على مدى عقود، كانت غزة محط أنظار العالم بسبب الكارثة الإنسانية التي تعيشها بفعل الحصار الإسرائيلي. ومع ذلك، تظهر خلف الكواليس أطماع أكبر تتمثل في السيطرة على ثروات القطاع، وعلى رأسها الغاز الطبيعي المكتشف قبالة سواحل غزة.

 يبدو أن هذه الثروة الهائلة هي المحرك الأساسي للسياسات الإسرائيلية والأميركية تجاه القطاع، وهو ما يفسر التصريحات والمواقف التي تتحدث عن تهجير سكان غزة.

كنز مدفون تحت الحصار

يُقدر احتياطي الغاز الطبيعي في قطاع غزة بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب، مما يجعل البحر قبالة القطاع أحد أهم مواقع الثروات الطبيعية في المنطقة. 

منذ اكتشاف الغاز عام 1999، وضعت إسرائيل يدها فعلياً على هذه الثروة، مانعة الفلسطينيين من الاستفادة منها، بحجة المخاوف الأمنية.

في المقابل، تعتبر الولايات المتحدة هذا الغاز فرصة اقتصادية هائلة، خاصة في ظل الحاجة المتزايدة للغاز الطبيعي كمصدر نظيف للطاقة. ومع عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، يبدو أن الغاز أصبح محوراً رئيسياً في المخططات الأميركية والإسرائيلية تجاه غزة.

سياسة التهجير.. قناع للسيطرة على الموارد

منذ إعلان دونالد ترامب خلال ولايته الأولى عن “صفقة القرن”، ظهرت مؤشرات واضحة على نية الإدارة الأميركية إعادة تشكيل الوضع في غزة بما يخدم مصالحها ومصالح الاحتلال الإسرائيلي. وتتمثل الخطة الأساسية في:

  1. تهجير سكان غزة: تهجير سكان القطاع إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، لتفريغ المنطقة من سكانها وتقليل الضغط الديموغرافي على إسرائيل.
  2. السيطرة المباشرة على القطاع: عبر خلق منطقة خالية من السكان، يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة التحكم في موارد غزة الطبيعية دون الحاجة للتعامل مع سكان يعارضون سياسات الاحتلال.
  3. دمج غزة في مشاريع إقليمية: تحويل غزة إلى جزء من مشاريع إقليمية اقتصادية، مثل “الممر الهندي الشرق أوسطي”، الذي يربط الهند بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل، مستفيدين من موقع غزة الاستراتيجي.

ترامب والغاز.. شراكة الأطماع

خلال ولاية ترامب الأولى، أظهرت إدارته استعداداً لدعم إسرائيل في كل مخططاتها للسيطرة على الموارد الفلسطينية. ومع اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، زادت أهمية غزة بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل.

ترامب لم يُخفِ نواياه في توسيع نطاق السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. ومن بين تصريحاته المثيرة للجدل، كان الحديث عن ضرورة استغلال “ثروات غزة”، مع تلميحات إلى “إعادة توجيه” سكان القطاع إلى مناطق أخرى، بحجة تحسين الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.

لماذا غزة الآن؟

  1. أزمة الطاقة العالمية: مع تصاعد الطلب على الغاز الطبيعي، وخاصة بعد النزاعات الجيوسياسية مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استغلال كل مصدر ممكن للطاقة.
  2. تأمين المصالح الإسرائيلية: قطاع غزة يمثل تحدياً مستمراً لإسرائيل، لكن السيطرة على موارده الطبيعية، وتهجير سكانه، قد يحقق لإسرائيل مكاسب استراتيجية هائلة.
  3. مشاريع اقتصادية إقليمية: إدماج غزة في شبكة اقتصادية إقليمية يمكن أن يجعلها محوراً للنقل والطاقة، مع استغلال الموانئ والبنية التحتية المستقبلية.

كيف يخطط ترامب لتنفيذ الخطة؟

  1. الترويج لمشاريع اقتصادية: إغراء الدول المجاورة، مثل مصر، بمشاريع اقتصادية ضخمة مقابل استقبال سكان غزة. هذه المشاريع تشمل الاستثمار في البنية التحتية والطاقة.
  2. تحريض دولي ضد غزة: الترويج بأن غزة أصبحت “معقلاً للإرهاب”، مما يبرر التدخل المباشر والسيطرة على مواردها.
  3. تنسيق مع حلفاء إقليميين: إشراك دول عربية في تنفيذ خطة التهجير تحت غطاء دعم “السلام الإقليمي” والتنمية الاقتصادية.

المخاطر والتداعيات

  1. تهديد الوجود الفلسطيني: تهجير سكان غزة يعني القضاء على جزء أساسي من القضية الفلسطينية، وطمس الهوية الفلسطينية في القطاع.
  2. تعزيز الهيمنة الإسرائيلية: السيطرة على موارد غزة ستعطي إسرائيل ميزة اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى تعزيز سيطرتها الجغرافية.
  3. اضطرابات إقليمية: تهجير سكان غزة سيؤدي إلى أزمات إنسانية وسياسية في الدول المجاورة، مثل مصر والأردن، مما قد يخلق حالة من عدم الاستقرار الإقليمي.

دور المقاومة الفلسطينية

رغم الضغوط الإسرائيلية والأميركية، لا تزال المقاومة الفلسطينية في غزة تقف حاجزاً أمام تنفيذ هذه المخططات. فهي لا تدافع فقط عن سكان القطاع، بل أيضاً عن حق الفلسطينيين في الاستفادة من مواردهم الطبيعية. استهداف المقاومة هو جزء أساسي من استراتيجية الاحتلال لتسهيل السيطرة على القطاع وثرواته.

الغاز مقابل الحقوق

محاولات ترامب وإسرائيل لتهجير سكان غزة والسيطرة على مواردها ليست إلا امتداداً لسياسات الاحتلال القائمة على استغلال الثروات وطمس الهوية الفلسطينية. الغاز الطبيعي الذي يُفترض أن يكون نعمة لأهالي غزة، أصبح لعنة تُستخدم لتبرير الحصار والتهجير.

على الفلسطينيين والمجتمع الدولي أن يدركوا أن القضية ليست فقط قضية إنسانية أو سياسية، بل هي أيضاً معركة على الموارد. الغاز الطبيعي في غزة يمثل ثروة هائلة يمكن أن تكون مفتاحاً لتحرير القطاع من أزماته، إذا ما استُخدمت في خدمة الفلسطينيين أنفسهم، وليس في خدمة الاحتلال وأطماع حلفائه.

اقرأ أيضا: يوم السبت.. هل ينكسر جنون ترامب أمام صمود غزة.. أم ينكسر العالم بانكسارها؟