وجه الناشط الفلسطيني والمدافع عن حقوق الإنسان عمر البرغوثي نداء إلى أصحاب الضمائر الحية في العالم للتضامن مع القضية الفلسطينية ومساندة الضحايا، واتباع ما أسماه “المقاومة السلمية” عن طريق مقاطعة إسرائيل اقتصادياً وتجارياً وفرض عقوبات عليها.

 في مقال رأي له في صحيفة الغارديان البريطانية، قال البرغوثي، مؤسس حركة “مقاطعة إسرائيل” التي استوحاها من النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا القرن الماضي، إن المقاومة السلمية التي ترمي إليها حركته لن تنجح دون دعم الشعوب.

 أشار البرغوثي في مقاله إلى مقولة الكاتبة الروائية الشهيرة “توني موريسون” في روايتها “Beloved”: “المفاهيم تنتمي إلى من يضعها لا من توضع لأجله”، مضيفاً أن الفلسطينيون تعلموا بالطريقة الصعبة أنه ما لم “نحدد أنفسنا بوضوح وما نريده، فإن الظالم المهيمن سيفعل ذلك بدلاً عنا، ويمحو تاريخنا ويسيطر على مستقبلنا”.

 ما يحدث الآن من القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين -في غزة والقدس واللد وعكا وحيفا وغيرها- والمقاومة الفلسطينية ساهم في تسليط الضوء على مفاهيم متعددة، مثل الصراع، والفصل العنصري، والمقاومة، والانتقام، والدفاع عن النفس، والصحافة الأخلاقية، والتعايش، والعدالة كما يرى البرغوثي، والتي ذكر أنها من بين مفاهيم متنازع عليها بشدة في هذه الآونة.

 لتذكير العالم بهذا الواجب، و للاحتجاج على الهجمات الإسرائيلية المروعة، وهي جزء مما يسميه العديد من الفلسطينيين بالنكبة المستمرة، قام الفلسطينيون في كل مكان بإضراب عام يوم الثلاثاء، فيما وصفه البرغوثي أنه تصرف “أكدنا وحدتنا كشعب أصلي [فلسطيني] في سعينا الشامل للتحرر، وكررنا مناشدتنا للتضامن الدولي الهادف، لا سيما من خلال المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل”، وهي ذاتها أهداف حركة البرغوثي التي يُرمز إليها بـ “بي دي إس”.

 تم إطلاق حركة المقاطعة السلمية والمناهضة للعنصرية عام 2005 من قبل أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني، يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عام 1967، والتمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، وإنهاء نظام إسرائيل المؤسسي والقانوني للهيمنة العرقية، وهو نظام يمارس التمييز العرقي بحسب تعريف الأمم المتحدة للفصل العنصري، وقد اعترفت بذلك منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرًا.

 تشن إسرائيل حرب قمع شاملة ضد حركة المقاطعة منذ سنوات، ويرجع ذلك جزئياً إلى دورها الرائد في تعميم الفصل العنصري لإسرائيل بين الطلاب والأكاديميين والفنانين والنقابات العمالية، فضلاً عن حركات العدالة الاجتماعية والعرقية والمناخية.

ومع ذلك، فإن اعتراف إسرائيل بالتأثير “الاستراتيجي” لحركة المقاطعة في حشد التضامن الدولي الفعال مع نضال التحرير الفلسطيني هو عامل رئيسي في حرب إسرائيل ضد هذه الحركة.

لكن ربما يكون العامل الأكثر أهمية وراء هذه الحرب هو حقيقة أن الحركة قضت على لامبالاة أولئك الذين لا يهتمون بالقضية الفلسطينية، وعلى تقاعس أولئك الذين لا يقومون بما يكفي لإدانة هذه الانتهاكات.

لقد أعادت حركة المقاطعة تعريف مفهوم التضامن بشكل جذري مع النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والمساواة، كالتزام أخلاقي لإنهاء التواطؤ مع قوات الاحتلال فوق كل شيء آخر.

