العدسة – معتز أشرف
بينما يبحث المجتمع الحقوقي الدولي عن وقف مسارات الإفلات من العقاب، والتصدي للتشريعات المشبوهة التي توفر حماية لمرتكبي الجرائم والمذابح، أطلق الكيان الصهيوني خطوات برلمانية لوضع قانون يوفر حماية لجنوده المتورطين في جرائم ضد الشعب الفلسطيني بالتزامن مع انسحاب أمريكا من مجلس حقوق الإنسان الدولي.
نرصد بعض النماذج التي وفرت غطاء مشبوهًا للإفلات من العقاب على خطى الكيان الصهيوني.
عصابة “تل أبيب”!
الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي في تحدًّ بالغ للقوانين الدولية، صوتت الأربعاء بالقراءة الأولى لصالح مشروع قانون يحظر توثيق ممارسات الجنود خلال أداء المهام العسكرية، في أخطر قوانين تقنن الإفلات من العقاب، وبحسب صحيفتي “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت” العبريتين، ينص مشروع القانون، وفق “هآرتس”، على “منع تصوير الجنود، ومعاقبة من يصورهم وينشر الصور بالسجن خمس سنوات، إذا أدى ذلك إلى المساس بروح الجنود القتالية، والسجن 10 سنوات إذا كان الهدف من التصوير ونشر الصور هو المساس بأمن الدولة”.
ويتم إقرار القوانين في إسرائيل بعد ثلاث قراءات في الكنيست، ويجرى خلالها إجراء تعديلات، بناء على النقاشات بين النواب، ويأتي مشروع القانون عقب ردود فعل غاضبة محليًّا ودوليًّا أثارها تسجيل مصور نشر في أبريل الماضي، يرصد جنودًا إسرائيليين على إحدى التلال المحيطة بقطاع غزة وهم يقنصون متظاهرين فلسطينيين، ويهللون فرحًا بعد إصابة أحدهم.
ولم يعرف الوقت الذي التقط فيه المقطع المصور، لكن الجيش الإسرائيلي يقمع، منذ 30 مارس الماضي، مسيرات سلمية تخرج قرب الحدود مع قطاع غزة، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء حصار القطاع، وأسفر القمع الإسرائيلي للمسيرات عن استشهاد 129 فلسطينيًّا وإصابة أكثر من 14 ألفًا آخرين، بحسب بيانات الصحة الفلسطينية.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وثق في العام 2015 في تقرير له أن النظام القانوني الإسرائيلي يستخدم لإعطاء غطاء قانوني لما يمارسه الاحتلال من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأكد المركز في تقرير حقوقي مفصل، أن التشريع الإسرائيلي لا يجرم ولا يعاقب مرتكبي الجرائم التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، ما يؤكد بشكل قاطع العيوب المتأصلة في نظام التحقيقات الإسرائيلي، والذي يشكل غطاء قانونيًّا لما يمارس من جرائم حرب.
وفي مارس 2016، وثقت كاميرا فيديو جنديًّا إسرائيليًّا وهو يعدم شابًّا فلسطينيًّا جريحًا يدعى عبدالفتاح الشريف، في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، وهو ما أثار غضبًا وجدلًا كبيرين بشأن سلوك جنود الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
“مليشيات” الهند
وفي أول تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان في الإقليم، كشف المفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، عن وجود تشريع هندي يقضي بحماية الجنود المشاركين في قمع الانتفاضة الكشميرية المسلمة، يقف وراء أزمة واسعة للإفلات المقنن من العقاب تحت إشراف النظام الهندي القمعي.
وسلط المفوض السامي، الضوء على ما أسماه “الإفلات المزمن من العقاب بشأن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن”، وأشار في التقرير إلى أن “القوة المفرطة” أدت إلى وفاة نحو 145 مدنيًّا في الفترة بين منتصف عام 2016 إلى أبريل من هذا العام، موضحًا أن عدم قدرة الضحايا على الوصول إلى العدالة لا يزال يشكل تحديًا رئيسيًّا في جامو وكشمير بسبب التشريع المشبوع الذي يقضي بحماية المتورطين في الجرائم.
ويشرح التقرير بالتفصيل كيف أن “التشريع المخصص” يمنح موظفي الأمن “مناعة افتراضية” ضد الإنصاف القانوني، ويقول إنه “لم تكن هناك ملاحقة واحدة” في الثلاثين سنة التي تولت فيها القوات المسلحة الخاصة في (جامو وكشمير) عملية تطبيق القانون.
وبحسب تقرير مفوض حقوق الإنسان، فقد أدى هذا “الإفلات التام تقريبًا من العقاب” إلى عرقلة التحقيقات في حالات الاختفاء القسري أو الطوعي، مشيرًا إلى مزاعم عن وجود مقابر جماعية في الولاية والاغتصاب الجماعي المزعوم لـ 23 امرأة من قبل الجنود في كونان- بوشبورا قبل نحو ثلاثة عقود.
خورام برويز، الناشط الكشميري المدافع عن حقوق الإنسان، رحب بالتقرير والتوصية ببدء تحقيق، وقال لرويترز ”تقرير الأمم المتحدة أثبت صحة ما نقوله من أن إفلات أفراد القوات المسلحة من العقاب أمر مزمن في جامو وكشمير“.
