العدسة – جلال إدريس

مع بداية 2018، وفي صخب الاحتفالات بالعام الميلادي الجديد، كانت 4 أسر مصرية على موعد مع حدث مأساوي كبير، إذ أبلغتهم الجهات الأمنية بالتوجه إلى مشرحة “كوم الدكة” بمحافظة الإسكندرية، لتسلم جثامين ذويهم، بعد أن علقتهم السلطة على أعواد المشانق في اليوم الثاني من العام الجديد.

وبحسب مصادر أمنية، فإن الجهات الأمنية في سجن برج العرب بالإسكندرية، نفذت اليوم حكم الإعدام بعد صدور حكم نهائي واجب النفاذ من قبل محكمة عسكرية، على أربعة من معارضي السيسي، في القضية المعروفة إعلاميا بقضية “إستاد كفر الشيخ”.

ويأتي تنفيذ الإعدامات الجديدة اليوم، بعد أسبوع من إعدام سلطة عبد الفتاح السيسي 15 مصريا آخرين، في قضايا تزعم السلطات أنها مرتبطة بعنف وقتل، وسط نفي من المدانين ودفاعهم وكافة المراكز والجهات الحقوقية.

وبإعدامات اليوم، يرتفع عدد حالات الإعدام المرتبطة بقضايا سياسية في عهد عبد الفتاح السيسي إلى 27 حالة، جميعهم من معارضي السيسي، ليبقى السؤال مفتوحا، لماذا أصر السيسي على افتتاح العام الجديد بتنفيذ أحكام إعدامات؟ ولماذا يصر على تنفيذ تلك الأحكام رغم التشكيك في سير إجراءات محاكمتها، ورغم النداءات الحقوقية الدولية بوقف تنفيذها؟

 

بث الرعب قبل الانتخابات

الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي من المرتقب أن تجرى منتصف العام الجاري، يسعى السيسي أن تمر بهدوء تام، تعد الآن واحدة من أكبر اهتمامات السيسي وشغله الشاغل؛ إذ يحاول السيسي أن يمهد لها الأجواء والأوضاع في الشارع المصري، بحيث تمر بهدوء تام.

وفي إطار هذه التهيئة تشن الأجهزة الأمنية التابعة للسيسي، منذ بداية ديسمبر الماضي، حملات اعتقال واسعة ضد معارضين ونشطاء وصحفيين، وتوجه لهم تهما يؤكد المعتقلون وذويهم أنها تهم ملفقة.

السلطة تحاول باعتقال النشطاء والصحفيين، أن تتوقف الأحاديث عن شكل الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصا بعد ظهور منافسين للسيسي، قد يستطيعون تغيير شكل المعادلة في الانتخابات، إن مرت بشكل نزيه وديمقراطي.

الاعتقالات طالت أكثر من 15 صحفيا، خلال شهر ديسمبر، ونحو 200 معارض، وفقا لمصادر حقوقية، كما أن الاعتقالات طالت أنصار المرشح الرئاسي المحتمل أحمد شفيق.

وإلى جانب الاعتقالات ومحاولة إسكات صوت النشطاء والصحفيين والمعارضين، فإن السلطة تحاول- بتنفيذ الإعدامات- بث الرعب في نفوس رجل الشارع العادي، وإظهار السيسي كشخصية القوي المسيطر على ذمام الأمور، والذي ينفذ أحكام الإعدامات بحق معارضيه دون أن يمنعه شيء؛ وبالتالي، فإن السيسي بتلك الرسالة يقمع أي محاولة للتفكير في التمرد عليه، في نفس المواطن العادي، الذي ضاق ذرعا بحكم السيسي وقراراته الاقتصادية الصعبة.

 

تغطية على فشل محاربة الإرهاب

حوادث ” 2017 “

“الإرهاب المحتمل” الذي تحول إلى واقع أليم في عهد عبد الفتاح السيسي، بات كابوسا يسعى للتخلص منه، لكنه فشل في ذلك على مدار أربعة أعوام من حكمه، بل على العكس، تزايدت أحداث العنف والقتل في عهد “السيسي”، دون أن تقدم السلطة رؤية حقيقة واضحة لمواجهة هذا الإرهاب.

ويكتفي السيسي، وعلى مدار أربع أعوام،  بالقول إنه سيواجه “الإرهاب” بكل قوة وعنف، وبالتالي، فإن تنفيذ أحكام الإعدامات قد تكون محاولة من السلطة للتغطية على فشلها في محاربة الإرهاب، وفي نفس الوقت تنفيذ القوة والعنف اللذين وعد السيسي بهما.

