العدسة – جلال إدريس
في الوقت الذي أقرت فيه المملكة العربية السعودية قرارات اقتصادية صعبة تطبق للمرة الأولى في المملكة النفطية، خرج الديوان الملكي السعودي مساء أمس بمجموعة من الأوامر الملكية ممهورة بتوقيع الملك سلمان بن عبد العزيز، جميعها يسعى لتخفيف العبء عن كواهل المواطنين، بحسب نص الأوامر.
توقيت القرارت جاء في وقت مريب حيث تزامن مع تطبيق المملكة لضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 % على جميع المنتجات والسلع في المملكة، وكذلك جاء مع رفع أسعار المحروقات في المملكة بنسبة تصل لـ 100%، وذلك بحجة السير على “خطة الإصلاح الاقتصادي” التي تستهدف تخفيف العبء عن الموازنة العامة.
فكيف إذا يتم لإصلاح الموازنة العامة، وفي الوقت ذاته تقرر صرف علاوات ومكافآت للمواطنين، ستكلف ميزانية الدولة نحو 50 مليار ريال، وفقا لمسؤولين سعوديين.
وكيف للدولة أن تقرر صرف علاوات للعاملين في القطاع الحكومي، في حين أنها تجاهلت العاملين بالقطاع الخاص، الذي تؤكد دائما أنها تسعى لدعمه ومساندته، وهل يمكن أن تفهم علاوات “بن سلمان” بأنها رشوة ملكية، تستهدف تقليل حدة الغضب في الشارع السعودي على النظام الملكي الذي بدأ في اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة؟
ثم السؤال الأهم، هل تنجح العلاوات التي قررت المملكة صرفها “للعسكريين في الحد الجنوبي” في تخفيف حالة الغضب المشتعلة بين العسكريين وذويهم نظرا لكثرة عدد الوفيات بشكل أسبوعي وربما يومي بين صفوفهم في اشتباكات متبادلة مع الميليشيا الحوثية؟ وهل سيظل المواطن السعودي يدفع ثمن حرب “سلمان وولي عهده” في اليمن دون أن يكون هناك رؤيا واضحة لتلك الحرب، ومتى تنتهي؟! ومتى يتوقف نزيف الدم السعودي، ونزيف الاقتصاد كذلك؟
كل تلك الأسئلة وغيرها، تحاول “العدسة” من خلال التقرير التالي الإجابة عليها:
مضمون الأوامر الملكية
تضمنت الأوامر الملكية التي صدرت مساء أمس “صرف العلاوة السنوية لهذه السنة اعتبارا من 14/4/1439هـ، وكذلك صرف بدل إعاشة شهريا قدره ألف ريال للموظفين المدنيين والعسكريين لمدة عام.
كما شملت القرارات “زيادة مكافأة الطلاب الجامعيين بنسبة 10% لمدة سنة، وكذلك اعتماد يوم 27 من كل شهر ميلادي موعدًا لصرف رواتب موظفي الدولة.
وقررت الأوامر الملكية، تحمل الدولة ضريبة القيمة المضافة عن المواطنين المستفيدين من الخدمات الصحية الخاصة، والتعليم الأهلي الخاص، وكذلك زيادة مكافأة الطلاب والطالبات من المواطنين بنسبة 10% لمدة سنة.
وأيضا تم “إضافة بدل غلاء معيشة للمخصص الشهري لمستفيدي الضمان الاجتماعي بمبلغ 500 ريال لمدة سنة، على أن لا يجمع بين هذا البدل وبين البدل الوارد في البند “رابعاً”.
وفيما يخص العسكريين قررت الأوامر الملكية، صرف مكافأة قدرها 5000 ريال للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية في الحد الجنوبي للمملكة، وكذلك تتحمل الدولة ضريبة القيمة المضافة عما لا يزيد عن مبلغ 850.000 ريال من سعر شراء المسكن الأول للمواطن.
احتواء لغضب المواطنين
الأوامر الملكية السعودية، جاءت بعد أيام قليلة من تطبيق “القيمة المضافة” ورفع أسعار المحروقات في المملكة، لتهدأة غضب المواطنين الذي اشتعل نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار، حيث شهدت المولات والمحال التجارية السعودية للمرة الأولى انتقادًا علنيًا من قبل المواطنين ضد الحكومة.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، دشن نشطاء ومغردون هاشتاجا أطلقوا عليه اسم «الراتب ما يكفي الحاجة»، اشتكى فيها ناشطون ومواطنون سعوديون حالهم، منددين بارتفاع الأسعار، وعدم قدرتهم على تلبية الحاجة، بسبب تدني الرواتب.
واحتل الوسم المرتبة الأولى بين الوسوم الأكثر تداولا في المملكة، مع الساعات الأولى من صباح أول أيام العام الجديد 2018، وتفاعل معه قطاعات كبيرة من المواطنين السعوديين.
النشطاء أعربوا عن استيائهم من قرارات الحكومة السعودية، وخطة الإصلاح الاقتصادي التي يتبناها محمد بن سلمان 2030، والتي على مايبدو أنها تستهدف تجويع المواطنين، وفقا لقولهم.
المواطنون اتفقوا على أن فترة سلمان باتت مقرونة بـ “البطالة، والحرب، والضرائب، وغلاء معيشة، واعتقالات المعارضين، وارتفاع البنزين، وارتفاع الإيجارات والتمليك، وارتفاع رسوم العمالة الوافدة”.
مراقبون سعوديون توقعوا أن تكون هناك تقارير أمنية رفعت إلى الديوان الملكي السعودي، تحذر من استمرار الغضب الشعبي بهذا الشكل، الأمر الذي قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه بالنسبة للنظام السعودي.
خوف من مظاهرات إيران
ربما تكون المظاهرات المندلعة في إيران منذ عدة أيام والتي يشارك فيها عشرات الآلاف من الإيرانين، الناقمين على أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، كانت سببا في قلق “بن سلمان” في أن تنتقل تلك المظاهرات إلى المملكة، فقرر على إسرها تخفيف الأعباء الاقتصادية عن المواطنين حتى لا تنفجر الأوضاع في بلاده.
وبرغم أن السعودية، وتحديدا “ولي العهد” محمد بن سلمان، يدعمان بقوة المظاهرات الإيرانية ضد النظام الملالي هناك، إلا أن “بن سلمان” يخشى في قرارة نفسه من انتقال الانتفاضة الإيرانية المندلعة حاليا ضد النظام بسبب الظروف الاقتصادية، إلى الداخل السعودي، لذا عمد بن سلمان إلى تلك القرارات.
إحراج للقطاع الخاص
في مقابل محاولة تهدأة المواطنين، كانت الأوامر الملكية السعودية بمثابة إحراج للقطاع الخاص في المملكة، إذ دشن نشطاء ومغردون وموظفون، عبر “تويتر” هاشتاج (#القطاع_الخاص_يتفاعل) طالبوا خلاله القطاع الخاص والشركات والمؤسسات بالتفاعل مع الأوامر الملكية، وصرف غلاء معيشة أسوة بالقطاع الحكومي.
لكن ما يثير الجدل أن الهاشتاج شهد مشاركات واسعة من مسؤولين سعوديين، طالبوا القطاع الخاص بالتفاعل مع “القرارات الملكية” وصرف بدلات مماثلة للعاملين لديهم، وهو ما فسره البعض بأنه بمثابة إحراج للقطاع الخاص.
“خالد أبا الخيل – المتحدث الرسمي لوزارة العمل والتنمية الإجتماعية” كان أحد المشاركين في الهاشتاج عبر حسابه الرسمي قائلاً “لقد تعوّدنا أن القطاع الخاص يتفاعل مع الأوامر الملكية الكريمة لدعم العاملين السعوديين، فمنشآتنا لها مبادرات وطنية مشهودة”.
وعبّر “أبا الخيل” عن شكره وتقديره للمنشآت التي بادرت، وقال إننا نتطلع بالمزيد من المبادرات.
كما غرد “سعود القحطاني – المستشار بالديوان الملكي” قائلا “أكثر من خمسين مليار ستضخ في الاقتصاد السعودي بعد الأوامر الملكية، وسيستفيد القطاع الخاص وبكل تأكيد من زيادة القوة الشرائية (الإنفاق).
وأضاف “متفائلاً بالله وثم بالقطاع الخاص بالتفاعل مع هذا الأمر بشكل إيجابي مع موظفيه من أبنات وبنات هذا الوطن المعطاء كما عودنا دائما”.
فيما غرد وتفاعل “بدر العساكر – مدير المكتب الخاص لولي العهد” عبر صفحته على “تويتر” قائلا: “إن القطاع الخاص ركن أساس في التنمية متمنياً أن يتفاعل مع الأوامر الملكية، تماشيا معها، وتقديرا لجهود موظفي وموظفات القطاع في خدمة وطنهم”.
وبالفعل استجابت بعض الشركات والمؤسسات سعودية خاصة، لضغوط المسؤولين غير المباشرة، وأعلنت صرف بدل غلاء معيشة تتراوح ما بين 300 -١٠٠٠ ريال.
رشوة للعسكريين
عصفور رابع حاول ابن سلمان استغلاله في تلك الأوامر الملكية، وهو أن يقدم منحا مالية للعسكريين الغاضبين في الحد الجنوبي من تزايد أعداد القتلى في صفوفهم، بشكل كبير، جراء الاشتباكات المتبادلة مع الميليشيا الحوثية بالحدود الجنوبية.
وكانت الأوامر الملكية قد قررت صرف مكافأة قدرها 5000 ريال للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية في الحد الجنوبي للمملكة.
المكافأة المالية للعسكريين بالحد الجنوبي، تزامن معها مناقشة مجلس الشورى إسقاط الديون عن أسرهم، نظرا لكونهم في مرمى النيران، ويدافعون عن حدود المملكة.
كل تلك الإجراءات تؤكد أن “بن سلمان” يحاول بشتى الطرق شراء رضا العسكريين بالحد الجنوبي، خصوصا مع تزايد القتلى في صفوفهم، حيث تؤكد تقارير غير رسمية أن قتلى المجندين السعوديين بلغوا المئات وربما الآف منذ بدء عاصفة الحزم على اليمن، وهو الأمر الذي بات يغضب الأهالي والمواطنين.
وبحسب موقع (IHS Jane’s ) البريطاني المختص بالتحليلات العسكرية والأمنية، فإنه منذ أن شنت السعودية حملتها العسكرية في اليمن في مارس 2015، أعلنت السلطات، بشكل متقطع، مقتل جنودها في القتال على طول الحدود، لكن الفيديوهات التي ينشرها الإعلام الحربي لجيش اليمن واللجان الشعبية، تبين أن السعودية تقلل من ضحايا جنودها الذين قتلوا في القتال على الحدود.
ولفت الموقع المختص، أن الجيش السعودي، لا يعلن عن كل ضحاياه الذين قضوا جراء الهجمات العسكرية والصاروخية التي يشنها الجيش اليمني واللجان الشعبية الحوثية على الحدود الجنوبية للمملكة.
ويكتفي الإعلام السعودي بالإعلان قتل جندي أو جنديين أو ثلاثة بين الحين والآخر، بينما يواصل الإعلام تمجيد الانتصارات التي تحققها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.
اضف تعليقا