لم يترك عسكر السودان فرصة للمضي قدما في ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني إلا وطرقوه، لكن لطالما كان الرفض الشعبي السوداني عائقا أمام تمرير تلك الملفات الخبيثة، وهو ما حدا بعسكر السودان، ومن خلفهم الإمارات راعية التطبيع مع الاحتلال في الوطن العربي، في التفكير بطريقة أخرى أكثر اقترابا من الشعوب لمحو هويتها وتغيير مواقفها.
ومنذ الإعلان عن التطبيع بين السودان والاحتلال الإسرائيلي، وبعض كيانات المجتمع المدني السوداني ترقب فرصتها لإكمال ما بدأه عسكر السودان، فبعد يومين من رابع زيارة وفود الاحتلال للسودان، أعلن الناشط السوداني عبد القادر العشاري عن تأسيس منظمة أطلق عليها إسرودان بهدف تطبيع العلاقات الشعبية بين السودان ودولة الاحتلال.
وفتح الإعلان عن تسجيل منظمة جديدة في السودان لتشجيع التطبيع مع إسرائيل جدلا جديدا في هذا البلد الذي تتسابق فيه كيانات للفوز بقصب السبق لحصد التقارب مع تل أبيب، بينما تظل الخطوات الرسمية في هذا السياق مكسوة بالغموض تارة والتردد تارة أخرى رغم ارتفاع مؤشرات إكمال سائر خطوات التقارب الكلي قريبا.
فبعد أيام من إنهاء وفد دبلوماسي إسرائيلي زيارة للخرطوم -لم يعلن عنها رسميا ولا تعرف عنها أي تفاصيل- بادر ناشط سوداني لإعلان تَمكُّنه من تسجيل أول منظمة للتعاون مع إسرائيل بالشرق الأوسط، هدفها “التطبيع لنشر السلام والمحبة بين الجميع”.
التطبيع مع إسرائيل
ومنذ الإعلان عن التقارب مع إسرائيل مطلع فبراير من العام الماضي بلقاء رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في عنتيبي الأوغندية، وما تلا الخطوة من لقاءات وتحركات في الخرطوم ودول أخرى، سارعت كيانات مدنية للإفصاح عن تحركها باتجاه دعم التوجه الحكومي، بينها جمعية الصداقة الشعبية السودانية الإسرائيلية، والهيئة الشعبية للسلام والتطبيع، تعمل جميعها على دعم التواصل الشعبي والمجتمعي بين البلدين.
ويقول رئيس المنظمة التي أطلق عليها “إسرودان” عبدالقادر العشاري إن أهم الأسباب التي شجعته على إنشاء المنظمة هو التوجُّه العام، بعد أن أصبح التطبيع مع إسرائيل على المستويين الرسمي والشعبي واقعا، ولم يتبقَّ إلا التشريع.
ووقّعت الحكومة السودانية في 6 يناير/كانون الثاني الماضي رسميا على إعلان اتفاقات أبراهام المفضي للتقارب مع إسرائيل، وذلك خلال زيارة وزير الخزانة الأميركي السابق ستيفن منوتشين للخرطوم.
وتقول حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إن اتفاق التطبيع الرسمي بين الخرطوم وتل أبيب لن يكون نافذا قبل عرضه على المجلس التشريعي -الذي لم يكتمل تكوينه بعد- ومع ذلك تتسارع خطوات التقارب بين البلدين، حيث تزور وفود إسرائيلية الخرطوم بين الفينة والأخرى وسط ترحيب وتنسيق مع المكون العسكري الشريك في الحكومة الانتقالية، في تجاوز واضح لقانون مقاطعة إسرائيل الذي ما زال ساريا.
وبحسب العشاري فإن تسجيل منظمة “إسرودان” اكتمل في 14 فبراير الجاري، بتأييد كبير من سودانيين في كل أنحاء البلاد، ودون أن تواجههم أي صعوبات من وزارة العمل ومفوضية العون الإنساني المعنيتين بمنح شهادة التسجيل، حيث يقول إن المسؤولين بالوزارة تعاونوا للغاية، وتمت كافة الإجراءات بسلاسة وصولا إلى تسليم شهادة التسجيل الرسمية.
جدل التسجيل
لكن خبراء في الشأن الطوعي أكدوا أن قانون العمل الطوعي والإنساني في السودان لعام 2006 يحظر تسجيل أي واجهة أو منظمة تروج لنشاط سياسي، وهو ما يجعل حصول “إسرودان” على شهادة تسجيل كمنظمة طوعية “أمرا غريبا” ولا سيما مع وضوح رؤاها وأهدافها.
وفي المقابل، يؤكد مصدر في وزارة الشؤون الإنسانية أن المنظمة سجلت وفق الضوابط المتعارف عليها بإبراز المبادئ التي تحكم العمل الطوعي والإنساني، كما أن النظام الأساسي المقدم من المنظمة تحدث عن أنها تعمل في مجال التنمية والإعمار دون أي إشارة لإسرائيل أو التطبيع.
ويوضح أن تصريحات رئيس المنظمة اللاحقة بأن “إسرودان” تعمل على دعم العلاقات الشعبية بين السودان وإسرائيل تنافي المبادئ التي تحكم العمل الطوعي والإنساني المنصوص عليها في قانون تنظيم العمل الطوعي لعام 2006، ووفقا لذلك فإن المنظمات والكيانات التي تعمل في تعزيز العلاقات بين الشعوب فإن مكان تسجيلها ليس مفوضية العون الإنساني وإنما مجلس الصداقة الشعبية العالمية.
