العدسة – معتز أشرف

من مسقط رأس أيقونة الربيع العربي الأولى محمد بو عزيزي، انطلقت الحناجر مجددا تنادي: “لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب”، و”يا مواطن يا مقموع زاد الفقر وزاد الجوع”، بالتوزاي مع هتافات ساخنة في إيران يتصدرها نداء: ” أفضل الموت على حياة مذلة”، في الوقت الذي لا يتوقف فيه الحديث عن الغلاء والجوع في بلدان كمصر والسعودية والأردن مع ارتفاع الأسعار والتضخم، وتحاول فيه سلطات هذه البلاد مغالبة “فوبيا ” الغضبات الشعبية، وتلافي أي سيناريو مفاجئ تحت أي ظرف لتكرار مظاهرات غاضبة.

في تونس تخللت الاحتجاجات ضد غلاء الأسعار التي يرعاها اليسار بصورة أو بأخرى  مواجهات بين محتجين ووحدات الأمن، ما جعل حركة النهضة التونسية عضو الائتلاف الحاكم تتحدث عن ما أسمته ” استغلال بعض الأطراف السياسية المطالب الشرعية للمواطنين، والتحريض على الفوضى والتخريب والنهب، في إشارة إلى ائتلاف الجبهة الشعبية، وطالبت الحكومة بالاستماع إلى مشاغل المواطنين والاستجابة لمطالبهم.

الخوف من موجة عنيفة من الاحتجاج خاصة بعد الإعلان عن حالات انتحار بين المواطنين لأسباب اجتماعية دعا حركة النهضة إلى التنديد بـ” بانحراف بعض الاحتجاجات وتعمُّدها التخريب والنهب والاعتداء على مؤسسات الدولة وأجهزتها واستهداف الممتلكات العامة والخاصة” ودعت المحتجين إلى “التهدئة والتعقل وتغليب المصلحة الوطنية”،  فيما دفع الحكومة التونسية إلى التصريح بحدة بأن ما شهدته البلاد الليلة الماضية جرائم شغب وسرقة لا علاقة لها بالاحتجاج على ارتفاع الأسعار وتفشى البطالة.

مخاوف متشابهة

إذن هي مخاوف بدأت تتسرب للحاكمين في تونس بعد مشاهد مظاهرات الغلاء في إيران التي وصفت بنفس الأوصاف تقريبا على لسان الحرس الثوري الإيراني، حيث وصف المظاهرات بـ “الفتنة”، وأعلن قائده اللواء محمد علي جعفري: “توقيف معارضي الثورة والمنافقين المشاركين فيها” بحسب وصفه، كما دعا الإيرانيين إلى “إحباط مؤامرات الأعداء” بعد وقت من اتساع حدة المظاهرات التي بدأت بـ 3 مدن؛ احتجاجا على ارتفاع الأسعار وسياسات الحكومة التعسّفية ضد الفقراء والمهمَّشين، بحسب المتظاهرين، ثم امتدّت خلال أيام إلى أكثر من 100 مدينة وبلدة، تخللها أعمال عنف قُتل خلالها 20 شخصاً، واعتُقل أكثر من 450 شخصاً، بحسب الإعلام الرسمي.

اللافت أن أحد أدوات اشتعال الاحتجاجات اتجاه حكومة روحاني قطع المعونة الحكومية عن 30 مليون مواطن، ممن تخطوا خط الفقر بنظر الحكومة، بجانب ميزانية مقترحة تتضمن رفع أسعار الوقود ومضاعفة الضرائب مقابل تخصيص ميزانيات أكبر للحرس الثوري والمؤسسات الدينية والمذهبية والإعلامية، ما يشكل هاجسا مستمرا للنظام في ظل استمرار نفس الأزمات الاقتصادية بعيدا عن الإعلان الرسمي عن قمع ما سمي” الفتنة”.

الحال في السعودية، رغم استقراره الظاهري بقبضة الأمير الشاب والتحركات الرسمية، إلا أن المراقبين يرون أن صعود أزمات كالبطالة المتزايدة، وارتفاع الأسعار ورفعهما فيما سمي في حراك 15 سبتمبر الماضي يشكل “وسواسا قهريا ” لدى السلطات السعودية يدفعها لاتخاذ قرارات جديدة كل يوم في الملف الاقتصادي ومنها ما أصدره العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز من أوامر ملكية بصرف علاوة سنوية للمواطنين من موظفي الدولة المدنيين والعسكريين للسنة المالية، بعد أن كانت السعودية، أوقفتها العام الماضي بسبب تراجع أسعار النفط، إلا أن تحليلات اقتصادية تذهب الي القول الصريح أن تلك الأوامر الملكية تمهد لقفزة في أسعار السلع والخدمات داخل الأسواق المحلية، خلال العام الجاري خاصة بعدما قررت السلطات هناك رفع أسعار البنزين بداية العام بنسب تراوحت بين 82 بالمائة و126 بالمائة، كما دخل قرار رفع التعرفة لأسعار الكهرباء في البلاد، حيز النفاذ في التاريخ ذاته !

الخبز في خطر

المملكة في حيرة بطيبعة الحال، وأعلنت ارتفاع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة 5.7 بالمائة في 2018، إلا أنها وعدت المواطنيين المتذمرين علي وجه خاص في تصريحات وردية بتحسن النشاط الاقتصادي وتطبيق بعض التدابير الإيرادية وتصحيح أسعار الطاقة رغم أن تكلفة ذلك قد تصل إلى 21.3 مليار دولار بحسب وزير الإعلام السعودي عواد العواد، مع ارتفاع مستحقي الدعم النقدي إلى 11 مليون سعودي.

