العدسة_ موسى العتيبي
يصفونها بالسلطنة المعزولة، والسلطنة الصامتة، والدولة الغامضة، وكثيرًا من الأوصاف المشابهة؛ حيث تغيب عن كافة الصراعات والخلافات الدولية، وتفضّل الانعزال عن الخلافات دائمًا، وإن تدخلت تختار لعب دور الوسيط.
لا تنحاز إلى طرف على حساب آخر، تتقارب مع أصدقائها، وتتواصل أيضًا مع أعداء أصدقائها، نظام الحكم بها “فردي” قائم على شخص واحد، ومصير البلاد إلى الآن غامض “بعد وفاته”.
“سلطنة عمان”.. دولة خليجية تقع في غرب آسيا، وتحتل المرتبة الثالثة من حيث المساحة في شبه الجزيرة العربية، والموقع الجنوبي الشرقي لها؛ إذ تبلغ مساحة السلطنة حوالي 309,500 كيلومترات مربعة، ويحدها من الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الغرب الجمهورية اليمنية، ومن الشمال الشرقي دولة الإمارات العربية المتحدة، وتشترك في حدودها البحرية مع إيران وباكستان والإمارات واليمن.
فما قصة سلطنة عمان؟ ولم تفضل الانعزال والغموض في مواقف والوساطة في أخرى؟ وما طبيعة علاقتها بأشقائها وجيرانها الخليجيين؟ وما موقفها من حصار قطر؟ وما علاقتها بإيران؟ وما الموقف الأمريكي منها؟ وكيف تدار تلك الدولة الغامضة؟ ومن سيحكم السلطنة حال رحيل “قابوس”؟
” سلطنة عُمان “
السلطنة وسياسة الوسيط
نجح السلطان قابوس؛ حاكم سلطنة عُمان، الذي يعد أقدم حاكم على وجه الأرض – يحكم السلطنة منذ عام 1970م – في أن يجنِّب بلاده العديد من المشكلات والقضايا الإقليمية والدولية، وقدّم نفسه على مدار سنوات طوال كوسيط للخلافات في القضايا الدولية، غير أنه مؤخرًا بات يفضّل سياسة الانعزال.
وظهر دور الوساطة العماني جليًّا خلال الحرب بين إيران والعراق في تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقتها مع إيران، وفي النهاية، ساعدت بالتوسط في وقف إطلاق النار.
وفي عامي 2010 و2011، تفاوضت عمان وسهّلت إطلاق سراح 3 طيارين أمريكيين كانوا محتجزين في إيران.
وفي عام 2012، استضافت أولى المحادثات الثنائية بين إيران والولايات المتّحدة، والتي قادت في نهاية المطاف إلى المفاوضات حول البرنامج النووي والاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
كما حافظت على علاقات فعالة مع كل أطراف الصراع السوري، واستضافت المحادثات بين الحكومة اليمنية، المدعومة من السعودية، وحكومة الرئيس «عبد ربه منصور هادي»، وبين متمرّدي الحوثي المدعومين من إيران.
لكنّ دور الوسيط الذي تلعبه “مسقط” لم يعجب دائمًا حلفاءها من دول الخليج العربية، خصوصًا حين قررت “عمان” تجنب المشاركة في عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد اليمن، حيث قررت عمان حينها الانكفاء على نفسها، وألّا يكون لها دور فعال في تلك الحرب.
الوساطة العمانية أيضًا تحولت للعزلة مع “أزمة الحصار الخليجي لقطر”؛ حيث قررت عمان عدم المشاركة في الحصار، إلا أنها أيضًا رفضت لعب دور الوسيط في تلك الأزمة، وتركت الفرصة للكويت التي فشلت – حتى الآن – في التقدم بخطوات ناجحة في تلك الأزمة.
“قابوس” في زيارة لإيران
لماذا تتقارب مع إيران؟
تُعتبَر العلاقات العُمانية الإيرانية نموذجًا فريدًا للعلاقات بين إيران والدول العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، رغم كل الصعوبات التي واجهتها عُمان للحفاظ على هذه العلاقات؛ مثل: ضغوط بلاد خليجية – كالسعودية – على عُمان، وحدَّة الصراعات الإقليمية بين إيران والسعودية في المنطقة.
