لم تشهد قضية عربية غموضا مثل قضية عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وعلى الرغم من توقع البعض بأن تكون القمة العربية المقبلة في تونس نهاية مارس الجاري، هي البداية لشغل مقعد سوريا الشاغر في الجامعة العريية، بعد حمي التطبيع مع نظام بشار الأسد خلال الأسابيع الماضية، إلا أن الجامعة العربية حسمت الموضوع، بأن دمشق سوف تواصل غيابها عن قمة العرب القادمة.

وما زاد الموقف غموضا، تصريحات وزير الخارجية المصري قبل عقد القمة الثلاثية التي جمعت عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي والعاهل الأردني، في القاهرة قبل يومين، حيث أكد شكري على عدم ممانعة بلاده لعودة سوريا للجامعة العربية، وهو ما اعتبره البعض مقدمة لقرار سوف يخرج من القمة الثلاثية الطارئة، التي انتهت هي الأخرى بلا شيء.

عودة أو لا عودة

ويرى المراقبون أن ما أدى لهذا الغموض هو تضارب تصريحات المعنيين بهذا الملف، والتي تخرج في بعض الأوقات لتوحي بأن سوريا عادت للحضن العربي، ثم ما تلبث التصريحات لنفس الأشخاص أن تؤكد عكس ما سبق، ويستدل المراقبون بتصريحات كل من أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وسامح شكري وزير الخارجية المصري.

أبو الغيط ألمح في 27 من يناير الماضي، خلال لقائه بمبعوث الأمم المتحدة لسوريا، أن عودة دمشق لمقعدها الشاغر، مرهون بالحل السياسي للأزمة السورية، مؤكدا أن التدخلات الدولية والإقليمية لعبت دورا رئيسيا في إطالة أمد الأزمة.

إلا أن أبو الغيط عاد ليؤكد بعدها بأيام على عدم وجود توافق عربي كامل على عودة سوريا للجامعة، مشيرا خلال الاجتماع الوزاري (العربي — الأوروبي الخامس) في العاصمة البلجيكية بروكسل، إلي أن أي عودة لسوريا لشغل المقعد يتوقف على وجود توافق عربي كامل، وحتى هذه اللحظة هناك تحفظات ولست في وضع لأن أتحدث عن من يتحفظ ومن لا يتحفظ، ومن له رؤية، ومن لا يفضل أن يكشف عن رؤيته.

وأضاف أبو الغيط ” في اللحظة التي نستشعر أن هناك توافق كامل عندئذ فقط يجب أن يصدر قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب يدعو وفدا سوريا من دمشق إلى شغل المقعد، ولم نصل إلى هذه اللحظة بعد”.

ويشير المتابعون أن نفس الرسالة، أكدها أبو الغيط بعد عدة أسابيع في حديث صحفي لمجلة الأهرام العربي، أشار فيه عن غياب التوافق في الجامعة العربية على عودة سوريا، إلا أنه في نفس الحوار كشف عن قضية أخرى وهي، أن أيا من الدول الراغبة في عودة سوريا لمقعدها، لم تتقدم للجامعة بما يفيد ذلك.

ويحلل المختصون تصريحات أبو الغيط التي قال فيها: ” أنه برغم تواتر الحديث من جانب المسئولين في بعض الدول الأعضاء، حول أهمية عودة سوريا، فإنه لم يحدث حتى الآن أي تحرك رسمي في هذا الاتجاه من جانب أي دولة عضو، فلم ترد مثلا مذكرة رسمية إلى الأمانة العامة قبل الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري في 6 مارس تطلب بحث هذا الموضوع خلال الاجتماع، ولم تتم أيضا إثارته بأي شكل من الأشكال خلال النقاشات الرسمية لاجتماع المجلس”، بأن الرجل أراد إلقاء الكرة في ملعب الدول التي تعتمد الكشف عن صوتها ليسمعه نظام الأسد، مؤكدين رأيهم بأن أبو الغيط أكد في نفس الحديث، أن الموضوع حاضر بالفعل ولكن في المناقشات غير الرسمية بين الدول.

شكري الحيران

ورغم أن أبو الغيط كان متحفظا في كثير من التصريحات حول عودة سوريا، إلا أن سامح شكري وزير الخارجية المصرية، كان أكثر وضوحا في تصريحاته من أبو الغيط، ولكنه في الوقت نفسه كأن الأكثر في نفي هذه التصريحات بعد ذلك، بعدما تثيره من لبس وخلاف.

