العدسة – ربى الطاهر
نون النسوة، يقولون أن لها نصف الكون، ومن داخل ملفات القضية الفلسطينية تتشكل لها وبها آلاف المدارات، فهي من تنجب عشرات الأبناء كوسيلة رئيسية للمقاومة من أجل البقاء، ومن بينهن ومن كافة التيارات السياسية خرجت المقاومات والاستشهاديات والسياسيات، وكانت النتيجة المنطقية أن تشملهن السجون الصهيونية.
تعلق ضمير العالم بالشهر الأخير بصورة الطفلة ابنة الـ 16 عاماً “عهد التميمي”، التي تواجه اتهامات بالاعتداء على الاحتلال الاسرائيلي، الشهر الماضي، بعدما التقطت لها الكاميرات صورا وهي تركل وتصفع جنديين إسرائيليين، خارج منزل أسرتها، أصدرت إثرها السلطات الإسرائيلية أمرا باعتقالها، وستمثل أمام محكمة عسكرية إسرائيلية.
ويذكر أن القانون ينص على معاقبة أي بالغ مدان بالاعتداء على جندي أو مهاجمته بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات، إلا أن عمر عهد الصغير قد يساعد في عدم إصدار هذا الحكم عليها.
وكانت المواجهة قد وقعت بعدما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على قريب لها وأصابته برصاصة مطاطية في وجهه، ثم أطلقت الغاز المسيل للدموع على منزل أسرتهما، ولم يكن هذا هو الموقف الأول الذي عرف العالم أجمع الطفلة المناضلة “عهد التميمي” به، فقد بدأت مشوار النضال منذ أعوام وسُلطت أيضا الأضواء عليها في موقف سابق من العام 2012، أثناء تحديها للجنود الإسرائيليين الذين اعتدوا عليها وعلى والدتها الناشطة “ناريمان التميمي” في مسيرة سلمية مناهضة للاستيطان في قرية النبي صالح الواقعة غرب رام الله، في مشهد تناقلته وسائل إعلام عالمية.
وذلك قبل أن تتصدر للمرة الثانية صفحات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي بعدما تداول مقطع فيديو على نطاق واسع، وهي تصفع جنديين إسرائيلين مسلحين و”عهد” لا تزال طالبة في الثانوية العامة، الفرع الأدبي، في مدرسة البيرة الثانوية للبنات.
هذا وتمتلئ السجون بقصص أخرى تستحق إلقاء الضوء عليها، لبطولة صاحباتها الفريدة والمعاناة التي يتعرضن لها.
إسراء جعابيص
أم لطفل ومحكومة بالسجن لمدة 11 عاما، من شدة وجعها لا تستطيع الأسيرات ملازمتها في الزنزانة ذاتها، وتعاني إسراء من حروق في أنحاء جسدها، نتيجة إصابتها بعد إطلاق النار على سيارتها حين اعتقالها قبل عامين، على إثر ملاحقة واسعة للمقدسيات المشاركات في مظاهرات ضد منع الصلاة بالمسجد الأقصى.
حسب أسيرة اعتقلت معها عدة شهور، إسراء لا تستطيع تناول الطعام بيديها المصابتين، ولا القيام بأدنى مهام المعيشة اليومية، وتقول عائلتها إنها بحاجة لعدة عمليات عاجلة في عينيها ووجهها، ولفصل أذنيها الملتصقتين برأسها، ولعلاج إصابات بالغة في يديها وقد أكلتهما الحروق، ويرفض الاحتلال تحويلها للعلاج.
خديجة خويص
هي شهادات المربية والناشطة المقدسيّة، خديجة خويص، حول تعرضها للانتهاكات النفسية، حين أجبرت على خلع حجابها في الزنزانة رغم توسلاتها المستميتة بالرفض، بانتهاك صريح لحرية المعتقد الديني، والمس الواضح بخصوصية المعتقلة، مما استخدم كذلك كأداة ضغط.
كانت قضيتها مدخلاً لتحريك دعوى قضائية حقوقية أمام المحاكم الصهيونية، ولفتح الملف الشائك الأوسع من قبل “لجنة مناهضة تعذيب النساء” حول تعرض النساء الفلسطينيات للمضايقات والاعتداءات خلال عمليات الاعتقال والتحقيق من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية، دون مراعاة للوضع الصحي أو النفسي أو البعد الاجتماعي لأي من المعتقلات الفلسطينيات، لتصل الاعتداءات إلى حد ارتكاب جرائم تحرش جنسي واغتصاب، وانتهاك صريح لحقوق الإنسان الطبيعية.
هذا بينما عُرض تقرير لشبكة “الجزيرة” مؤخراً، قصة تعرض امرأة فلسطينية مقدسية للاغتصاب أثناء احتجازها بأحد مراكز الشرطة في القدس المحتلة، لم تعرض المرأة خلال فترة احتجازها (التعسفي أصلًا) على المحقق، بل قام أحد أفراد الشرطة باغتصابها بشكل مفجع، الأمر الذي شكل أداة للضغط عليها فيما بعد.
عبلة العدم
قصة هي الأخرى شديدة الخصوصية، فهى الأسيرة الأم لتسع أبناء، وتبلغ من العمر 45 عاما).