ووفقا لمراقبين، فإن السلطة التي فشلت في مواجهة الإرهاب والعنف في سيناء، شرعت في بداية العام في تنفيذ أحكام الإعدام على شباب ألقي القبض عليهم قبل عدة أعوام، وصدرت بحقهم أحكام طالها كثير من الشكوك في محاكمات عسكرية تفتقد لأدنى درجات العدالة، فقط من أجل أن تغطي على فشلها الكبير في مواجهة الإرهاب والعنف الحقيقي، والتي كان للدولة جزاء كبير في صناعته.

وكانت مدينة حلوان جنوب القاهرة قد شهدت، الجمعة الماضية، حادثا إرهابيا تسبب فيه أحد الأشخاص بقتل 11 شخصا، حين هاجم كنيسة “مارمينا” بحلوان، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه بواسطة الأهالي بعد فشل الداخلية في مواجهته.

الحاث أثار لغطا كبيرا حول فشل الأجهزة الأمنية في التصدي لأية أحداث عنف، وعكس بشكل كبير القصور الأمني في تأمين المنشآت ودور العبادة المسيحية أو الإسلامية، حيث إن الحادث جاء بعد شهر تقريبا من الهجوم على مسجد الروضة بالعريش والذي راح ضحيته أكثر من 300 مسلم، أثناء أدائهم صلاة الجمعة.

وعقب أي حادث إرهاب أو عنف ترتفع العديد من الأصوات الموالية للسيسي، وأجهزة الإعلام المحسوبة عليه، بضرورة التوسع في أحكام الإعدام، وتنفيذ الأحكام النهائية، كنوع من الانتقام ممن يزعمون أنهم وراء هذه الأحداث، خاصة من المعارضين سواء من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أو غيرهم، وهو ما يفسر سرعة تنفيذ حكم الإعدام بحق “شباب كفر الشيخ”.

 

تمهيد لإعدام القيادات

قيادات “الإخوان المسلمين” في محبسهم

 

ولأن الأصوات تتعالى بإعدام المعارضين عقب أي حادث عنف أو إرهاب، فإن إعدام قيادات الإخوان المسلمين باتت النغمة الأعلى في كافة وسائل الإعلام التابعة للسلطة، فإن المسارعة في إعدام 4 شباب في قضية كفر الشيخ، قد يكون تمهيدا لإعدام قيادات جماعة الإخوان التي تسعى السلطة للتخلص منها بأي صورة ممكنة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يترك الإعلامي “أحمد موسى”- مقدم برنامج “على مسؤوليتي” والقريب من السلطة- مناسبة إلا وينتقد فيها تباطؤ القضاء في محاكمات قيادات الإخوان.

ولا يتوافر إحصاء دقيق بأحكام الإعدام غير النهائية التي ينظرها القضاء المصري، غير أن منظمات حقوقية غير رسمية تعدها بالعشرات.

وفي إطار السعي في تنفيذ أحكام الإعدامات دون المرور بإجراءات تقاضي عادلة، يسعى “برلمان السيسي”، فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع القانون الخاص بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، بما يضمن تحقيق العدالة المنصفة للحقوق.

وتتعلق التعديلات الجديدة بالشهود، في طلب الاستماع إليهم وحمايتهم، والإجراءات المتعلقة بالمعاينة والتفتيش، والتحقيق والمحاكمة، كما تتضمن أحكاما حول التعويض عن الحبس، لمن حبس احتياطيا أو حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية، ثم صدر أمر نهائي بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله، أو صدر حكم بات ببراءته من جميع التهم المنسوبة إليه، بما يمثل تعويضاً عن الأضرار المادية أو الأدبية التي لحقت به.

المستشار بهاء أبو شقة، رئيس اللجنة التشريعية ببرلمان السيسي، قال إنهم سيعملون خلال إصدار تعديلات قانون الإجراءات الجنائية على ضمان تحقيق العدالة الناجزة، فلا يمكن أن يظل متهما بقتل المصريين قيد المحاكمة لما يزيد عن 3 سنوات.

الشواهد السابقة تشير إلى سعي سلطات السيسي لتطبيق ما وصفها السيسي بـ”العدالة الناجزة” حين قال: إن “يد العدالة مكبلة بالقوانين”، وبالتالي، فإن تزايد تنفيذ أحكام الإعدامات، ربما يكون دليلا واضحا على أن السلطة أعطت للقضاء الضوء الأخضر بتجاوز درجات التقاضي الطبيعية، والإسراع في تنفيذ أحكام الإعدامات، حتى يدخل السيسي دورته الثانية في السلطة وقد أغلق ملف المعارضين بشكل تام.