مجزرة رابعة
وفي مصر وفرت السلطات المصرية للمشاركين في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، غطاء قانونيًّا، وأكد الإعلامي والكاتب الصحفي المقرب من النظام المصري عماد الدين أديب في مقاله قبيل الفض في 2013 تحت عنوان «سيناريوهات فض الاعتصامات»، أن “قرار الفض هو قرار لا رجوع عنه أو أنه قد توافرت له كل وسائل الغطاء القانوني والشعبي والأمني”.
وفي العام 2014 أثبت منظمات حقوقية بارزة أن مذبحة رابعة وغيرها من وقائع القتل هي على الأرجح جرائم ضد الإنسانية، وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير يستند إلى تحقيق استمر عامًا كاملًا، إن وقائع القتل الممنهج وواسع النطاق لما لا يقل عن 1150 متظاهرًا بأيدي قوات الأمن المصرية في يوليو وأغسطس من عام 2013، ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، وفي فض اعتصام رابعة العدوية وحده في 14 أغسطس/آب، قامت قوات الأمن، باتباع خطة تتحسب لعدة آلاف من الوفيات، بقتل 817 شخصًا على الأقل، وأكثر من ألف على الأرجح.
وكشف التقرير المكون من 188 صفحة، والذي صدر تحت عنوان “حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر”، عن كيفية قيام الشرطة والجيش المصريين على نحو ممنهج ومشرعن بإطلاق الذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين المعارضين لخلع الجيش في 3 يوليو لمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، في ست مظاهرات بين 5 يوليو و17 أغسطس 2013.
لكن في سبتمبر 2016، صرح المستشار حسن فريد، رئيس المحكمة التي تنظر القضية المعروفة بـ”فض رابعة العدوية”، بأن النائب العام الراحل هشام بركات لم يصدر أمرًا بفض الاعتصام، وإنما قرارًا بضبط الجرائم التي ترتكب هناك؛ ليقلب موازين القضايا المنظورة ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي.
قمع الصحافيين
وبحسب تقرير دولي صادر عن منظمة اليونسكو في اليوم العالمي لحرية الصحافة، فإن الإحصاءات تفيد بأن مرتكبي الجرائم التي أودت بحياة صحفيين وإعلاميين ومنتجين تابعين لوسائل إعلام اجتماعية خلال السنوات العشر الماضية أدينوا في حالة واحدة من أصل كل عشر حالات في المتوسط، بسبب عدم جدية القوانين .
وأكد التقرير أن هذا الإفلات شبه التام من العقاب أمرًا بالغ الخطورة لأنه يمثل انتهاكًا لسيادة القانون بالنظر إلى واجب الدول المتمثل في حماية مواطنيها، ويزداد الوضع خطورة في ظل الانتشار الواسع للأخبار المتعلقة بحالات الإفلات من العقاب في الاعتداءات التي تستهدف الصحفيين.
وبحسب المنظمة، فإنه على مدى العقد الماضي شهد العالم مقتل أكثر من 800 صحفي خلال قيامهم بنقل الأخبار والمعلومات للجمهور، وفي عام 2015 لوحده، قتل 115 صحفيًّا، ليكون هذا العام ثاني أكثر عام دموية، بعد عام 2012، خلال العقد الماضي، حيث أحصت اليونيسكو 124 قتيلًا، ولا تشمل هذه الأرقام العدد الكبير من الصحفيين الذين يتعرضون يوميًّا لاعتداءات غير مميتة، بما في ذلك التعذيب، وحالات الاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، والترهيب والتحرّش في أوقات النزاع والسلم على حد سواء، وإضافة إلى ذلك، تواجه النساء الصحفيات مخاطر محددة تشمل الاعتداءات الجنسية.
ووفقًا للتقرير الذي وضعته اليونسكو بشأن سلامة الصحفيين وخطر الإفلات من العقاب في عام 2016، فإن 8% فقط من حالات قتل للصحفيين التي أدانتها اليونيسكو خلال العقد الماضي قد تم التعامل معها، وبقاء الاعتداءات المرتكبة ضد الصحفيين من دون عقاب إنما يوجه رسالة سلبية للغاية مفادها أنّ نقل “الحقيقة المربكة” أو “الآراء غير المرغوب فيها” من شأنه أن يضع الأشخاص العاديين في ورطة.
وفي سياق التصدي تصدر لجنة حماية الصحفيين مؤشرًا سنويًّا بشأن الإفلات من العقاب يبين بلدان العالم التي يبلغ فيها معدل الإفلات من العقاب أعلى مستوياته، ويعد الاتحاد الدولي للصحفيين ورابطة الدول الأمريكية للصحافة برامج خاصة بمسألة الإفلات من العقاب كما يضعان تقارير منتظمة في هذا الشأن، أما الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير، فتولت قيادة الجهود المبذولة للتشجيع على إعلان يوم 23 نوفمبر يومًا دوليًّا للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب من أجل التوعية بهذه المسألة في شتى أنحاء العالم.
المافيا بريئة من جرائم هؤلاء المرتزقة والخونة القتلة، فجرمهم تعدى الحدود والتاريخ لأنهم يسعون لإبادة عرقية لكافة الشعوب المسلمة السنية!