منذ أن صعد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى ولاية العهد في المملكة، بدأت السعودية فصلًا جديدًا على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي. قد تختلف الأفعال والسياسات، لكن العنوان العريض منذ 2017 وحتى الآن هو انعدام الاستقرار على كافة المستويات.

ففي الداخل، أصبح عدد المعتقلين السياسيين، المحبوسين دول تهمة، بالمئات. على رأسهم علماء لهم باع طويل في الحراك الدعوي داخل المملكة وخارجها، ولهم أتباع كثر، كالشيخ سلمان العودة. كما طالت الحملات الأمنية التعسفية الناشطين السياسيين. ومن استطاع الخروج من المملكة منهم – لانسداد الأفق السياسي فيها- طالت الاعتقالات أفراد أسرته وذويه. حتى الأسرة المالكة، لم يسلم أفرادها من بطش ابن سلمان.

أما على المستوى الإقليمي، فقد بدأت السعودية تتراجع عن الثوابت العربية والإسلامية في السياسات الخارجية. وعلى رأس ذلك، قضية فلسطين، التي بدأت المملكة تدير ظهرها لها، وتتجه أكثر للتقارب مع الكيان الصهيوني المحتل. من ذلك، الزيارات التي قامت بها الوفود الثقافية السعودية إلى القدس المحتلة، والتغير في النبرة الإعلامية لقنوات النظام السعودي، والإعلاميين التابعين لها. كذلك بدا هذا التغير في الحملة الأمنية ضد الفلسطينيين المتواجدين في المملكة، والذين يحاكمون حاليًا بتهمة دعم المقاومة الفلسطينية.

حماية من ترامب..

وعلى المستوى الدولي، بدأت السعودية تفقد مكانتها شيئًا فشيئًا في قلوب الشعوب الإسلامية، بعد أن رأوا النظام السعودي ينقلب على مبادئ الإسلام في سياساته وقراراته. ورغم عدم رضا العالم الإسلامي في مجمله عن أفعال السعودية حاليًا، إلا أن النظام السعودي لم يستطع كسب ود الغرب كذلك، بسبب القرارات الهوجاء التي اتخذها ابن سلمان، وانتهاكه الواضح لحقوق الإنسان، ضد السعوديين في الداخل والخارج على حد سواء.

كل هذه السياسات لم تكن لتتأتى إلا في وجود حامٍ لها، يؤمِّن كرسي الحكم لولي العهد الشاب، الذي قد تطيح به إحدى سياساته. وقد لعب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، هذا الدور. حيث هو من أمَّن صعود ابن سلمان للحكم منذ البداية بعد أن قدمه له محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات عندما زار ترامب السعودية، في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة.

لعب ترامب هذا الدور، حتى أنه أعلن أكثر من مرة أنه لولا حمايته للنظام السعودي لسقط في أيام معدودة. كما اعترف ترامب كذلك أنه هو الذي حمى ابن سلمان بعد أن كادت قضية قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، أن تطيح به، بعد أن كشفت أجهزة الأمن التركية يومًا بعد يوم، وخطوة بعد خطوة كذب الرواية الرسمية السعودية عن الحادثة، وتأكد للرأي العام العالمي أن لابن سلمان يد في التخطيط لاغتيال المعارض السعودي المعروف.

لكن ولت أيام ترامب – ولو مؤقتًا- بعد فوز منافسه عن الحزب الديمقراطي جو بايدن، ويبدو أن ابن سلمان يفتقد حليفه الذي حماه طيلة السنوات الماضية. لكن المشكلة الأكبر لدى ابن سلمان هي أن الرئيس الأمريكي الجديد لن يكتفي فقط بعدم حماية ابن سلمان، بل من المتوقع أن يمارس ضغوطات على الأمير المتهور، بسبب أكثر من ملف.

الحرب في اليمن..

 هناك حرب اليمن التي تحولت من حرب على الانقلابيين، إلى قصف عشوائي تسبب في جعل اليمن يعيش أكبر أزمة إنسانية في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة للوضع هناك. وبالفعل، فقد بدأت إدارة بايدن في الضغط على السعودية، في هذا الملف المحوري، حين أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي المقدم للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ويتضمن هذا عدم بيع أي أسلحة إلى الرياض قد تُستخدم في حرب اليمن، هذا بالإضافة إلى وقف مشاركة المعلومات الاستخبارية مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات.

ربما تخص حرب اليمن السعودية بشكل عام، كما ترتبط بها أطراف إقليمية أخرى كالإمارات وإيران. كذلك قد يوقع ابن سلمان على هدنة في اليمن تخفف من الضغط الأمريكي عليه. لكن المشكلة الأكثر تعقيدًا هي اتهامه بقتل خاشقجي، حيث إن كافة الدلائل تشير إلى أنه كان جزءًا من الجريمة، بل كان هو مخططها والآمر بها. وربما آخر ذلك ما كشف عنه موقع “سي إن إن” من أن قتلة خاشقجي استخدموا  طائرتين تعودان لشركة خاضعة لابن سلمان شخصيًا.

أيام عصيبة يعيشها ابن سلمان..

وتأكدت نية إدارة بايدن فتح ملف قتل خاشقجي بعد أن صرحت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ نشر التقرير الاستخباراتي حول اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي هو خطوة نحو الشفافية والمحاسبة، وبعد تصريح البيت الأبيض أكثر من مرة أن الأيام المقبلة ستشهد رفع السرية عن تقرير المخابرات الأمريكية حول قتل خاشقجي.

كما صرح بايدن بنفسه أنه قرأ هذا التقرير الاستخباري بهذا الخصوص، وأن مكالمته مع العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، سوف تتضمن هذا الموضوع. ورغم أن البيانات التي صدرت بعد المكالمة التي حدثت بين بايدن وسلمان مؤخرًا لم تتضمن قضية خاشقجي، إلا أنه -غالب الأمر- أن الطرفين تكلموا في الأمر، فالقضية ليست عادية، ولها ما بعدها، والرأي العام العالمي ينتظر كلمة إدارة بايدن في الأمر. كما أن بايدن بنفسه قد صرح بنفسه أنه سيتحدث مع الملك بهذا الخصوص.

ويبدو أن الأيام القادمة سوف تشهد تطورات حول الإجابة على سؤال “مَن الذي أمر بقتل خاشقجي؟” قد تعلن إدارة بايدن الحقيقة، وقد تُغَلب مصالحها على الانتصار للصحفي المغدور وأسرته، لكن على كل حال، فإنه من المؤكد أن ابن سلمان يعيش حاليًا ساعات عصيبة، ينتظر فيها القرار الذي سيحدد مصير حكمه للملكة، الطموح الذي ارتكب في سبيله العديد من الجرائم.