ويذهب البعض عند تحليله لأسباب العلاقات الجيدة بين عُمان وإيران إلى مساهمة إيران – بشكل كبير – في ترسيخ حكم السلطان قابوس في البلاد، بعد أن بادرت بالاعتراف به حاكمًا لعُمان، بعد إزاحته لأبيه في 1970م، ثم ساعدته في إخماد ثورة ظفار التي واجهته في بداية حكمه من خلال إرسال قوات إلى عُمان.
وبهذا، فإن مراقبين يرون أن السلطان قابوس قد حفظ الجميل لإيران وأبقى على علاقته الجيدة بها، ومع إمكانية أن يكون هذا صحيحًا بعض الشيء، لكنه لا يرقى أن يكون سببًا جوهريًّا في الحفاظ على العلاقات بين الطرفين خلال كل تلك الفترة السابقة، خاصة وأن تلك المساعدة تمت في ظل نظام الشاه، وليس في عصر نظام الثورة الإسلامية التي تحكم الآن في إيران.
ويمكن القول إن أبرز الأسباب التي ساهمت في الحفاظ على هذه العلاقات الجيدة بين الطرفين تتلخص في التوجه العام للسياسة العُمانية، في ظل حكم قابوس، إلى الانفتاح على مختلف الأطراف، والنأي بالنفس عن الصراعات والمصادمات، بالإضافة إلى رغبة عُمان في الحفاظ على حركة مرور السفن في مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمر منه نحو 40% من نفط العالم المنقول بحرًا.
كما أن عُمان ترغب في الهدوء مع إيران كذلك لتسهيل التعاون في استخراج الغاز الطبيعي من بعض الحقول المشتركة بين الدولتين.
وبالإضافة لذلك، فإن عمان تربطها علاقات اقتصادية قوية بإيران؛ حيث تم تدشين خط ملاحي بين الدولتين بين مينائي بندر عباس الإيراني وصحار العُماني، كما أن عمان تستورد نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنويًّا، وكذلك أعلنت إيران عن استثمارات بقيمة 4 مليارات دولار في ميناء الدقم العُماني، ومشروعات بنية تحتية أخرى في عُمان.
وفي محاولة لتعميم مبدأ الاعتماد المتبادل كوسيلة لضمان الاستقرار في المنطقة، حاولت عُمان في مرحلة سابقة طرح مشروع للتجارة الحرة بين مجلس التعاون وإيران.
” قابوس ” و ” جون كيري “
علاقتها بأمريكا
ونظرًا لأن قوة وحضور الدور باتت تقاس بالعلاقات مع أمريكا، نظرًا للهيمنة الأمريكية على صناعة القرار في الشرق الأوسط، فإن من الطبيعي أن يتم التوقف عند علاقات سلطنة عمان بأمريكا.
وبالعودة للتاريخ، يتبين أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بعمان تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث أصبحت “أمريكا” هي الوريث الشرعي للنفوذ البريطاني في عمان، مع الإبقاء على دفء العلاقات بين الإنجليز والسلطنة.
وبعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1980م، وما تسببت فيه من مخاطر للغرب، وقعت الولايات المتحدة اتفاقية أمنية مع عمان تقضي بإقامة منشآت عسكرية أمريكية في السلطنة، والسماح لقواتها باستخدام منشآت عسكرية عمانية، وكانت عمان الدولة الخليجية السباقة في توقيع مثل هذا النوع من الاتفاقيات قبل أن تحذو حذوها دول خليجية أخرى.
ورغم تقلص التواجد العسكري الأمريكي بعمان في السنوات الأخيرة، فإن علاقة “السلطنة” بالولايات المتحدة الأمريكية تعدت مرحلة التحالف أو الصداقة، لتصل إلى مستويات أبعد من ذلك بكثير؛ حيث لا تزال عمان مركزًا لترتيب وإعداد العمليات الخاصة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في مختلف مناطق الشرق الأوسط، وفقًا لتقريرٍ لمركز أبحاث الكونغرس.
ويرى البعض أن الولايات المتحدة ترى في السلطنة اليد الناعمة لها في الشرق الأوسط؛ حيث تستغل سياستها الخارجية في إحداث حالة من التوازن بين دول المنطقة، كما تعتمد عليها كوسيط غير مباشر في كثير من القضايا الإقليمية، تمامًا كما فعلت في اتفاقية إيران النووية.