ويرى المختصون أن تصريحات شكري، تعكس ما يدور في عقل رئيس الإنقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، بأن تقوم مصر بدور عراب عودة نظام بشار الأسد بين أشقائه الملوك والرؤساء والحكام العرب، باعتبار أن حضور الأسد يكتب شهادة الوفاة للربيع العربي، الذي لم يعد خافيا على أحد مقدار كره السيسي له.

وانطلاقا من ذلك قرأ المحللون كلمة شكري في السادس من مارس الجاري أثناء اجتماع الدورة 151 لمجلس وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، والتي قال فيها نصا: “ألم يئن الأوان للعودة لمفاوضات جادة ونزيهة تفضي للتسوية السياسية الضرورية للأزمة في سوريا الشقيقة، بما يحقق المطالب المشروعة للشعب السوري، ويستعيد بناء مؤسسات الدولة السورية، ويتيح مواجهة الإرهاب وعودة سوريا إلى مكانها الطبيعي بين أشقائها العرب؟”.

ولم يتوقف خطاب شكري على الأمنيات وفقا للمحللين ، حيث جاءت تصريحاته أكثر وضوحا بعد أقل من أسبوعين وقبل القمة الثلاثية التي شهدتها القاهرة بين مصر والأردن والعراق، عندما أعلن صراحة في حوار لوكالة الأنباء العمانية، أن مصر ليس لديها أي شروط لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مؤكدا وجود علاقات قوية تربط القاهرة ودمشق.

وقد أثارت هذه التصريحات ردود أفعال عديدة، واعتبرها البعض تدشينا لعودة دمشق لمقعدها، ما دفع بالخارجية المصرية لإصدار بيان رسمي تعلن فيه أن التصريحات تم نقلها بشكل مجتزأ، وأن الوزير لم يؤكد إلا على أهمية تفاعل الحكومة السورية مع مسار العملية السياسية في جنيف ومسار جهود المبعوث الأممي لسوريا، وذلك وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، وبحيث يتم الانخراط مع المساعي التي من شأنها استعادة سوريا لاستقرارها ووحدة أراضيها وتحقيق تطلعات الشعب السوري الشقيق، وبما يتيح بحث عودة سوريا إلى الحاضنة العربية.

لماذا لا؟

ويرى الخبراء أن الخارجية الروسية، كشفت أسباب هذا الغموض والتضارب العربي المتعلق بعودة سوريا للجامعة، عندما اتهمت روسيا، دول الغرب بأنها تقف أمام عودة سوريا للجامعة، وحسب وصف المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، فإن “العقبة تكمن في محاولة شركائنا الغربيين، الذين يشكلون ويقودون تحالفا مناسبا، منع ما سيصبح عبارة جديدة لفشل سياساتهم في المنطقة، أي عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية” مؤكدة أنه لا أحد يرى أي عراقيل أخرى في سبيل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وحسب زاخاروفا فإن تطبيع علاقات الدول العربية مع السلطات السورية يجري على قدم وساق، وهو ما يقوض مفاهيم الغرب بأن تغيير النظام فقط سيتيح للبلاد إمكانية التطور داخل حدودها وخارجها.

ويدعم الرأي السابق ما رصدته تحليلات أخري، بأن أمريكا فرملت قطار التطبيع العربي المنطلق تجاه دمشق، حيث نشرت صحيفة Washington Post الأمريكية، أن بلادها هي التي تقف وراء الخطوة، بعد أن حذرت أمريكا الدول الحلفاء لها بالمنطقة من تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، وكذلك المشاركة في عملية إعمار سوريا قبل إيجاد حل سياسي في البلاد.

وتدلل التحليلات رأيها بما نشرته “واشنطن بوست”، بأن إدارة ترامب ضغطت على حلفائها العرب ليعدلوا عن ذلك مُحذرةً من أن أي خطوةٍ للمشاركة في إعادة إعمار سوريا سينطوي عليها فرض عقوباتٍ أمريكيةٍ.

وحسب أراء أخري فإن دمشق هي التي تعرقل عودتها للجامعة، لعدم جديتها في عملية التسوية السياسية الشاملة، التي طرحتها الأمم المتحدة في قرارها الشهير لإنهاء الأزمة، حيث مازال الخلاف قائما حول لجنة صياغة الدستور، بعد أن تقدمت الحكومة بقائمة من الشخصيات التي ستشارك في إعداد وصياغة الدستور، وتقدمت المعارضة بقائمة أخرى، كما تقدمت الأمم المتحدة بقائمة ثالثة، وانحصر الخلاف في القائمة التي تقدمت بها الأمم المتحدة، حيث تعترض الحكومة السورية على بعض الأسماء الواردة فيها ولذلك مازالت مشكلة إعداد الدستور عالقة.