العدسة – معتز أشرف:

“نتيجة للعمليات العسكرية التي نخوضها في سوريا والأحداث التاريخية التي تشهدها منطقتنا، بات من الضروري لتركيا تجاوز حالة الغموض في أسرع وقت ممكن”.. بهذا الكلمات برَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإجراءات الانتخابية المبكرة، وهو ما نرصد أبعاده في ظلّ تعقيدات المشهد الذي تتصدَّى فيه تركيا بتوزان وثبات للتحديات يومًا بعد يوم منذ إحباط الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2016 .

لا يمكن الانتظار!

في إعلانات متتالية، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أنَّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة ستجرى في 24 يونيو المقبل، بدلًا من العام المقبل، عقب اجتماع مغلق جمعه برئيس حزب الحركة القومية المعارض “دولت بهجه لي” في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة..

فيما أكّد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في تعليقه على الانتخابات المبكرة، أن “العملية المبكرة ستبدأ فورًا والمجلس الأعلى للانتخابات، من يقرِّر أسماء الأحزاب التي يحق لها المشاركة والتي لا يحق لها ذلك”، وبالتزامن مع ذلك، أعلن رئيس كتلة حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي مصطفى أليطاش، أنَّ مقترح قانون سيقدم إلى رئاسة البرلمان مساء الأربعاء، والذي ينصّ على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في الموعد الذي حدده أردوغان..

وأعرب نائب رئيس كتلة حزب العدالة والتنمية في البرلمان بولنت توران، عن أمله بأن تجتمع لجنة الدستور الجمعة المقبل لبحث مقترح القانون، ليتم عرضه على الجمعية العامة للبرلمان بداية الأسبوع المقبل لمناقشته وإقراره، كما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات التركية بدء إعداد جدول زمني للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة الأربعاء تنتهي منه خلال يومين.

وكان بهجلي الذي دعم أردوغان العام الماضي عندما أجرت تركيا استفتاءً، نصّ على توسيع صلاحيات الرئيس، قد دعا أمس الثلاثاء لإجراء انتخابات مبكرة، تجرى هذا العام، قائلًا: إنها سوف تضع نهاية لمحاولات التسبب في وقوع “فوضى”، وأطلق زعيم الحزب القومي الرئيسي في تركيا دولت بهجلي الذي أصبح حليفًا رئيسيًا للرئيس رجب طيب أردوغان، الثلاثاء العنان للتكهنات بإجراء انتخابات مبكرة، في تصريح فاجأ السياسيين الأتراك، وقال بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، إن تركيا لا يمكنها الانتظار حتى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر 2019، وقال بهجلي في اجتماع متلفز للحزب: “في هذا الوضع ليس من الممكن الانتظار حتى 3 نوفمبر 2019″، وأكّد “يجب أن يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع بروح من الاحتفال بنصر جديد”.

المعارضة ترحِّب

وفي المقابل قال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار اوغلو: ”نحن مستعدون للانتخابات، وأظهر التصريح الذي أدلى به أردوغان أنه سيخسر في هذه الانتخابات، الناس تعبوا من هذا على أي حال، وسنكون 2018 سنة الديمقراطية، وبحسب صحيفة حرييت “قرّر حزب الشعب الجمهوري إنشاء لجنة انتخابية خاصة٬ وسوف يعلن عن مرشحه لرئاسة الجمهورية في أقرب وقت ممكن”، فيما قال النائب حزب الشعب الجمهوري “تيزجان”: “لأنكم لا تستطيعون إدراة البلاد قمتم بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، ولكن الشعب سيعطي قرارَه، أعتقد أن هذه الطريقة هي الأمثل للتخلص من خيار الرجل الواحد وتحقيق استقرار الامة، وسنقضي على نظام الرجل الواحد٬ نحن مستعدون لهذه الانتخابات٬ مستعدون لهذا التحدّي٬ والشيء الذي يتعين على مجلس النواب عمله الآن هو إلغاء حالة الطوارئ، وتفضلوا بالتنافس”، متسائلًا: “أليس نظام الرجل الواحد هو من صنع المشاكل في سوريا والعراق، سوف تذهبون أنتم وستأتي قوة لتأسيس السلام في هذا البلد، وستكون منبثقة من صناديق الاقتراع”.

