العدسة – منذر العلي:

تتكشف يومًا بعد يومًا حقيقة النظام الإماراتي بقيادة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وتسقط ورقات التوت تباعًا لتفضحه، ويُزال اللثام عن وجه قبيح يعاكس ما تحاول الإمارات الترويج له كرمز للسعادة والرفاهية.

ولعل أحدث تلك الورقات أسقطتها المعتقلة الإماراتية المصابة بالسرطان “علياء محمد عبد النور”، التي رفضت السلطات الإماراتية الإفراج الصحي عنها، رغم معاناتها من أمراض عدة، بحسب توثيق المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.

ففي 30 أكتوبر الماضي، أبلغ ديوان ولي العهد الإماراتي الأسرة برفضه “طلب الاسترحام” المقدم منهم للإفراج الصحي عن علياء، والذي كانت الأسرة قد قدمته في 17 من الشهر نفسه.

 

 

 

“بن زايد” لم يرحم مرضها، حيث تعاني المعتقلة التي تبلغ من العمر 40 عامًا من أورام سرطانية وتضخم بالغدد الليمفاوية وهشاشة عظام وتليف بالكبد، ووصلت حالتها لمراحل متأخرة تهدد حياتها بالخطر، بالمخالفة للقوانين الدولية والقانون الإماراتي الاتحادي.

“دموع” تفضح “بن زايد”

وبتاريخ 29 أكتوبر 2017 حصلت المنظمة على تسجيل لمكالمة هاتفية بينها وبين أسرتها من داخل مقر احتجازها في مستشفى المفرق في أبو ظبي.

المكالمة التي غلبت فيها أصوات البكاء على أصوات المتحدثين، نقلت جانبًا من معاناة “علياء”، وما يعانيه والدها ووالدتها المسنَّين من ألم الفراق والخوف والقلق على ابنتيهما المريضة، داعيَين لها بالصبر والتحمل والفرج من الله.

 

 

 

وقالت علياء بصوتها الخافت الممزوج بالدموع: “أشعر بضيق شديد في صدري، إنهم يتعمدون استفزازي، ودون أي سبب، يريدون مني أن أفتعل المشكلات، لا يريدون إلا المشاكل، لابد أن أتدنى بمستواي لكي أحصل على أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيئا، فقط أريد أن أتصل بكم”.

وتابعت: “يوم الأربعاء، طلبت منهم أن أتصل بكم، وتجاهلوا الأمر، تحملت، ونأيت بنفسي عن افتعال أي مشكلة معهم، لقد ظننت أن تجاهلهم لطلبي لن يطول، فإن تجاهلوه اليوم لن يتجاهلوه غدا، لم أعد أتحمل، بل ماذا سأتحمل؟”.

“أنا حبيسة هذه الغرفة المفرغة من كافة الإمكانيات، لا أرى أي شيء، محرومة من الخروج، محرومة حتى من الهواء، محرومة من أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيئا، لم أطلب معاملة متميزة، ومع هذا يستمر تنكيلهم، لماذا؟!” تتساءل علياء بدهشة.

يُذكر أن “علياء” تعرضت للاعتقال بتاريخ 29 يوليو 2015، من محل إقامتها بالإمارات، ثم تعرضت للاختفاء القسري في مكان مجهول لمدة 4 أشهر، دون السماح لها بالتواصل مع أسرتها، ودون الإفصاح عن أي معلومة تخص مصيرها لأي جهة، ثم تم عرضها فيما بعد على الجهات القضائية، ومحاكمتها بتهمة تمويل الإرهاب والتعامل مع إرهابيين خارج البلاد، قبل أن يُحكم عليها بالسجن 10 سنوات.

وقبل عام تقريبًا تم نقل علياء لمستشفى المفرق الحكومي بأبو ظبي، ولا زالت محتجزة به حتى الآن، داخل قسم الجراحة، الطابق 1- C1، وبالمشفى لم يختلف الوضع عن السجن كثيرًا، حيث تعاني هناك من الإهمال أيضًا، ولا يتم إعطاؤها أية أدوية سوى بعض المسكنات والأدوية المخدرة، وفق التقرير.

