جلال إدريس
خطة في منتهى الخبث والدهاء، بدأها النظام العسكري في مصر منذ عدة أعوام، تتلخص في مزاحمة جنرالات وعسكريين للحياة السياسية المدنية في مصر، عن طريق تشكيل أحزاب سياسية تنافس الأحزاب المدنية في مصر.
لكن على ما يبدو، فإن تلك الخطة وحدها لم تكف غرور الجنرال “عبدالفتاح السيسي”، الذي يسعى وبقوة للسيطرة على كل مقاليد الحياة في مصر، سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية، وعليه فقد قرر اللجوء للخطة (ب) المتمثلة في الدفع بعسكريين ليتسربوا داخل الأحزاب المدنية، وشيئا فشيئًا يصبحون قادتها، فيضمن ولاءهم وعدم خروجهم عن طوعه، وفي نفس الوقت يظهر الرجل في مظهر الداعم للحركات والتيارات والأحزاب السياسية.
محمد سمير – المتحدث العسكري السابق، هو أحدث الشخصيات العسكرية التي قرر السيسي استغلالها في هذا الإطار، حيث أعلن “سمير” منذ يومين انضمامه لحزب الوفد – أحد أقدم الأحزاب الليبرالية في مصر- وذلك في خطوة وصفها مراقبون بأنها تحقيق لأهداف السيسي الرامية لعسكرة “الأحزاب السياسية في مصر”.
وداعا حزب الوفد
وبرغم أن “حزب الوفد” لم يعد كما كان في الماضي، حزبًا قويًّا ينافس وبقوة في الاستحقاقات السياسية المختلفة، إلا أن مراقبين أكدوا أن انضمام “المتحدث العسكري السابق” إليه، يعني موتًا تامًّا للحزب.
ويوم الأحد الماضي، أعلن رئيس “حزب الوفد” بهاء الدين أبو شقة، انضمام المتحدث السابق باسم الجيش، العميد محمد سمير، إلى عضوية الحزب، وسريعًا أعلن تعيينه في منصب مساعد رئيس “الوفد” لشؤون الشباب.
ويشغل “سمير” منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة “شيري ميديا” التابعة للاستخبارات، والتي تسلمت إدارة شبكة قنوات “العاصمة” مطلع 2017، عقب شرائها من مالكها، عضو مجلس النواب، سعيد حساسين، في حين تمتلك الاستخبارات أيضًا شبكة راديو (9090)، وموقع “مبتدا” الإخباري، وشركة “دي ميديا” المالكة لموقع “دوت مصر”.
وفي مايو 2017، عمّت حالة من الغضب والاستياء الأوساط المصرية إثر إساءة “سمير” لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، في مقال نشرته صحيفة “اليوم السابع” اليومية، الموالية للاستخبارات، حمل عنوان “الرعاع”، ردًّا على حالة السخرية التي صاحبت نشر صور زواجه من المذيعة إيمان أبو طالب.
لكن المثير للجدل، أن انضمام “المتحدث العسكري” لحزب الوفد، تزامن معه تقدم المهندس حسام الخولي – نائب رئيس حزب الوفد، والمرشح السابق لرئاسة الوفد- باستقالته من الحزب، وكذلك استقالة “السيد البدوي، الرئيس السابق للوفد من
المجلس الاستشاري للحزب”.
مراقبون أكدو أن تلك الاستقالات ربما تعني أن هناك صراعًا حقيقيًّا داخل الوفد، لسحبه في اتجاه العسكرة، خصوصًا وأن رئيس الحزب الحالي “بهاء أبو شقة”، هو برلماني مُعين من قبل السيسي، ولعب دورًا فاعلًا في تمرير حزمة من التشريعات “سيئة السمعة”، على غرار تعديلات قوانين السلطة القضائية، وتنظيم التظاهر، والكيانات الإرهابية، والطوارئ، وعزل رؤساء الهيئات الرقابية، وإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات.
دمج الأحزاب لصالح النظام
وبالتزامن مع بدء مخطط “عسكرة الأحزاب السياسية”، بدأت دعوات بشأن اندماج الأحزاب السياسية تتصاعد في مصر، بدعوى “تعزيز التعددية والممارسات الحزبية”، وهو ما أكد مساعي السيسي لإحياء تجربة “الحزب الحاكم”، التي عانت منها البلاد لعشرات السنوات.
وفي أكثر من مناسبة دعا السيسي إلى اندماج حزبي لـ”تأسيس كيانات قوية”، كان آخرها خلال مشاركته في منتدى شبابي بمدينة شرم الشيخ، نهاية العام الماضي.
آنذاك، دعا السيسي الإعلام إلى تبني حملة لدعوة الأحزاب للاندماج في عشرة أحزاب، بدلًا من عددها الحالي.
وعلى مدار الأشهر الماضية، تواترت مبادرات لدعم طرح الرئيس، أحدثها قبل أيام، في حديث بهاء أبو شقة، رئيس حزب الوفد (ليبرالي)، رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب، لوسائل إعلام محلية، عن ضرورة تنافس حزبين إلى أربعة في حياة حزبية قوية.
