كتب – باسم الشجاعي

لم يختلف عيد الفطر المبارك (يحتفل المسلمون به في أول يوم من شهر شوال الذي يأتي بعد صيام شهر رمضان؛ حيث يفطر فيه المسلمون، ولذلك سمي بهذا الاسم) في هذا العام (2018) في بعض البلدان العربية عن الأعوام الماضية.

فالأمنيات بإنهاء الحروب والصراعات، ووقف العمليات الإرهابية الدموية، وانتعاش الأوضاع الاقتصادية، لم تتحقق بعد، مما يجعله مناسبة لاسترجاع الأحزان.
وعلى وقع الحروب والصراعات الدموية التي تشهدها “اليمن وسوريا”، وغلاء الأسعار في “مصر وتونس” ، لم يعد العيد مناسبة للاحتفال وصلة الأرحام، بل أصبح مجرد أيام معدودات يطلق الصغار والكبار فيها الأمنيات من قلوب بات يسكنها الحزن.

وفي هذا التقرير يستعرض موقع (العدسة) جانب المعاناة التي يعشها أبناء الوطني العربي.

البداية من اليمن، الذي يسعى أهله لتجاوز الألم، بعدم الاستغناء عن عاداتهم وتقاليدهم في المواسم والأعياد؛ حيث يمثل العيد في اليمن الفرصة الوحيدة لسرقة الفرحة وسط كل الأحزان التي تعيشها الأسرة اليمنية.
ولكن يأبى هذا العام أن يمر مرار الكرام؛ حيث يختلف هذا العيد عن سابقه من الأعياد، فالفرحة منقوصة بسبب الفقر الناتج عن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، جراء الحرب والصراعات السياسية، والتي بدورها “غيبت” فرحة العيد عن الكثير من المجتمعات والبلدان العربية.
فاليمن السعيد لم يعد سعيدًا اليوم؛ حيث عاش اليمنيون طوال شهر رمضان المعظم في ظل ظروف معيشية وسياسية وأمنية صعبة واستثنائية تمر بها بلادهم، أدت لغياب الابتسامة والفرحة.
فالفئات الأشد فقرًا باتت تعيش على مساعدات تقدمها مؤسسات خيرية محلية تطلق مشاريع في المناسبات الدينية، منها مشروع كسوة العيد.
هذا ما كشفه المسح الوطني لرصد الحماية الاجتماعية الذي نفّذته وزارة التخطيط ومنظمة يونيسف، أن صندوق الرعاية الاجتماعية يعد أكبر نظام تحويلات نقدية حكومي في اليمن والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتظهر معلومات صندوق الرعاية الاجتماعية توقف صرف الإعانات النقدية كليًّا منذ بداية 2015، ما يعني تضرر حوالى 1.5 مليون حالة من الفئات الأشد حرمانًا في المجتمع، منهم 34% من المسنين، و27% من العاطلين عن العمل.
وتمثل النساء اللواتي لا عائل لهن حوالى 24% من إجمالي عدد الحالات، وأعلن البنك الدولي استئناف المساعدات في شهر أغسطس من العام 2016.
وعطلت الحرب مظاهر الحياة في المدن اليمنية، وقذفت بملايين اليمنيين إلى قاع الفقر، وسحقت الطبقة المتوسطة وشردت نحو ثلاثة ملايين يمني، كما انعدمت الخدمات وتوقفت الأعمال ومصادر الدخل، وسكتت أصوات الآلات في المصانع، مقابل ارتفاع أصوات الرصاص وازدهار تجارة السوق السوداء.
ويواجه اليمن أكبر مأساة إنسانية في العالم؛ حيث إن 18 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة من مجموع السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة، بينهم 7 ملايين شخص يعانون بالأساس من انعدام الأمن الغذائي، في ظل تصاعد القتال وتدمير المرافق الصحية وانتشار الأمراض والأوبئة، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وتسببت الحرب المستمرة في اليمن منذ مارس 2015، في كارثة إنسانية واقتصادية زادت من معاناة الناس، وأدت إلى توسع رقعة الفقر في البلد الذي يصنف من أحد أفقر بلدان العالم.

لسان حال السوريين: “بأي حال عدت يا عيد”؟!