موت بالبطيء ومراسلات دولية

وفي رسالة كتبتها بخط يدها، في أغسطس الماضي، قصّت “علياء” فصولًا من التعنت والانتهاكات التي مارستها السلطات الإماراتية معها منذ اللحظة الأولى للاعتقال، حيث اقتحمت قوات الأمن المنزل دون إذن وفي غياب والدها، وكسّرت الأبواب والأثاث.

وارتكبت قوات “بن زايد” خلال اعتقالها جرائم مشينة – يتفاقم عارها خاصة في دول الخليج – حين دخلت على والدتها الغرفة دون حجاب ورفعت البنادق الآلية في وجهها، منتهكين ستر المرأة المُسنة.

تواصلت الانتهاكات مع “علياء” بضربها والتحقيق معها لساعات طويلة متواصلة، وإخفائها القسري في جهاز أمن الدولة 3 أشهر، معصوبة العينين مقيدة اليدين والقدمين.

وتحتجز حاليًا في ظروف غير آدمية، ويتم تهديدها مرارًا بعدم النوم لمدة أسبوع، وإجلاسها على كرسي مكهرب للتعذيب وآخر لكشف الكذب.

 

 

هذه الظروف، بحسب تقرير المنظمة، أدت لإصابة “علياء” بأورام سرطانية وتدهور حالتها الصحية بسبب رفض إدارة مقر احتجازها تقديم أي رعاية طبية لها.

المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قالت: إن “علياء” تتعرض لقتل بطيء ومنهجي على يد السلطات الأمنية الإماراتية عبر حرمانها من حقها في الحصول على العلاج المناسب خارج منظومة السجون.

وراسلت المنظمة الجهات المختصة في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ودولًا عديدة على علاقة وثيقة بدولة الإمارات من أجل تأمين الإفراج الصحي عنها لإنقاذ حياتها قبل فوات الأوان.

 

 

جوانتنامو الإمارات

لكن ومع فظاعة حالة “علياء” فإنها مرشحة للتكرار أو أن تكون متكررة بالفعل، في ظل انتهاكات واسعة وفضائح بالجملة تنالها السلطات الإماراتية في مجال حقوق الإنسان، وبخاصة أوضاع السجناء والمعتقلين السياسيين.

في أكتوبر الماضي، سلط فيلم وثائقي بعنوان “سجن الرزين.. جوانتنامو الإمارات”، الضوء على السجن سيء السمعة، والذي صنفه المركز الدولي لدراسات السجون العام الماضي ضمن أسوأ السجون العربية.

في قلب إمارة أبو ظبي وفي عمق 215 كيلومترا داخل الصحراء، أنشأ ولي العهد محمد بن زايد سجن “الرزين” ليكون مقبرة بحق المعارضين السياسيين، وبدأ البناء أوائل تسعينيات القرن الماضي ودُشن عام 2010.

وفي يونيو الماضي، دخل معتلون سياسيون في إضراب عن الطعام أطلقوا عليه اسم “معركة الأمعاء الخاوية”، بسبب ممارسات عنيفة وحرمان من الحقوق من قبل إدارة السجن وجهاز أمن الدولة الإماراتي تجاه النزلاء، إلى جانب السجن لفترات طويلة بلغت خمس سنوات لبعضهم دون محاكمات.

 

وفي تقرير له، رصد مركز الإمارات للدراسات والإعلام (إيماسك) 1491 انتهاكًا تعرض لها مواطنون ومقيمون في الدولة من قبل جهاز الأمن الإماراتي، أغلبها وقع في السجون السرية والرسمية بحق سجناء الرأي والتعبير.

ويقبع في السجون الرسمية والسرية 209 معتقلاً من (13 جنسية) كان الإماراتيون في المرتبة الأولى فيها بواقع 107 معتقلاً بينهم 79 من المطالبين بحرية الرأي والتعبير.