وبيّن النادي أن الأسيرة تعاني آلاماً حادة في الرأس ومعظم أنحاء جسدها، كما أنها لا ترى بعينها اليمنى، إضافة إلى وجود مشكلة في أذنها اليمنى، وأنها لم تعد قادرة على النوم نتيجة للأوجاع.
وذكر البيان أن “العدم” وهي أم لتسعة أبناء، تعرضت لإصابة بليغة في رأسها على يد قوات الاحتلال، قبل أن يتم اعتقالها قبل عام من الآن، وخلفت من ورائها طفلا رضيعًا رفضت المحكمة الصهيونية ضمه إليها خلف أسوار السجن.
جيهان حشيمة
“إنها لا تستطيع المشي، وتعتمد على الكرسي المتحرك في التنقّل، وذلك بعد أن أصابتها قوات الاحتلال بعدة رصاصات في قدمها اليسرى، خلال عملية اعتقالها بديسمبر 2016″، هذه هي إفادة نادي الأسير الفلسطيني مؤخرا حول الأسيرة “جيهان حشيمة”، وهي واحدة من بين 11 أسيرة فلسطينية، مصابة بطلقات نارية، ولا تتلقي العلاج المطلوب.
“لينا جربوني” عميدة الأسيرات الفلسطينيات
كانت فرحة الفلسطينيين واسعة عند إطلاق سراح الأسيرة “لينا جربوني”، إبريل الماضي، فهي أم الأسيرات التي قضت في سجن هشارون الإسرائيلي 15 عاما، وهي أطول مدة أسر لامرأة فلسطينية، فقد اعتقلت يوم 18 أبريل (نيسان) العام 2002، بتهمة الانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وحكمت عليها محكمة الاحتلال بالسجن 17 عاما، كانت حينها في الثامنة والعشرين من العمر، ثم رفضت قوات الاحتلال إدراج اسمها ضمن قائمة الأسرى في صفقة وفاء الأحرار “جلعاد شاليط” لتبادل الأسرى.
خروجها سمح بفتح الحديث عن انتهاكات واسعة تتعرض لها السيدات والفتيات الفلسطينيات داخل السجون الصهيونية، تبدأ بالتحرش اللفظي، وتنتهي بالاغتصاب.
تعرضت لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، بدءا بالوضع في العزل الانفرادي، وليس انتهاء بعدم علاجها بعد تفاقم وضعها الصحي، وكان من بين ما قالته : ” كان جنود الاحتلال يقومون باستخدام العصا الكهربائية أثناء التحقيق مع الأسيرات، وكذلك يقومون بإدخال الكلاب البوليسية لأماكن اعتقالهن بشكل مفاجئ، وكذلك يقوم جنود الاحتلال باقتحام أقسام النساء وتفتيشهن في الليل”.
خرجت “لينا” الملقبة أيضا بـ”عميدة الأسيرات “إلى بلدتها “عرابة البطوف” في مدينة عكا الواقعة بالداخل الفلسطيني، وهناك احتضنت في بيتها والدها الأسير السابق، الذي أمضى ثماني سنوات في سجون الاحتلال.
وهكذا تتسلم أجيال من أجيال بطولة دفع الضريبة وتحمل الوجع.
أرقام وبطولات وأوجاع
هذا وحسب “نادي الأسير الفلسطيني”، فقد بلغ عدد النساء اللاتي تعرضن للاعتقال خلال العام 2016، نحو 106 معتقلة بين فتاة وامرأة، مقابل 164 معتقلة، منهن 79 أسيرة مقدسية خلال العام 2017.
وفي نهاية العام 2017 بلغ عدد المعتقلات 53 معتقلة، بينهن 11 معتقلة قاصرا، و14 معتقلة مقدسية، وثلاث معتقلات إداريا، الأمر الذي دفع مصلحة سجون الاحتلال إلى افتتاح سجن الدامون خلال العام 2016، لاستيعاب المعتقلات، إلى جانب سجن الشارون، في إشارت إلى الارتفاع المستمر في نسب المعتقلات في سجون الاحتلال.
ويذكر أن هذه الأعداد هي الأعلى، منذ عملية تبادل “وفاء الأحرار”، والتي أنجزت بتاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2011، بين الحكومة الإسرائيلية وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بحسب التقرير السنوي للانتهاكات الإسرائيلية، الذي أجراه نادي الأسير الفلسطيني.
وفي هذا السياق، أصدرت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب بالسجون الإسرائيلية، تقريرا يرصد عدد حالات التعذيب الممنهج بين أعوام 2011 – 2017، وجاء فيه أن هناك 658 حالة تم رصدها عن طريق شهادات المعتقلين أو ذويهم أو محاميهم، و460 حالة تم رصدها خلال العام 2016، من قبل المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، و137 حالة رصدتها منظمات إسرائيلية مختلفة.
هذا وتسعى حركات المقاومة دوما إلى جعل ملف تبادل الأسيرات على أولوية قوائمها، بينما يبقى المجتمع الدولي متابعا صامتا، إن لم يكن متواطئا، على اقتراف مثل هذه الجرائم، بينما يعترفون بدولة “الكيان الصهيونية” كديمقراطية وحيدة بالشرق الأوسط.
اضف تعليقا