جلال إدريس 

يقولون إنَّ لكل إنسان نصيبًا من اسمه، وعلى هذا فإنَّ لـ”اللواء أنور عشقي” ضابط المخابرات السعودية السابق نصيبًا من اسمه؛ وهو “العشق”.

لكن “الرجل” وعلى ما يبدو لا يعشق بلاده، ولا بلاد العرب والمسلمين مجتمعة، وإنما يعشق دولة الكيان الصهيوني “إسرائيل”، ويدافع عنه ليل نهار، ويسعى للتطبيع والتصالح  أكثر من أي شخص آخر.

وبرغم أنَّ السعودية لم تعلن حتى الآن عن سفير لها في إسرائيل، كما لم تفتح لإسرائيل سفارة في بلاد الحرمين، إلا أنَّ كل المؤشرات تؤكد أنَّ تلك اللحظة قد اقتربت، وأنَّ الرجل الذي سيكون مناسبًا لتلك المهمة هو “السعودي أنور عشقي”، والذي تصفه دوائر رسمية وغير رسمية بالسعودية، بأنه منسِّق العلاقات السعودية الإسرائيلية.

وإلى جانب هذا العشق الحميم مع إسرائيل، فإنَّ الرجل يقوم بدور مشبُوهٍ في حصار قطر، كما يروِّج الرجل وبقوة لسيناريو “تقسيم اليمن”، غرارًا على موقف أسياده السعوديين والإماراتيين.

فمن هو أنور عشقي؟ وما سِرّ حبِّه لإسرائيل والصهاينة بهذا الشكل؟ وما هي المواقف التي تدلِّل على عمالته للإسرائيليين، وخيانته للفلسطينيين؟

 من هو أنور عشقي؟

أنور ماجد عشقي، هو ضابط استخبارات وجنرال متقاعد من القوات المسلحة السعودية، ولد عام (1943)، والتحق بالقوات المسلحة السعودية، وعمل بالمخابرات وترقّى في المناصب، حتى كان مستشارًا خاصًّا للأمين العام لمجلس الأمن الوطني آنذاك الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وقبلها مستشارًا بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي.

كان عشقي ضمن القوة السعودية المشاركة في الكويت ضمن ما يعرف بأزمة عبد الكريم قاسم عام 1961، وكان ضمن القوة السعودية في لبنان المشاركة في قوات الردع العربية أثناء الحرب الأهلية، تقاعد في عام 1988.

بعد تقاعد عشقي عن عمله العسكري، أسس ما يعرف بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالشرق الأوسط في مدينة جدة السعودية، حيث يعمل المركز على إصدار دراسات وتقارير تخدم في أغلبها النظام السعودي.

يعد عشقي واحدًا من أبرز الشخصيات المقرَّبة من دوائر الحكم في المملكة، على مختلف الأزمنة والعصور، ومؤخرًا أصبح واحدًا من المقربين من ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، ويطلق تصريحات غالبًا ما تستهدف جس النبض للرؤياء وأطروحات خاصة بـ “بن سلمان”.

زائر متكرر لإسرائيل

عرف عن أنور عشقي زياراته المتكررة لدولة الاحتلال الصهيوني إسرائيل؛ حيث في أغلب تلك الزيارات كان يمثل الجانب السعودي لكن بصفة غير رسمية، ويتلقى في تلك الزيارات بقيادات إسرائيلة، بهدف وضع قواعد وأسس التطبيع العلني المرتقب بين إسرائيل والسعودية.

لقاءات عشقي بمسؤولين إسرائيلين قديمة ومتنوعة، غير أنها خرجت للعلن، حين حضر أنور عشقي أكثر من 5 اجتماعات للتنسيق مع مسؤولين سابقين من إسرائيل بخصوص الموقف من إيران من يناير 2014 وحتى مايو 2015.

في هذه الأثناء كانت الاجتماعات تجري في مبنى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في العاصمة الأمريكية واشنطن، غير أنّها كانت تحظى بجانب اهتمام صحفي.

وفي يوليو 2016 فجر “عشقي” المفاجأة حين كان على رأس وفد سعودي غير رسمي يضمّ عددًا من رجال الأعمال والإعلاميين السعوديين، قاموا جميعًا بزيارة هي الأولى من نوعها إلى إسرائيل وألتقى أعضاء من الكنيست الإسرائيلي وجنرالًا إسرائيليًا سابقًا بالموساد الإسرائيلي.

الزيارة وقتها أحدثت جدلًا واسعًا واستنكرتها الفصائل الفلسطينية المختلفة، كما استنكرها أيضًا نشطاء ومغردون عرب وفلسطينيون، معتبرين أنَّ تصرفاته تؤكد عزم السعودية بيع القضية الفلسطينية، والارتماء في أحضان إسرائيل.

وأشار مراقبون إلى أنَّ “الخشية من زيارات عشقي المتزامنة مع مبادرات رحّب بها بنيامين نتيناهو، هي أنَّ الدول العربية قاطبة مقبلة على التطبيع وتوطيد العلاقات مع الكيان الصهيوني”.

