنه في خضم الأزمة، بدأ المتظاهرون اللبنانيون المحبطون بإشعال النيران في البنوك التي اتهموها بالفشل، بينما خرج المصريون في الإسكندرية في مظاهرات ضد فيروس كورونا، في تصرف غير واضح.

في سياق متصل، قال فشير أن الأزمة لم تؤثر على نظرة دول الشرق الأوسط لبعضها البعض، بل لا زالت الصراعات والنزاعات مستمرة، التحالف الإماراتي السعودي لا زال في صراعه ضد قطر وإيران وتركيا، والصراعات العسكرية في ليبيا واليمن وسوريا بدعم من التحالفات السابقة لم تتوقف بعد، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية المتدهورة في العراق ولبنان، والمتأثرة بالتحالفات السابقة، والتي مما لا شك لن تحمل إلا عواقب مدمرة للسكان المواطنين.

على صعيد آخر، يرى فشير، أنه بدلاً من تسود فكرة أن جائحة كورونا يمكن اعتبارها سبب لعولمة متجددة وأفضل كما رأي العاهل الأردني، سيطرت نظرية المؤامرة على معظم تحليلات الشرق الأوسط، والتي اعتبر الكثير منها الوباء أنه مؤامرة أمريكية، كما ردد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، ، رافضًا عرضًا أمريكيًا لمساعدة إيران على محاربة الفيروس، حيث قال أن الطب الأمريكي ربما يكون وسيلة لنشر الفيروس بصورة أكبر.

لم يتغافل فشير عن ذكر إسرائيل ووضعها في هذه الأزمة أيضاً، حيث قال أنها، كالمعتاد، تبرز كفئة في حد ذاتها، حيث استخدم نظامها السياسي “المختل” -كما وصفه فشير- أزمة كورونا لإطالة عمره في حين أعطى الأولوية لقمع الفلسطينيين بحجة مكافحة الفيروس، كما وسعت السلطات الإسرائيلية شبكتها “الضخمة بالفعل” من المراقبة والتجسس، وأعلنت عن خططها لضم أجزاء من الضفة الغربية، وهي خطوة عواقبها وخيمة داخلياً وخارجياً.

وأكد أنه في الشرق الأوسط، كما هو الحال في بقية العالم، تكون أن تكون التصورات أقوى من الواقع، حتى الوباء العالمي لا يمكنه تحطيم المباني الراسخة التي بنت عليها النخب الشرق أوسطية رؤيتها للعالم، لذلك سيخيب أمل أولئك الذين يعلقون آمالهم في شرق أوسط أفضل على الصدمات التي تجبر قادتها على إعادة النظر في استراتيجياتهم.

واختتم فشير مقاله قائلاً أن التاريخ “يبين أن الإخفاقات السابقة – سواء كانت هزائم عسكرية أو انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا – قد تم استيعابها وإعادة تفسيرها لتعزيز وجهات النظر العالمية هذه”، مضيفاً أن النخب الحاكمة في الشرق الأوسط تتمتع بقدرة استثنائية على الوقوف فوق الأنقاض وإعادة تعريف الفشل كنجاح، مثل النخب السابقة التي حكمت الشرق الأوسط حتى الخمسينيات من القرن الماضي، ما يؤكد أنها مصممة على مواصلة مسيرتها نحو التدمير الذاتي دون الالتفات لأي نصائح أو تحذيرات.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضاً: فاينانشال تايمز: جائحة كورونا 19 تضاعف إحباطات الشباب في الشرق الأوسط