أما عن سوريا فعيد الفطر الثامن يأتي ويعيش المواطن في الداخل، سواء في المناطق التي تخضع لسيطرة الثوار، أو المناطق التي ما زالت تحت سيطرة النظام، في ظل صعوبات جمة.
ويحاول الناس الاحتفال بهذا العيد، لاسيما بالنسبة للأطفال، ولكن تأتي هذه المناسبة السعيدة مجددًا مع استمرار القصف والحصار على المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار.
ليس هذا وحسب، وإنما يأتي العيد في ظل انهيار العملة السورية مقابل العملات العالمية الأخرى، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني في الداخل السوري، ومع شح فرص العمل والتدهور الاقتصادي.

ويأتي عيد الفطر أيضًا كغيره من أعياد الثورة السورية بمرارة وحرقة، فهذا الذي فقد ابنه، وذاك فقد أباه وأمه…، فيأتي عليهم العيد وكأنه جمرة تحرق أنفاسهم الممزوجة بالشوق لمن فقدوهم، وذلك وفق ما رصد موقع (العدسة) لتدوينات النشطاء السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي .
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن حصيلة جديدة لضحايا النزاع في سوريا، منذ مارس 2011 حتى مارس من العام الجاري (2018)، قتل أكثر من 350 ألف شخص.

“المرصد” أوضح أن من بين الضحايا هناك أكثر من 106 آلاف مدني بينهم 19 ألف طفل، وأحدث النزاع السوري دمارًا هائلًا في البنى التحتية، وأدى إلى نزوح أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وتشهد سوريا منذ سبع سنوات نزاعًا داميًا بدأ باحتجاجات سلمية ضد النظام، سرعان ما واجهها بالقمع والقوة قبل أن تصير حربًا مسلحة تشارك فيها أطراف عدة.

الغلاء يسلب الفرحة بمصر

وبعيدًا عن البلدان التي تشهد حروبًا، فإن الارتفاع الجنوني للأسعار التي تشهدها الأسواق المصرية، سرقت فرحة المصريين بعيد الفطر المبارك.
ووصلت أسعار الملابس خلال العام الجاري إلى الضعف، مقارنة بالأعوام السابقة، الأمر الذي أجبر أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة على اللجوء للأسواق الشعبية.
وخلال موسم عيد الفطر الجاري شهدت مصر ارتفاعًا في الأسعار بنسبة بلغت ما بين 100 و150%، نتيجة زيادة أسعار المواد الخام المستوردة، وارتفاع أسعار الأجور والكهرباء والضرائب، والغاز والماء والمواصلات، ومستلزمات الإنتاج التي تدخل في الصناعة، مثل الشماعات وأكياس التغليف، وذلك بحسب ما أكد رئيس الشعبة العامة للملابس بالاتحاد العام للغرف التجارية “يحيى الزنانيري”.

لم يمر العيد على تونس

وفي تونس لا يبدي التونسيون هذا العام انشغالًا كبيرًا بتوفير حاجيات العيد، بعدما احتلت نفقات التعليم والغذاء في هذه الفترة صدارة النفقات الأسرية.
ويتزامن عيد الفطر هذه السنة مع مواعيد إجراء امتحانات نهاية السنة الدراسية، ما يجعل التركيز لدى الأسر موجهًا إلى توفير مصاريف التعليم والدروس الخصوصية التي باتت تستأثر بجزء مهم من تركيبة الإنفاق لدى التونسيين ممن لديهم أطفال في سن الدراسة.
ويعوّل التونسيون على صرف مبكر للراتب الشهري من أجل تأمين حاجيات أطفالهم من مستلزمات العيد، فيما تؤكد منظمة الدفاع عن المستهلكين أن الزيادة الكبيرة في أسعار المنسوجات تسببت في عزوف التونسيين عن الشراء والبحث عن بدائل إما في السوق الموازية أو في أسواق الملابس القديمة.
وارتفعت أسعار الملابس والأحذية خلال شهر أبريل الماضي بنسبة 4.8% مقارنة بنسبة 0.9%، في شهر مارس 2018، بحسب البيانات التي أوردها معهد الإحصاء الحكومي.

ومن موسم إلى آخر، تتفاقم معاناة التونسيين بسبب تداعيات الغلاء على حياتهم اليومية وقدرتهم على مجابهة النفقات مقابل تواصل انزلاق سعر الدينار، ما دفع البنك المركزي في بداية مارس الماضي إلى رفع نسبة الفائدة الرئيسية لمعالجة الوضع، على الرغم من تداعيات القرار على الاستثمار، حسب خبراء الاقتصاد.