عميل في نظر المثقفين

“عشق” أنور عشقي لإسرائيل، وتكراره زياراته لـ”تل أبيب” جعله محل انتقاد دائم من المثقفين العرب، ومعتبري إياه بوابة السعودية للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

وفي تغريدات سابقة له انتقد الكاتب  المصري وائل قنديل زيارات عشقي لإسرائيل قائلا: “رفضت السعودية، علنًا، ذهاب منتخب الكرة إلى رام الله بتأشيرات إسرائيلية، ثم أوفدت جنرالها المتقاعد، سرًا، إلى الكنيست”.

فيما غرَّد النائب الكويتي السابق وليد الطبطبائي، عبّر عن رفضه زيارة عشقي، قائلا: “كمواطن خليجي أرفض ما قام به أنور عشقي من زيارة خبيثة لفلسطين المحتلة والالتقاء بمسؤولين صهاينة هناك”.

أما الكاتب عبد الباري عطوان، فغرَّد قائلًا: “لا أفهم هذا العشق الحميم من الجنرال عشقي لإسرائيل، يزورها على رأس وفد يضمّ أكاديميين ورجال أعمال ويلتقي مسؤولين”، وتساءل: “إذا كان هذا ليس تطبيعًا فما هو؟”.

فيما غرَّد المفكر الموريتاني محمد المختار الشنقيطي، قائلًا: “كلما أذلونا تعلقنا بهم!! أنور عشقي مع مستشار شارون ونتنياهو (دور غولد)، مؤلف كتاب (مملكة الحقد) عن السعودية!!”.

أما الداعية السعودي محمد البراك، عضو رابطة علماء المسلمين، قال: “فلسطين يحكمها الصهاينة وواجب كل مسلم اعتقاد عدم شرعية حكمهم ولو لشبر منها، وعمل ما يستطيع لإنهاء الاحتلال، فيجب محاسبة عشقي”.

كما رفضت الكاتبة الأردنية إحسان الفقيه الزيارة قائلة في  تغريدة على “تويتر”: “السعودية ليست أنور عشقي ولا الليبراليين ممن لا علاقة لهم بمُسمّى الليبرالية، السعودية علماء وأوفياء يُشبهون كل شريف فيكم، وعار عليكم التعميم”.

فيم وصف الكاتب الفلسطيني إبراهيم حمامي زيارة عشقي لإسرائيل بـ”المخزية”، كما قال على تبريرات الجنرال السعودي إنّها “تكرار لكلام المطبعين”.

خائن للقضية الفلسطينية

وعلى نهج سيده “ولي العهد محمد بن سلمان” يواصل أنور عشقي خيانته للقضية الفلسطينية، عن طريق ضرب القضية في مقتل والتشكيك في أهميتها بالنسبة للعرب والمسلمين.

وبرغم أنَّ الموقف الرسمي السعودي يزعم أنه يرفض التطبيع مع إسرائيل فإنّ “عشقي” المقرب من السلطات لا يستحيي أن يشارك في حوار تلفزيوني مع قناة 24 الإخبارية الإسرائيلية، ويعلن عبرها أنّ بلاده تعتزم بناء سفارتها في إسرائيل قريبًا، وجاءت تصريحات عشقي في الوقت الذي أكدت فيه حكومة نتنياهو عدم موافقتها مستقبلًا على افتتاح سفارات جديدة في تل أبيب، وستشترط على الدول التي تقيم معها علاقات جديدة فتح سفارتها في القدس المحتلة وليس في تل أبيب.

ويرى الكثير من المراقبين أن تصريحات أنور عشقي تجاوزت تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض، إلى ضرب ثوابت القضية الفلسطينية بشأن إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس المحتلة، وهو ما يعني ليس قتل المبادرة العربية (طرحها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز) فقط، وإنما تصفية القضية الفلسطينية تمامًا.

وسبق لعشقي أن سُئل خلال مقابلة مع “الجزيرة” متى ستفتح السعودية سفارة لها في إسرائيل؟ فأجاب: “عليك أن تسأل نتنياهو”.

وقال في تصريحات أخرى، إن القضية الفلسطينية ليست شرطًا لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، الأمر الذي ينسف ادعاء السعودية باشتراط تنفيذ المبادرة العربية وتحقيق السلام في المنطقة، مما يجعل من المحتمل أن تشكل هذه الدول حلفًا لمحاربة إيران، وتناسى القضية الفلسطينية.

