لم تكد تمر ساعات على ما قالت السلطات الأردنية إنه محاولة انقلاب، حتى خرجت سيناريوهات عدة تحاول البحث عن الجهة التي تقف خلف هذا الانقلاب، وكما جرت العادة، فإنه في كل مرة يُذكر فيها اسم الانقلاب في المنطقة العربية، يكون من خلفها الإمارات والسعودية، لكن هذه المرة، تحدثت تقارير دولية عن تورط صارخ للسعودية في الانقلاب الأردني المزعوم.

البداية مع الصحف الإسرائيلية التي لطالما درجت على الإشارة إلى وجود خلافات كبيرة بين النظام الأردني والسعودي فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، إذ ترغب السعودية في فتح قنوات تطبيع شعبي ورسمي على غرار ما قامت به حليفتها الإمارات، وهو الأمر الذي تجد فيه الأردن غضاضة، لا سيما ما يتعلق بوصاية الأردن على القدس الشريف.

وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” في مقال نشرته للصحفي نداف شرغاي نهاية الشهر الماضي، إن “صراعا خفيا بين الأردن والسعودية حول الوصاية على الأماكن الإسلامية بمدينة القدس والمسجد الأقصى”، مضيفة أن “تل أبيب تجد نفسها تراوح بغير إرادتها، بين هذا الصراع الأردني السعودي”، لافتة إلى أن ولي العهد الأردني الحسين بن عبد الله كان يوشك أن يدخل بوابات الأقصى، كي يؤكد أمام العالم المكانة الرسمية التاريخية للأردن، كوصي حالي على المقدسات الإسلامية بالقدس.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في اللحظة الأخيرة، ألغيت الزيارة بذريعة وجود جدل حول ترتيبات الحراسة، مؤكدة أن التحرك الأردني كان ضروريا على عجل، بسبب مفاوضات يجريها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذا الخصوص.

وأوضحت أن السعودية تسعى إلى أن يكون لها موطئ قدم على المسجد الأقصى، كقوة إسلامية تسيطر على مكة والمدينة، مبينة أنها تسعى لإقامة وضع جديد في القدس، وهي مستعدة للاستثمار بمبالغ طائلة لتحقيق ذلك، إلى جانب تطبيع علاقاتها مع تل أبيب.

وتابعت الصحيفة: “تطالب السعودية بإدارة فعلية للمسجد الأقصى بدلا من الأردن أو إلى جانبه؛ لأن ذلك سيجلب لها مكانة دينية قوية، من خلال السيطرة على الأماكن المقدسة الإسلامية الثلاثة”، وذكرت أن “الأردن من جهته غاضب على مجرد طرح الفكرة؛ لأن السلالة الهاشمية خسرت للسعوديين منصب حامي الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة والمدينة المنورة، بعد الحرب العالمية الأولى”، وفق تعبيرها.

وأفادت الصحيفة بأن “نتنياهو ورجاله يشاركون في محادثات مع السعودية، حول إمكانية إدراجها كصاحب مكانة دينية في القدس، وقد بدا هذا في الفترة الأخيرة، وتحديدا منذ إعداد خطة صفقة القرن الأمريكية”، واصفة أن تل أبيب تحولت إلى “شرطي مرور” في القدس.

وأشارت إلى أنه بالنسبة للأردن، فإن المسجد الأقصى ليس فقط رمزا تاريخيا، بل “مرسى” وضمانة لاستقرار الحكم في المملكة، مضيفة أن “إسرائيل تجد نفسها قدما بالأردن وقدما بالسعودية، وتراوح في هذا الصراع بينهما”.

صراع مستمر

بالتوازي مع ذلك، قال المستشرق اليهودي والمؤرخ دانيال بايبس إن الأردن وتركيا توسعان نفوذهما في القدس المحتلة، داعيا إلى مواجهتهما بشكل جدي، ومؤكدا أن “إسرائيل تواجه خمسة منافسين مهتمين بالسيطرة على الحرم القدسي، في ظل الرواية الفلسطينية القائلة إن القدس لا علاقة لها باليهودية، ودحض مزاعم إسرائيل بأن القدس غير مذكورة في القرآن، وحتى لو كان الأمر أقل علنية، فهناك معركة ساخنة أخرى تدور رحاها، ليس على حق الحكم في القدس والمسجد الأقصى، ولكن على النفوذ المتنامي في المدينة”.

وأضاف بايبس صاحب مشروع “الانتصار الإسرائيلي” في مقاله بصحيفة مكور ريشون، أن “هناك خمس مجموعات إسلامية منخرطة في هذا الصراع المعقد: السلطة الفلسطينية والأردن والسعودية وتركيا والمغرب، ولكل منها نقاط قوتها وأهدافها المميزة.. وتحتل السيطرة على الحرم القدسي مكانة مركزية للغاية بين هذه الأطراف”.

أما في ما يتعلق بالأردن، فقال الكاتب إن “عمان تتمتع بالعديد من الحقوق الرسمية في المدينة المقدسة، لكن تأثيرها ضئيل على الأرض، رغم أن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لعام 1994 تنص على أن إسرائيل تحترم دور الأردن الخاص الحالي في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وتعطي أولوية قصوى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن، وترجمت هذه النصوص مع مرور الوقت إلى عنوان (الوصاية الأردنية)”.

وأصاف أن “المجموعة الثالثة المنخرطة في السيطرة على الحرم القدسي هي السعودية، فليس للسعوديين تأثير حقيقي في المدينة، لكنهم يسعون جاهدين للحصول على بعض القوة لتحسين مكانتهم الدولية، وفقا لما قال جون جنكينز السفير البريطاني السابق في الرياض، أن سبب ذلك يعود إلى رغبة المملكة في إضافة مكان مقدس ثالث لوصايتهم بجانب مكة والمدينة، ما يحسن ادعاءاتهم بأنهم دولة إسلامية مطلقة”.

 

اتهام بالانقلاب

بدورها، أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، نقلاً عما وصفتهم بـ”مصادر رفيعة جداً في الأردن”، أن السعودية وإحدى إمارات الخليج “كانتا متورطتين من وراء الكواليس، في محاولة الانقلاب في الأردن”.

مصادر رفيعة المستوى في الأردن ترى، وفقا لصحيفة يديعوت احرونوت، أن “ولي العهد السعودي وأحد قادة إحدى إمارات الخليج، على ما يبدو إمارة أبو ظبي، كانا شريكا سر في محاولة الانقلاب التي فشلت”، موضحةً أن “باسم عوض الله، الذي كان وزير المالية ومعروف بقربه من الملك عبد الله، تحول إلى حلقة الوصل بين العائلة المالكة السعودية وبين الأمراء في الأردن”. 

وأوضحت الصحيفة أن “ما لا يقل عن 25 من مقربي الأمير حمزة اعتُقلوا في الأيام الأخيرة بشبهة أنهم كانوا شركاء سر وحلقات وصل مع السعودية، في تخطيط محاولة الانقلاب في القصر الملكي”.

وكدليل على ما أوردته الصحيفة، تشير المصادر الأردنية إلى الزيارة الأخيرة المفاجئة التي قام بها الملك عبد الله الثاني للسعودية في الشهر الماضي، ولم يُفد بأي تفاصيل عنها ولا عن أهدافها أيضاً، مبرزةً أن “الملك عبد الله تحدث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والطرفان امتنعا عن إصدار بيانٍ مشترك”.