أما في الأردن فالحال لا يسر أردنيا، حيث اضطرت الحكومة الأردنية إلى الإعلان الرسمي عن رفع الدعم عن الخبز،، وهو الإعلان الذي كلف الرئيس المصري الأسبق أنور السادات تكلفة عالية فيما سمي بانتفاضة الخبز في أيام 18 و 19 يناير 1977 في عدة مدن مصرية رفضا لمشروع ميزانية يرفع الأسعار للعديد من المواد الأساسية، حيث قررت المملكة الأردنية الهاشمية بوضع سقف سعري جديد لأصنافه الشعبية في البلاد، اعتبارا من مطلع فبراير المقبل وبزيادات تصل إلى 100 بالمائة، على أن تبدأ بصرف بدل تعويض نقدا اعتبارا من نهاية الشهر الحالي، وهو ما يرشح لضغوط اقتصادية في وطن حاول أن يطوله الربيع العربي في جولته الأولى ولم يفلح .

الأردنيون يتحدثون عن المشكلة بضرواة، بحسب ما أثبته آخر نتائج استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في نوفمبر الماضي، مؤكدين أن نسبة من يعتقدون أن الأمور تسير في المملكة بالاتجاه الخاطئ باتت 59% بارتفاع سبع نقاط عن آخر استطلاع، واحتلت المشكلات الاقتصادية بصفة عامة (81%) لدى أفراد العينة منهم  23% يعانون من البطالة تليها مشكلتا ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة (21%) والوضع الاقتصادي بصفة عامة 21% ومن ثم الفقر 16%، إذن الاحتقان موجود له قواعد قد تهدده في ظل توقعات كثيرة داخل البلاد بحدوث انفلات كبير في الأسعار مع غياب الرقابة الحكومية على الأسواق، خاصة وأن القرارات تطول ” الخبز” وهو ما دعا نوابا أردنيين إلى التنديد بإرهاق كاهل المواطنين بضرائب جديدة رغم زيادة الأسعار.

احتقان وانتحار

هي أجواء متشابهة إذن، تعيد أجواء مماثلة لما قبل الربيع العربي، بحسب الحديث المتواتر علي مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مواقع تلك الدول التي تشهد قمعا متزايدا كمصر، التي تشهد أزمة اقتصادية طاحنة منذ وصول عبد الفتاح السيسي للحكم في منتصف 2014 ، حيث ضربت البلاد موجات تسونامي لغلاء الأسعار لا تتوقف شملت جميع أنواع السلع والخدمات والأدوية والعقارات مع سقوط سعر الجنيه أمام كافة العملات، بشكل مهد لصعود معدل التضخم في مصر بنسبة 30.7 بالمائة خلال 2017، مقارنة مع العام السابق له، مع ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، ومياه الشرب، وكروت شحن الهواتف النقالة وسط حديث متكرر عن موجة قادمة مع رفع أسعار الوقود تماشيا مع متطلبات صندوق النقد الدولي، وهو ما يثير غضبا واسعا في قطاعات شعبية كانت تنزل إلى الشارع تحت لافتات مناهضة غلاء الاسعار في محافظات مصرية عديدة، قبل أن تؤدي القوانين الجديدة المناهضة للتظاهر للحد منه، ونقله إلى بيانات الأحزاب والكيانات والتواصل الاجتماعي، ما أدى إلى سقوط حالات انتحار متكررة في السنوات الأربع الأخيرة بسبب  غلاء الأسعار وسط تزايد الأعباء المعيشية يوما بعد يوم، بحسب ما حذرت  منه حركة “مصريون ضد الغلاء”  حيث حذرت  في وقت سابق من ارتفاع معدلات الانتحار احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، كما حذرت من تداعيات الانفجار الاجتماعي المحتمل في حال ستمرار السياسات الاقتصادية المستفزة، وإمكانية أن تفرز هذه السياسات مزيداً من الفقر، مما قد يدفع المحبطين إلى مزيد من حالات الانتحار الاحتجاجي.

خطر أمني

شبح الجوع الذي يهتف به المحتجون، كان ذا صدى عالمي، دفع منظمة  الفاو التابعة للأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات تهدف إلى مواجهة زيادة الأسعار حيث أطلقت في ديسمبر 2007  مبادرة لدعم الحكومات في الدول الأشد تأثراً بموجة الغلاء من أجل تعزيز الإنتاج الزراعي، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالمدير العام المساعد لشؤون التعاون الفني بالمنظمة  خوسيه ماريا سمبسي فيناس،  أكد في تقرير نشر علي موقع المنظمة أن الجوع تحول إلى خطر أمني، مشيرا إلى أن المسيرات والمظاهرات التي اندلعت في كثير من المدن امتداداً من منطقة الكاريبي إلى الشرق الأقصى كي تؤكد إمكانية تردي الأوضاع الأمنية والسياسية جراء هذه الأزمة . .

ورصد بحسب تقارير المنظمة أن العديد من الدول الفقيرة تتعرض حالياً لموجة غير مسبوقة من غلاء أسعار المواد الغذائية والسلع المستوردة إلى جانب تضاؤل مخزونها الغذائي، الأمر الذي ينطوي على جملة من التحديات السياسية والأمنية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية .

قد تقوم الحكومات تحت واقع “الفوبيا” ببعض الإجراءات لتهدئة الشارع، ولكن لازال الحديث متكرر عن غضبة جياع ، ولازالت الاسئلة مطروحة من عينة هل سيظل الغلاء شبح الخوف للأنظمة الحالية في المنطقة ؟ وهل مرشح المنطقة لانفجار أساسه اقتصادي ؟ وهل نحن بإزاء بوعزيزي جديد  يضرم النار في جسده تعبيراً عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبيل شرطية ؟ الإجابات مفتوحة، خاصة وأن مواعيد غضبات الجياع لا تحدد مسبقا.