العدسة – معتز أشرف:
عقدة الأتراك باتت تؤرِّق منام مسؤولي الكيان الصهيوني؛ فالنشاط التركي في القدس متزايد ومستمر، رغم الحصار والتضييق وإدخال القضاء طرفًا في النزاع بقرار توقيف مُسيَّس.
“العدسة” تسلط الضوء على الحضور التركي في القدس والمواجهة الصهيونية في المقابل، والتي تستهدف العديد من الأبعاد ضد تركيا.
رسالة “أوزكان“!!
وجَّهت دولة الاحتلال الصهيوني رسالة واضحة ضد النشاط التركي والحضور الشعبي المميز لها في القدس، في توقيف الفتاة “إبرو أوزكان” (27 عامًا) في 11 من الشهر الجاري خلال عودتها من زيارة القدس المحتلة والمسجد الأقصى، وكانت التهمة ذات دلالة بحسب مراقبين؛ وهي “مساعدة حماس، وتقديم خدمات متنوعة لها، وتخريب النظام العام للدولة، وإدخالها إلى البلاد نقودًا من جهة معادية”.
عمر خمايسة، محامي الدفاع عن أوزكان، وفقًا لوكالة “الأناضول” وضع يده على الرسالة التي عززتها الوكالة التركية الرسمية، وقال: “لائحة الاتهام ضد أوزكان سياسية، وفي باطنها رسائل سياسية إلى تركيا ومواطنيها، بسبب زياراتهم المتكررة إلى مدينة القدس، ونتعجب لتقديم لائحة اتهام ضد المواطنة التركية؛ ففي مثل هذه الحالات مع الأجانب يتم ترحيلهم، لكن هذه المرة تم الإصرار على تقديم لائحة اتهام”.
وكانت الرسالة الأكثر صراحة واتهامًا، من عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن بالكنيست التابع لدولة الاحتلال، عنات باركو حيث قال عن نشاط الأتراك لصالح القدس: “إنّهم يؤجّجون النفوس في جبل الهيكل (الأقصى)، هنا نرى انقلابًا لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة أردوغان بهدف تحقيق الأسلمة التركية”، فيما وصف الأنشطة التركية في القدس بالتآمر السياسي، بحسب زعمه.
الأمر تجاوز التصريحات منذ فترة، إلى التوثيق والدراسات؛ حيث أكد “المعهد الأورشليمي لشؤون الجمهور والدولة” الإسرائيلي في دراسة حديثة أنّ “تركيا تعزّز من وجودها في المدينة عبر مشاريع اقتصادية تنفذها المؤسسات التركية، وأن مؤسساتها تقوم بجهود لتثبيت الوجود التركي في القدس، وتقوم بها لصالح المقدسيين، وترسيخ هويتهم الثقافية بدعم القطاع التعليمي، وتطوير ظروفهم الاقتصادية، والارتقاء بأوضاعهم الحياتية والمعيشية، وتوفير وضع صحي وخدمات علاجية متقدمة في القدس”.
ومن الدراسات الى التحرك الميداني والشكوي، كشفت صحيفة “هآرتس” في أواخر الشهر الماضي عن شكوى فلسطينية وعربية لـ”تل أبيب” من النشاط التركي المتزايد بالقدس، ومطالبة بتحجيمه ومحاصرته.
حضور مكثف
الفترة الماضية شهدت رغم التضييقات والاستهداف حضورًا تركيًا مكثفا لدعم القدس، ومنه حضور واضح لوكالة الإغاثة التركية “تيكا” خلال شهر رمضان في باحات المسجد الأقصى لم تنل إعجاب قادة المؤسسة الإسرائيلية وآخرين، فضلًا عن المواقف الحكومية التركية وما تلتها من أفعال وخطوات تصب في صالح القضية الفلسطينية، حيث لعبت القيادة التركية دورًا بالغ الأهمية على المستوى الدولي والمحلي وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي، لبلورة وتشكيل موقف عالمي موحد ضد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”؛ حيث كان آخرها طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة بصورة مُهينة في أعقاب المجزرة التي نفذتها “إسرائيل” بحق المتظاهرين على الحدود في قطاع غزة يوم 14 مايو الماضي.
كما قررت هيئة الشؤون الدينية التركية بإدراج المسجد الأقصى ضمن برنامج المعتمرين الأتراك قبل التوجُّه إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، وهو ما شكل ازعاجًا صهيونيًا، بالتزامن مع قرارات شركات الطيران والسياحة التركية القاضية بتخفيض أسعار تذاكر السفر إلى القدس وسط دعم حكومي، وذلك بهدف تمكين أكبر عدد من الأتراك من زيارة القدس والمسجد الأقصى.