رسائل مهمة

رسائل عديدة بحسب المراقبين ولدت مع قرار أردوغان؛ فالرسالة الأولى تكشف عن تحالف انتخابي قوي، صنع تنسيقًا واضحًا للخروج بقرار الانتخابات المبكرة من غرفة السلطة وليس المعارضة، خاصة أنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أطلق عليه في وقت سابق «تحالف الشعب»، وهو ما دفع مراقبين محسوبين علي حزب الشعب الجمهوري المعارض إلى التعبير عن الدهشة؛ ففي وقت كانت الأنظار تتّجه الى انتخابات محلية في مارس من العام القادم تليها انتخابات رئاسية وبرلمانية في نوفمبر من نفس العام فُوجِئت الأوساط السياسية والشعبية في تركيا بالطبخة، بحسب وصفهم ، التي تمّ إعدادها بين حزب العدالة والتنمية من جهة وحزب الحركة القومية من جهة أخرى بالإعلان عن انتخابات قريبة جدًا..

وقال معلقون، إن بهجلي وفي عام 2002عندما كان في الائتلاف الحاكم، أطلق الانتخابات المبكرة التي وضعت حزب العدالة والتنمية في السلطة للمرة الأولى، ليحكم البلاد حتى الآن، وشكل أردوغان تحالفًا قويًا مع حزب الحركة القومية في الأشهر الأخيرة بهدف خوض الانتخابات معًا، ولم تظهر أي خلافات علنية بين الحزبين مؤخرًا، وكان بهجلي، الذي يقود حزبه منذ 1997، منتقدًا قويًا لأردوغان، إلا أنه تحالف مع الرئيس منذ الانقلاب الفاشل في يوليو 2016.

الرسالة الثانية هي تأكيد الالتفاف حول قرارات أردوغان الأخيرة في سوريا والتعامل مع مختلف الأزمات ومواصلة وتجديد شرعيته بعد الانقلاب العسكري الفاشل؛ حيث ستشكل هذه الانتخابات علامة فارقة في التاريخ التركي، بحسب مراقبين؛ لأنه من المقرر بعدها البدء في منح رئيس الدولة المزيد من السلطات بحسب استفتاء أبريل 2017، كما ستمنح الانتخابات أردوغان فرصة تمديد بقائه في السلطة خمسة أعوام أخرى بعد أن قضى 15 عامًا رئيسًا للوزراء، وبعد ذلك رئيسًا، وبحسب فايننشال تايم“، فإنَّ تصريح أردوغان تطور في اللحظة الأخيرة؛ حيث  أنكر أردوغان الأخبار التي قِيلت عن احتمال القيام بانتخابات مبكرة٬ لكن في كلمته أعرب عن قلقه من الوضع في سوريا والعراق والتي جعلت خيار الانتخابات المبكرة ضروريًا.

الوضع الاقتصادي له مكان في قرار أردوغان؛ حيث يرى مراقبون أنَّ الخلاف المتصاعد مع الولايات المتّحدة قد يؤدي إلى استخدام الأخيرة أسلحة اقتصادية في وجه تركيا تؤدّي إلى خلخلة الاقتصاد المحلي، ما يُثِير نقمة الناس على حزب العدالة والتنمية، ما يعني أنَّ الحزب ورئيسه سيتلقيان ضربة قوية في الانتخابات المقبلة، ولن يكون هناك وقتٌ كافٍ لإصلاح الأضرار الناجمة عن مثل هذا الأمر، وأنّ الحل الوحيد لإغلاق الباب على مثل هذا الاحتمال هو تقديم موعد الانتخابات لتحقيق الاستقرار المنشود، وإنهاء حالة الضبابية السائدة بخصوص الوضع الاقتصادي، ووضع القوى الخارجية إزاء الأمر الواقع مع استمرار سلطة الرئيس لخمس سنوات مقبلة على الأقل.

عدم توتير الداخل، كانت رسالة مهمة من أردوغان، فلم يتأخر بعد مناقشات عن الذهاب إلى الخيار الذي تميل له جبهات المعارضة؛ خاصة أن الأرضية جاهزة، بالفعل لإجراء انتخابات؛ فالتحالفات الأساسية تمّ الاتفاق عليها بين مختلف الأفرقاء، والقانون الانتخابي جرى اعتماده والانتهاء منه، والحملات الانتخابية تقاد من قبل مختلف الأحزاب منذ أشهر، وعليه فليس هناك من مبرِّر لوضع البلاد في موضع التأهّب أو الشلل، خاصّة أنّ باقي الأحزاب الرئيسية المعارضة في البلاد كانت قد ردّت بشكل إيجابي على دعوة رئيس حزب الحركة القومية بالقول: إنّها مستعدة أيضًا لمثل هذا التحدّي الذي يتضمن خوض انتخابات مبكرة.