” يوسف بن علوي ” أحد المرشحين لحكم سلطنة عُمان
” تيمور بن أسعد ” أحد المرشحين لحكم سلطنة عُمان
” أسعد بن طارق ” أحد المرشحين لحكم سلطنة عُمان
” هيثم بن طارق ” أحد المرشحين لحكم سلطنة عُمان
” شهاب بن طارق ” أحد المرشحين لحكم سلطنة عُمان
من يخلف قابوس؟
يعد السلطان قابوس بن سعيد أحد أقدم الحكام في العالم أجمع؛ إذ يتربع على عرش السلطة في عُمان منذ 1970م، عقب الإطاحة بوالده سعيد بن تيمور، فيما أطلق عليها حينها (انقلاب القصر)، وعلى مدار ما يقرب من 46 عامًا نجح قابوس في تحييد السلطنة بعيدًا عن الصراعات الإقليمية والدولية، حتى باتت عُمان أشبه بالدولة المنسية والمعزولة في آن واحد.
ووفقًا لورقة بحثية – أصدرها معهد الشرق الأوسط – فإن سلطنة عمان المستقرة سياسيًّا واقتصاديًّا تواجه هاجسًا كبيرًا، وتحديًا خطيرًا – داخليًّا وخارجيًّا – بعد رحيل حاكمها الحالي قابوس بن سعيد؛ حيث إن عُمان ليس لها ولي عهد معروف أو خليفة تُجمع عليه فئات الشعب والحكومة، خاصة وأن السلطان الحالي ليس لديه أبناء ذكور أو أشقاء على قيد الحياة يتولون المنصب من بعده، وهو ما يجعل مستقبل العرش مهددًا عقب رحيله.
وتعرض قابوس خلال السنوات الأخيرة لأكثر من أزمة صحية عنيفة كادت أن تودي بحياته، آخرها إصابته بسرطان القولون في 2014؛ حيث تصدرت شائعة وفاته “مانشيتات” الصحف والمواقع حينها، وبات الحديث عن مستقبل السلطنة بعد قابوس حديث الساعة لكافة الفضائيات وقتها.
ويواجه عشرات الانتقادات في طريقة إدارته للحكم في البلاد، ويتلخص معظمها في إحكام قبضته على كافة مفاصل الدولة؛ حيث يتفرد وحده بما يزيد على 12 منصبًا متفرقًا بين عسكري وأمني وسياسي ومالي، في الوقت الذي يعاني فيه العمانيون من إشكالية الجهل بمعرفة نظام الحكم لديهم، أو قراءة ما يمكن أن يكون عليه الوضع مستقبلًا.
وبحسب البروفيسور أدرياس كريغ، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الخليجية، فإن “قابوس” قد اختار خليفته بالفعل وقراره جاهز، وهناك شائعات بوجود نسختين من وصيته؛ إحداها في مسقط، والأخرى في صلالة جنوبي البلاد.
ويرى مراقبون أن هذه الطريقة ضمان لتأمين اختيار قابوس لخليفته دون الحاجة لتسمية ولي عهد في حياته؛ إذ يحرص على تفرّده بالقرار السياسي، وتأمين عرشه من محاولات الانقلاب الناعمة.
ومن بين الأسماء المرشحة لخلافة قابوس: يوسف بن علوي، الذي تولى حقيبة الشؤون الخارجية للبلاد منذ 1994، وكان من الأوائل الذين تواصل معهم قابوس بعد توليه للسلطة، وأوفده لتمثيل البلاد في محافل رسمية عديدة، فيما ورد اسم الشاب تيمور بن أسعد (35 عامًا) في إحدى وثائق ويكيليكس عام 2011، كاسم مرشح ليتولى منصب ولاية العهد في عُمان، وهو ابن ابن عم السلطان قابوس.
فيما رجحت صحيفة وول ستريت جورنان، في تقرير سابق لها، 5 شخصيات لخلافة قابوس، هم أبناء عمومته الثلاثة: أسعد وهيثم وشهاب بن طارق، إلى جانب بعض الأسماء الأخرى الأقل حظًّا.
اضف تعليقا