وبالتوازي مع ذلك، تناولت تقارير صحفية محلية وجود مقابلات ومشاورات لتبادل وجهات النظر في أمر اندماج الأحزاب.
ومطلع الشهر الجاري، دعا أيضًا صلاح حسب الله، المتحدث باسم مجلس النواب، في تصريحات متلفزة، الأحزاب إلى “التفكير بشكل جاد في الاندماج والعمل سويًّا”.
تشكيل حزب للسيسي
اندماج الأحزاب، ليس وحده هدف السيسي، لكن الرجل يسعى أيضًا لأن يكون له ظهير “سياسي حزبي”، خصوصًا بعدما أظهر الإقبال الضعيف على التصويت في اليومين الأولين للانتخابات الرئاسية، حالة “الفراغ السياسي” التي يعاني منها النظام المصري منذ 30 يونيو 2013، في ظل غياب ظهير سياسي شعبي يتولى الحشد له في الانتخابات، وبناء شبكة شعبية تكون مصالحها مرتبطة بالنظام، للتبشير بأفكاره وترويجها، بعيداً عن الاعتماد على الصورة الذهنية المرسومة بعناية للسيسي كبطل مخلص، خصوصًا مع تراجع شعبيته على وقع القرارات الاقتصادية التي يعاني منها المصريون وزادت وتيرتها مؤخرًا.
وعلى هذا الأساس خرجت دعوات لتشكيل ما يعرف بـ”حزب الرئيس”، ليكون ظهيرًا لعبدالفتاح السيسي بعد فوزه بفترة رئاسية ثانية (وأخيرة وفق الدستور) مدتها أربع سنوات، تبدأ في يونيو المقبل.
ويعد “ائتلاف دعم مصر”، وهو ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب (البرلمان)، الأنسب لتطبيق تلك التجربة، حيث بدأ الحزب في إجراء اتصالات لتشكيل حزب سياسي جديد يضم مؤيدي السيسي، بعد تراجع فكرة تحول الائتلاف النيابي إلى حزب.
ويضمن ائتلاف “دعم مصر” الغالبية النيابية في مجلس النواب، بالنظر إلى عدد أعضائه الـ370 من جملة أعضاء المجلس البالغ عددهم 596 عضوًا، ممثلين لستة أحزاب: “مستقبل وطن، والمؤتمر، والشعب الجمهوري، ومصر الحديثة، وحماة الوطن، ومصر بلدي”، بينهم 216 نائبًا غير حزبي، وعدد من النواب المعينين، ويبلغ عددهم 7 نواب.
ومن أهداف تشكيل الحزب السياسي الجديد، ضبط عملية التصويت داخل البرلمان، وفرض السيطرة على النواب بشكل أكبر، والعمل في الشارع كرافعة سياسية للرئيس، لتلافي الخلل المفاجىء أثناء مناقشة بعض التشريعات المهمة داخل البرلمان، كما جرى في قانون الخدمة المدنية، ولفرض التزام حزبي أكبر على النواب، ما يضمن ويعطي سلاسة أكبر في إدارة البرلمان.
غير أن مراقبين أكدوا أن محاولات الحكومة المصرية لإنشاء حزب جديد تصطدم بحالة الفراغ والانسحاب السياسي التي فرضتها السلطة في مصر، حيث لا وجود للحياة السياسية بمفهومها البسيط، بغياب الأحزاب والحركات السياسية المؤيدة والمعارضة معًا، فالمعارضة مطاردة ومهددة بإجراءات أمنية عنيفة، وأركان الموالاة ليس لديهم القدرة على الحركة وإدارة المشهد السياسي، الذي تهيمن عليه الأجهزة والمؤسسات الأمنية، وهو ما قد يمهد لفشل محاولة النظام لاستنساخ “الحزب الوطني” مرة أخرى.
استعداد للمحليات
ويرى مراقبون أن عملية إعادة هيكلة الأحزاب السياسية في مصر، تستهدف السيطرة عليها قبل إجراء انتخابات المحليات المرتقبة في مصر، والتي قد أعلن عنها علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، أنها ستجرى قبل نهاية العام الجاري.
وكشف “عبدالعال” عن أنه “تم إعداد قانون جديد للإدارة المحلية، وانتهت لجنة الإدارة المحلية بالمجلس من مناقشته.. وهذا القانون سيرى النور قريبًا، وسيناقش وتجرى الانتخابات المحلية قبل أن ينتهي هذا العام”.
وكانت آخر انتخابات محلية شهدتها البلاد عام 2008، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وعقب ثورة يناير 2011، حلت مصر المجالس المحلية في يونيو من العام نفسه، ومنذ ذلك لم تجر انتخابات محلية في البلاد، لأسباب بينها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وانتظار إقرار قانون للانتخابات المحلية لم يصدر بعد.
وكان المسؤولون الحكوميون المحليون يعملون وحدهم على إدارة شؤون المحليات دون أية رقابة من مجالس محلية منتخبة.
وسبق أن حدد نظام السيسي موعدًا لانتخابات المحليات في عام 2017، غير أن القانون لم يصدر لأسباب عديدة متعلقة بكثرة إصدار تشريعات أخرى.
اضف تعليقا