في مواجهة الاضطهاد الصارخ في أي مكان، فإن اللامبالاة والتقاعس عن العمل أمرين غير أخلاقيين، خاصة عندما يكون لدى المرء القدرة على التصرف مع تيقنه أنه لن يتعرض لمعاناة أو أذى.

 أشار البرغوثي كذلك إلى تواطؤ عدد من الدول الغربية مع إسرائيل، حيث قال “عندما تزود دول ديمقراطية إلى حد ما، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، إسرائيل بتمويل أو أسلحة عسكرية غير مشروطة، أو تحميها من العقوبات والمساءلة بموجب القانون الدولي، فهي متواطئة في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين”.

 وأضاف “عندما تستفيد الشركات من توفير السلع أو الخدمات التي تمكّن إسرائيل من الحفاظ على نظام الاحتلال والفصل العنصري، فهي متواطئة”.

 “عندما تمتلك الصناديق السيادية أو صناديق الاستثمار التابعة للكنيسة أو الجامعة أسهماً في مثل هذه الشركات، فهي متواطئة”.

 “عندما يتجاوز الفنانون أو الرياضيون أو الأكاديميون خط الاعتصام الفلسطيني للمقاطعة ويشاركون في أحداث داخل إسرائيل أو تتم برعايتها، فإنهم متواطئون”.

 وأكد البرغوثي أن كل هذا التواطؤ يولد مسؤولية أخلاقية توجب على المواطنين التحرك، لمنع أموال ضرائبهم وأولئك الذين يتحدثون باسمهم من أن يكونوا شركاء في محاولات إسرائيل الدؤوبة لتحويل غزة وغيرها من الأحياء الفلسطينية إلى “مناطق لا وجود لها” كما يسميها “فرانتز فانون“.

 يشير انفجار التضامن غير المسبوق والملهم مع الفلسطينيين في الأيام الأخيرة إلى أن الملايين حول العالم يدركون الآن هذا الواجب الأخلاقي ويعمل الكثير منهم لإحداث التغيير المطلوب، حتى على مستوى السياسة. وخير مثال على ذلك -من وجهة نظر البرغوثي- بيان حركة “من أجل حياة السود”، التي طالبت بقطع 3.8 مليار دولار من التمويل العسكري السنوي لإسرائيل وفرض عقوبات عليها “حتى توقف إسرائيل ممارسات الفصل العنصري ومشروعها الاستيطاني”. بعض المشرعين الأمريكيين كذلك قاموا بتوجيه الإدانات لإسرائيل، حيث غردت المشرعة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز بشجاعة “دول الفصل العنصري ليست ديمقراطيات.”

 ولفت البرغوثي كذلك إلى شخصيات عامة ومشهورة ممن انضموا لحملات إدانة إسرائيل، مثل علي فيلشي من MSNBC وجون أوليفر من HBO، وأيقونات الموسيقى مثل “جون ليجاند”، وعدد من ممثلي هوليود مثل سوزان ساراندون، وفيولا ديفيس، وجون كوزاك، ووينتوورث ميلر، وناتالي بورتمان، جميعهم عبروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين بصورة لم تحدث من قبل، بل إن بعضهم غردوا ناشرين خريطة فلسطين الشهيرة التي تختفي في ظل الاستعمار الاستيطاني.

 على الأرض، يقاوم الفلسطينيون كل يوم محاولات الاحتلال لمحو الهوية وقتل الأمل وسلب الأرض. وفي ظل انتشار الصور المؤلمة للموت والدمار في غزة كما يقول البرغوثي “تركتني صورة بمزيج عميق من الألم والأمل… إنها صورة الشاب، عمارة أبو عوف، الذي لم يتخل عن رفع علامة النصر على شكل حرف V أثناء محاولة إنقاذه من تحت أنقاض مبنى في غزة دمرته قنبلة إسرائيلية وسوته بالأرض”، واختتم البرغوثي مقاله قائلاً إن مشهد الشاب عمارة عوف شبيه بأسطورة طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد “حسناً هذا هو تعريف المواطن الفلسطيني!”.

 للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا