أحمد حسين
لم يكد الحديث يهدأ بشأن مطالبات الولاية الثالثة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، إلا واشتعل مرة أخرى بتصعيد سياسي وقانوني من جانب المعارضة.
وربما بسبب الأزمة الأخيرة بين النظام والإسلاميين غابوا عن المشهد الجدلي هذا، فيما يرتقب أن يعلنوا موقفهم قبل الانتخابات الرئاسية المقررة صيف 2019.
ولعل هذا الوضع يشبه كثيرا ما تشهده مصر بين الحين والآخر من مطالبات بتعديل الدستور للسماح للرئيس عبدالفتاح السيسي بخوض الانتخابات للمرة الثالثة.
انقلاب عسكري!
وأعلنت المعارضة الموريتانية أنها بصدد مقاضاة الداعين إلى فترة ثالثة للرئيس، بالمخالفة للدستور الذي حددها بفترتين فقط.
رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض “محمد ولد مولود” رأى، في مؤتمر صحفي، أن أصحاب المبادرات المطالبة بترشح الرئيس لفترة ثالثة تم توجيههم من قبل النظام الحاكم نفسه، الأمر الذي شكل مفاجأة للمعارضة التي تستعد للانتخابات.
وأشار إلى أن هذه المبادرات تحث على انقلاب عسكري على السلطة القائمة، في حين أن القانون الموريتاني يجرم ذلك، مطالبا الرئيس باستخدام المادة 24 التى تلزمه بحماية الدستور.
وبلهجة مشددة حمّلت المعارضة الرئيس الموريتاني “مسؤولية ما قد ينجم عن هذه المبادرات من فتن وقلاقل عصفت ببلدان قادها إصرار قادتها على التمسك بالسلطة للخراب والدمار”.
كما قررت الأحزاب المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض، وأحزاب تكتل القوى الديمقراطية، واللقاء الديمقراطي، وحزب التناوب الديمقراطي، تقديم مرشح موحد للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وظهرت الأسبوع الماضي مبادرة باسم أطر ولاية “اترارزة” تطالب الرئيس الموريتاني بعدم التنحي عن السلطة، وتم الإعلان عن عدة مبادرات مشابهة لها ، وأثارت هذه المبادرات جدلا واسعا باعتبارها مطالبة بانتهاك الدستور الذي يقيد الرئيس بفترتين.
هذا الجدل أعاد للأذهان المطالبات الحثيثة، في أغسطس الماضي، لنشطاء بالحزب الحاكم بترشح ولد عبدالعزيز لفترة رئاسية ثالثة؛ ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل المعارضة.
واتهمت أحزاب المعارضة، حينها، الرئيس بالتحضير لولاية رئاسية غير قانونية، ودعت إلى التصدي لما سمتها مخططات البقاء في السلطة.
ورأت المعارضة أن اعتقال السلطات عددا من المرشحين المعارضين، بينهم السيناتور السابق محمد ولد غدة، قبيل الانتخابات يعد استهدافا لها، حيث صدر حكم قضائي بالسجن ستة أشهر على ولد غدة المعتقل منذ أكثر من عام لإدانته بتهمة الافتراء، وذلك بعد اتهامه بالمشاركة في نشر معلومات تخالف الرواية الرسمية بشأن حادث تعرض الرئيس لطلق ناري.
الجنرالات يحكمون
وإذا كانت المعارضة تتحدث عن مرشح توافقي، فإن جبهة الحزب الحاكم توحد جهودها كذلك في دعم مرشح آخر بديلا للرئيس الحالي الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 2008، أطاح بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد.
في نوفمبر الماضي، أجرى الرئيس الموريتاني تغييرات في مناصب عسكرية قيادية، الأمر الذي قدره مراقبون ببدء قادة المؤسسة العسكرية والأمنية الترتيب لخطوات تضمن الاستمرار في السلطة بعد 2019، من دون الإخلال بمقتضيات الدستور هذه المرة.
وبينما يؤكد الرئيس محمد ولد عبد العزيز عدم ترشحه لعهدة رئاسية جديدة، وُصفت التغييرات بأنها ذات دلالة في رسم حضور المؤسسة العسكرية والأمنية في المشهد السياسي قبيل الانتخابات الرئاسية.