دور خبيث في حصار قطر

وعلى نهج أسياده في السعودية، اتخذ “عشقي” موقفًا عدائيًا من دولة “قطر”، ليُؤيد الحصار الخليجي المفروض على قطر وبقوة، إلا أنّه كان فجًّا في ربط الحصار المفروض على قطر بإسرائيل؛ حيث ربط عشقي، بلا أي خجل، انتهاء الأزمة الخليجية وفك الحصار عن قطر في مقابل طرد قطر لقيادات من حركة المقاومة الإسلامية حماس، في إشارة ربما لا تدع في نفس المشكك ذرة شكّ أن عشقي غير عابئ بكل ما يجري في الخليج من صراع، ربما يودي بهذه المنطقة إلى الانهيار، وإنما يسعى فقط لحماية إسرائيل من المقاومة الفلسطينية المشروعة…

عشقي أكد أن من أهم شروط دول الحصار لإنهاء الأزمة الخليجية هو إيقاف كامل لشبكة الجزيرة، وفي ذلك أيضًا تناغم مع تل أبيب التي قال وزير اتصالاتها أيوب قرّا: إن إسرائيل قررت إغلاق مكاتب قناة الجزيرة وسحب اعتماد صحفييها، أسوة بما فعلته “دول عربية سنية معتدلة”، في إشارة إلى الدول المحاصرة لقطر.

وصرّح الوزير الإسرائيلي  بأن إسرائيل ترغب بتحالفات مع تلك الدول والوصول إلى السلام والشراكة الاقتصادية معها، وبالتالي “لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي” بعدما حظرت تلك الدول قناة الجزيرة، مطالبًا شركات توزيع البثّ بإلغاء بثّ قناة الجزيرة، وقال إنّه طلب من وزارة الأمن الداخلي إغلاق مكتب الجزيرة في القدس.

وعلى هذا فإنَّ مراقبين أكدوا أن علاقة “عشقي” القوية بإسرائيل جعلته يقوم بدور مشبوه في هذا الحصار، عن طريق استخدام اللوبي الصهويني، في إقناع الأطراف الدولية المختلفة بضرورة فرض الحصار على قطر.

مساعٍ لتقسيم اليمن

موقف “أنور عشقي” من القضية اليمنية، هو واحد من أبرز المواقف المثيرة للجدل؛ حيث إنَّ الرجل دعا صراحة إلى تقسيم اليمن، وهو الموقف الذي تتبناه الإمارات، وتسعى إليه السعودية.

وكان “عشقي” قد أثار الجدل الواسع بتصريحات عن اليمن قال فيه: إنَّ “الحل في اليمن يكمن في أن تكون حكومة في الشمال برئاسة زعيم من الشمال وليكن أحمد علي صالح، وحكومة في الجنوب ولتكن بقيادة عيدروس الزبيدي، في ظلّ قيادة فيدرالية برئاسة عبد ربه منصور هادي، والله الموفق”.

تصريحات “عشقي” المشبوهة، دفعت خالد الرويشان، الأديب ووزير الثقافة اليمني في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح،  يشن هجومًا عنيفًا على المستشار في الديوان الملكي السعودي وعراب التطبيع مع إسرائيل أنور عشقي، وذلك على إثر اقتراحه تقسيم اليمن وإقامة نظام فيدرالي.

وقال “الرويشان” في تدوينات له عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر” تعليقًا على تغريدة “عشقي”: ”أنور عشقي! لوهلة ظننته اسمًا إيرانيًا طلع مستشارًا سعوديًا وبالعقال العربي الشهير! أنور عشقي ..تعشق كل شيء إلّا اليمن الكبير! تبدو عاشقًا لتقسيمه وتفتيته فحسب! ماذا تركت للإيرانيين وأذيالهم إذن!؟ لو أنك قرأت التاريخ لعرفتَ أنك بمقترحك تقسّم #السعودية قبل #اليمن!”.

وكان الحساب الشهير “مجتهد” تحدث عن موقف ابن سلمان من المواجهات المسلحة في مدينة عدن، بين قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وقوات جنوبية انفصالية مدعومة من الإمارات.

وقال مجتهد في تغريدات له على “تويتر”، إنَّ “ابن سلمان كان يريد إبقاء اليمن موحدًا في بداية الحرب حين كان يظن أن الحرب لن تستغرق سوى أسبوعين وينهار الحوثي، لكنّه حيث فشل فشلًا ذريعًا غير موقفه ولم يعد له تحفظ على فصل الجنوب، بل تمكن ابن زايد من إقناعه بالتفرغ للشمال وترك الجنوب له، لكنه اصطدم بعوائق وضعته في مأزق كبير”.

ورغم أنَّ عشقي أكد في التعليقات أن ذلك “رأيه الشخصي” إلا أنّ التغريدة اعتبرها “مجتهد” تأكيدًا لما نشره وعقب عليها قائلًا: “أنور عشقي الذي لا يتحدث إلا بتفويض من محمد بن سلمان يؤكّد ما قاله مجتهد أن لا تحفظ عند ابن سلمان على تقسيم اليمن”.

تغريدات عشقي أثارت جدلًا واسعًا بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رفض العديد منهم طرح تقسيم اليمن للنقاش واعتبر أنّ التحالف قد تمّت هزيمته، في حين تساءل البعض: طالما أن عشقي يقبل بدولة الحوثي وتواجد إيراني قرب الحدود السعودية إذن فلماذا هذا الدمار والخراب والقتل والجوع الذي يحدث في اليمن؟ طبقًا للنشطاء.