غير أن عبدالقادر العشاري يوضح أن كل إجراءات تسجيل المنظمة كانت صحيحة دون أن يحدث أي خرق، ويشدد على أن منظمته معنية بالتنمية وإعادة الإعمار، وتعمل على التواصل مع كل الدول بافتتاح مكاتب في عديد من العواصم باسم المنظمة ذاته ولا تستثني إسرائيل بطبيعة الحال.
كما يوضح أن المنظمة مستقلة ولا تقف وراءها أي جهة، وأن الغرض من إنشائها ليس سياسيا، بل هي بعيدة كليا عن أي نشاط سياسي وتركز فقط على مجالات التنمية والإعمار ونبذ الكراهية ومحاربة الإرهاب والتعايش بين الشعوب.
ويتابع “لدينا أعضاء في المغرب ونعمل على فتح مكاتب في البحرين والسعودية والإمارات واليمن، ولن نغفل حتى الدول غير المطبعة مع إسرائيل”.
تكالب مضر
ويرى الصحفي والمحلل السياسي شوقي عبدالعظيم أن حالة التكالب التي تبديها منظمات المجتمع المدني السوداني تجاه التطبيع مع إسرائيل من شأنها التسبب في ضرر بالغ لموقف السودان، وتفقده الموقف القوي وفرض الشروط الأساسية للمضي في عملية التقارب الرسمي.
ويشير عبدالعظيم إلى أن منظمات المجتمع المدني ينبغي عليها ممارسة ضغوط على الحكومة لمعرفة الثمار التي يجنيها السودان من هذا التطبيع، خاصة أن مسؤوليها إلى الآن لم يطرحوا الأمر للنقاش على أي من مستويات المجتمع.
ويعقد المحلل السياسي مقارنة بين المجتمع المدني المصري ونظيره السوداني الذي يصفه بالهش، حيث نجح الأول في صد التطبيع الحكومي الرسمي مع إسرائيل وتمكن من المحافظة على تماسك الشارع تجاه العلاقة مع إسرائيل، حيث لا يزال غالب المصريين يرون في أنفسهم مقاومين ضد الاحتلال، على نحو صعّب مهمة الحكومة لإحداث اختراق في المجتمع ليغيب عنه معنى التطبيع الحقيقي.
ويتابع شوقي بالقول “هنا ربما لا يمكن أن نفعل الشيء ذاته إذا كان السياسيون ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني يتسابقون ويتكالبون على التطبيع بهذه الطريقة، فإن المردود سيكون عكسيا بل خطيرا للغاية”.
اللعبة الاقتصادية
في السياق ذاته، أعلن وزير المالية السوداني، “جبريل إبراهيم“، تلقي بلاده مبالغ مالية بالنقد الأجنبي حولت إلى خزينة البنك المركزي، بعد ساعات من تعويم جزئي للعملة المحلية (الجنيه)، ولم يذكر الوزير، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي، عن قيمة المبالغ المحولة أو مصدرها ودون الإشارة لكونها منحا مالية أو قروضا أو ودائع دولية.
لكن الوزير “إبراهيم” ذكر أن المبالغ المستلمة، من شأنها توفير موارد لتغطية الطلب على النقد الأجنبي بواسطة السوق الرسمي، بعد قرار تحريك سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار. وأعلن البنك المركزي السوداني، توحيد سعر صرف عملته المحلية الجنيه (تعويم جزئي) أمام الدولار والنقد الأجنبي، اعتبارا من الأحد، في محاولة للقضاء على الاختلالات الاقتصادية والنقدية.
ويقصد بالقرار، أن البنك المركزي سيكون له كامل الصلاحيات في التدخل بأسعار الصرف في حال تجاوزها سقفا محددا من قبله. وكشف الوزير عن وجود تدابير مصاحبة لقرار تحريك سعر الصرف، للحد من آثارها، من بينها التوسع في مشروع دعم الأسر الفقيرة وبرامج أخرى، لم يذكرها. وزاد: “سنعمل على تخفيف الطلب على العملات الأجنبية، بواسطة سياسة ترشيد الاستيراد للسلع غير الضرورية.. قرار التعويم الجزئي لا يشمل الدولار الجمركي.. إنه قيد الدراسة حتى الآن”.
وتحدد الحكومة السودانية الدولار الجمركي بقيمة 15 جنيها، وهو خاص بالرسوم الجمركية على السلع الواردة من الخارج. وأعلن عدد من المصارف التجارية، الأحد، السعر التأشيري للدولار بـ 375 جنيها للبيع، فيما حددت أسعار الشراء بـ 376 جنيها، مقارنة مع 55 جنيها، السعر التأشيري السابق. وعلى إثر التدهور المستمر للاقتصاد، وعدم مقدرة الحكومة على السيطرة على الوضع المعيشي المتأزم، يعيش المواطن السوداني أوضاعا اقتصادية صعبة.
اقرأ المزيد: بن سلمان في مصيدة التسلل.. خدعة سعودية مفضوحة لغسيل السمعة عبر “الاستثمار الرياضي”
اضف تعليقا