وتواصلت الفترة الماضية العديد من النشاطات والفعاليات من الجمعيات الخيرية التركية الناشطة في جميع أرجاء العالم، تحت رعاية الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان كإقامة الأمسيات الثقافية، ومبادرات غرس الزيتون في القدس والتي دعت لها جمعية “الشباب الواعد في تركيا”.
تصاعد النشاط التركي رصدته كذلك محافل أمنية وإعلامية إسرائيلية أبدت مخاوفها من تمكن تركيا من “صبغ” الشطر الشرقي المحتل من مدينة القدس بما أسمته “الصبغة العثمانية”.
وفي تحقيق موسَّع أكدت إحدى القنوات الإسرائيلية أن ما سمته مظاهر “التتريك” باتت طاغية في شرق القدس المحتلة، وتُلْفت نظر كل من يتجول في المكان، مشيرة إلى أن “مظاهر التتريك تتجسد بشكل خاص في الإقبال على المطاعم التي تُعِدّ الطعام التركي، ورفع الأعلام التركية وتعلم اللغة التركية واختيار تركيا بشكل خاص كوجهة للسياحة للموسرين في المدينة”، وهو ما أرجعته إلى “إعجاب المقدسيين بشخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وشعورهم بالامتنان للدور الذي يقوم به في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص تصدّيه للممارسات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى”.
مواجهة معلنة!
وتتَّجه سيناريوهات المشهد التركي الصهيوني في القدس إلى التعقيد، وبحسب دراسات وتقديرات موقف فإنَّ الكيان الصهيوني وضع خطة مواجهة معلنة ضد تركيا عبر العديد من النقاط منها: تقييد أنشطة بعض المؤسسات والجمعيات التركية العاملة في القدس، وتضييق الخناق عليها، مثلما حصل مع مؤسسة تيكا التركية والتي تتهمها “إسرائيل” بالتواصل مع شخصيات لها علاقة بالحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة، مع فرض شروط ومعايير خاصة معقدة وملزمة يتم من خلالها منح التصاريح والسماح للجمعيات والمنظمات التركية بإقامة نشاطات وفعاليات داخل القدس، وفرض غرامات باهظة على المخالفين للتك الشروط مع فتح المجال أمام منظمات ومؤسسات عربية أخرى منافسة تحظى بدعم مالي ضخم، كبديل للجمعيات التركية الناشطة في القدس.
مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني يرى في تقدير موقف حديث له، أنَّ التربص الصهيوني بالحضور التركي سيتواصل عبر تكثيف إصدار قرارات الاعتقال والاستجواب بحق النشطاء والزائرين الأتراك أثناء عودتهم إلى بلادهم وإلزام الزوّار الأتراك بعددٍ معين من الأيام لزيارة القدس، كما حدث مع الفتاة “إبرو أوزكان” .
ويشير تقدير الموقف إلى أن الآونة الأخيرة شهدت مزيدًا من التصريحات التي تحمل في طيّاتها تخوفات إسرائيلية– كانت حبيسة الصدور- حول زيادة النشاط والنفوذ التركي في مدينة القدس المحتلة، والذي بدوره يعزز من التأييد لتركيا في ظل التراجع الملحوظ لشعبية الدول العربية، ولاسيما الأردن صاحب الوصاية على المسجد الأقصى، مؤكدًا أنه تمّ كشف النقاب عن خطة أطلقت عليها اسم “خطة بالدُرج” والتي أعدَّها مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بهدف الحد من النفوذ والنشاط التركي بالمدينة المحتلة وبساحات المسجد الأقصى.
ووفقًا للمقترحات في الخطة التي سيقوم على تنفيذها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، حيث سيعمل الاحتلال على زيادة الاستثمارات في شرقي القدس بغية فرض السيادة الإسرائيلية عليها، وذلك على الرغم من اعتياده ابتزاز سكان القدس الشرقية بالأموال التي من المفترض أن تقدّم لمؤسساتها، ولذلك حرمت العديد من المؤسسات التعليمية والاجتماعية في القدس من أموال تشغيلية؛ لأنها رفضت الانصياع لإجراءات التهويد.
وبحسب مراقبين فإن حملة الاستهداف الإسرائيلي للحضور التركي بالقدس لها جانب أو بُعد ابتزازي يتعلق بفتح النقاش السياسي مع الحكومة التركية حول الملفات السابقة لمحاولة التأثير عليها، وحول العلاقة السياسية والدبلوماسية المتردية بين البلدين ومحاولة إعادتها إلى مستواها الطبيعي، وربما فتح النقاش مرة أخرى حول نشاط حركة حماس على الأراضي التركية، أو علاقة بعض المواطنين الأتراك بالحركة.
اضف تعليقا