وأصدر ولد عبد العزيز مرسوما بتعيين الفريق محمد الشيخ ولد محمد الأمين قائدا جديدا للأركان العامة للجيوش، قادما من منصب القائد المساعد للأركان الذي عين فيه منتصف العام الجاري حيث كان يتولى قبلها قيادة الجيش البري.
ويأتي التعيين الجديد بعد أسبوع من تعيين قائد الجيوش الموريتانية السابق صديق الرئيس المقرب الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني وزيرا للدفاع في الحكومة الجديدة.
ومثّل تعيين الصديق المقرب من الرئيس قائد الأركان العامة للجيوش سابقا الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني وزيرا للدفاع أبرز مفاجآت حراك التغييرات الأخيرة في مناصب قادة المؤسسة العسكرية والأمنية.
وبينما رأى كثيرون أن تعيين الغزواني وزيرا للدفاع هو الطريق نحو التقاعد الهادئ للرجل، وأنه لن يلعب دورًا محوريا في مستقبل البلاد كما كان متوقعا، يجزم آخرون أنه يخطو الخطوة الأولى في مشواره السياسي، والذي سيتوجه بالترشح لرئاسة الجمهورية.
ويوصف ولد الغزواني خلال السنوات الأخيرة بأنه مرشح السلطة الأوفر حظا في انتخابات 2019، بحكم المكانة التي يحظى بها داخل المؤسسة العسكرية، إلى جانب ثقة بعض القوى المدنية.
ورغم أن الرئيس الموريتاني لم يعلن عن مرشحه للرئاسة، فإن السنوات الأخيرة حملت تصاعد حضور صديق جديد آخر قادم من رحم المؤسسة العسكرية، وهو العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه الذي فاز برئاسة البرلمان مطلع أكتوبر الماضي، وسط تأكيدات مقربين منه بنيته الترشح في 2019، مما يشكل خطرا على حظوظ الفريق ولد الغزواني.
الإسلاميون منهكون
وباتت القوى الإسلامية في موريتانيا بموقف صعب، وربما تعمد النظام ذلك في خضم معركة تكسير العظام، والتي كانت أبرز حلقاتها بعد الانتخابات التشريعية والبلدية إغلاق مركز “تكوين العلماء” الذي يرأسه عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ محمد الحسن ولد الددو أحد أبرز المرجعيات العلمية الإسلامية بموريتانيا.
كما تزامن الإغلاق مع حملات إعلامية ودعوات لحل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، وهو الواجهة السياسية للتيار الإسلامي المعتدل هناك.
جاء إغلاق المركز بعد أيام من اتهامات وجهها الرئيس للتيار الإسلامي في مؤتمر صحفي، مؤكدا أن إجراءات لم يكشف عنها ستتخذ في وقتها.
واعتبر الرئيس الموريتاني أن حزب “تواصل”، الذي حل في المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم في انتخابات أغسطس الماضي “اعتمد في الحملة الانتخابية أساليب غير ديمقراطية توظف الدين في السياسة وتغالط البسطاء بالخلط بين شعار الحزب وشعار الحزب الحاكم”.
وفي خطبته لصلاة الجمعة باليوم التالي، شدد الشيخ ولد الددو على أنه لا يجوز تفضيل الإسرائيليين على المسلمين، وذلك بعدما وجّهت للرئيس اتهامات بأنه أثنى على إسرائيل حين قال إن القوى الإسلامية في بعض دول الربيع العربي أخطر على العرب من الإسرائيليين.
ورأى محللون أن إغلاق المركز بمثابة استيراد لأزمات الآخرين من أجل إرباك المشهد السياسي أمام تحولات واستحقاقات مهمة، في إشارة إلى انتخابات الرئاسة المقبلة.
وعُرف مسار العلاقة بين النظام والتيار الإسلامي في موريتانيا محطات عديدة من التقارب والخلاف منذ وصول ولد عبد العزيز إلى السلطة بانقلاب عسكري على الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله عام 2008.
وكان حزب تواصل على رأس القوى السياسية الرافضة للانقلاب، وبعد اتفاق دكار وتنظيم الانتخابات الرئاسية أصبح الحزب من أوائل القوى التي اعترفت بالنتائج، حيث صنّف ضمن ما بات يعرف حينها بـ”المعارضة الناصحة”، غير أن التوتّر عاد من جديد في 2011 مع اندلاع الربيع العربي عندما رفع الحزب وبقية المعارضة شعار “الرحيل” في وجه الرئيس.
اضف تعليقا