العدسة _ معتز أشرف
عقل فلسطيني مبدع وناجح، لكن ليس لدى الكيان الصهيوني أية إمكانية لقبول وجوده على وجه الحياة، فكان القرار باغتياله غدرًا فجر السبت في ماليزيا، حيث يستهدف الموساد الإسرائيلي بحسب وثائق ووقائع ومراقبين علماء عربًا ومسلمين في كثير من البلدان، بهدف عدم منح أي تفوق للوجود العربي والإسلامي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، نرصد محطات الشهيد الأغر ومسلسل الاغتيالات الصهيونية بحق العقول الفلسطينية في هذا التقرير.
ماذا حدث؟
برصاصات مجهولة يرجح أنها خرجت من بنادق الموساد بحسب اتهامات عائلته، ارتقى فادي محمد البطش (35 عامًا)، من مواليد جباليا، شمال قطاع غزة، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، ويقيم في ماليزيا منذ سنوات، وفي صباح اليوم السبت، صعد إلى الرفيق الأعلى بعدة رصاصات اخترقت رأسه وجسده، أثناء توجهه لصلاة الفجر، في العاصمة الماليزية كوالالالمبور، وقال شهود عيان: إن المنفذين يحملون سمات غربية وليست آسيوية.
ونقلت مصادر فلسطينية عن قائد الشرطة الماليزية قوله، إن شخصين يستقلان دراجة نارية أطلقا 10 رصاصات على البطش، في تمام الساعة السادسة صباحًا، وإحدى الرصاصات أصابت رأسه بشكل مباشر، فيما أصيب جسده بوابل من النيران، ما أدى إلى وفاته على الفور، والشرطة باشرت التحقيق.
الشهيد الفذ
الشهيد عقلية فذة، حصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية من الجامعة الإسلامية بغزة، أواخر عام 2009، كما حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية، من جامعة ملايا بماليزيا عام 2015، وكان بحثه بعنوان: “رفع كفاءة شبكات نقل الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا إلكترونيات القوى”، وكان يعمل أستاذًا جامعيًّا في الهندسة الكهربائية، تخصص إلكترونيات القوى، في جامعة كوالالالمبور، وخلال رحلته الأكاديمية، نشر الشهيد 18 بحثًا محكمًا في مجلات عالمية ومؤتمرات دولية، وشارك في مؤتمر دولي في اليابان، كما شارك بأبحاث علمية محكمة في مؤتمرات دولية عقدت في بريطانيا، وفنلندا، وإسبانيا، والسعودية، علاوة على المشاركة في مؤتمرات محلية في ماليزيا.
وبحسب موقع (Researchgate)، فقد بلغ عدد من قرأ أبحاثه من جميع دول العالم نحو 5500، بجانب أكثر من 60 اقتباسًا، وكذلك حصل على المركز الأول في مسابقة (University of Malaya Three-Minute-Thesis Competition 2015)، التي تهتم بتلخيص بحث الدكتوراه لغير المختصين في صفحة عرض واحدة ثابتة، ولديه براءة اختراع في رفع كفاءة شبكات نقل الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا إلكترونيات القوى، إذ نجح فعليًّا في اختراع جهاز يعتمد تصميمه على تكنولوجيا إلكترونيات القوى، ومن ثم توصيله بشبكة نقل الطاقة الكهربائية، وتحسين كفاءة الشبكة بنسبة تصل لــ 18 % ، ويحقق البحث في حال تطبيق فكرته عدة فوائد، أهمها تقليل الفقد في الطاقة (Power Losses) الذي ينتج عن عملية نقل الطاقة الكهربائية من محطات توليد الطاقة الكهربائية عبر خطوط النقل إلى المستهلكين، إلى جانب تحسين كفاءة شبكة نقل الكهرباء عمومًا.
الشهيد حصل كذلك على العديد من الجوائز العلمية الرفيعة، ومنها جائزة منحة “خزانة” الماليزية عام 2016، والتي تعد الأرفع من ناحية الجودة؛ وذلك مكافأة له على التميز العلمي والأكاديمي، وتحقيقه جملة من الإنجازات العلمية التي أهّلته للفوز، كأول عربيّ يتوج بها، وكان من المفترض أن يغادر ماليزيا الأحد إلى تركيا لترؤس مؤتمر علمي دولي في الطاقة هناك، لكن كان للكيان الصهيوني رأي آخر .
اتهام الموساد
من جانبها، نعت حركة المقاومة الإسلامية “حماس“، العالم “البطش”، وفي بيان صحفي قالت الحركة، إنها “تنعى ابنًا من أبنائها البررة، وفارسًا من فرسانها، وعالمًا من علماء فلسطين الشباب، وحافظًا لكتاب الله”، فيما أشادت الحركة بإنجازات العالم الشاب وإبداعه العلمي، وإسهاماته المهمة في مؤتمرات دولية في مجال الطاقة، حيث كان الشهيد نموذجًا في الدعوة إلى الله، والعمل من أجل القضية الفلسطينية.
بدورها اتهمت عائلة البطش جهاز الموساد “الإسرائيلي”، بالوقوف خلف عملية الاغتيال التي استهدفت العالم الشهيد فادي.
كما أدانت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، اغتيال الدكتور “البطش”، وحملت لجنة المتابعة، دولة الاحتلال وجهاز الموساد الإسرائيلي المسؤولية عن عملية الاغتيال الجبانة، مطالبةً السلطات الماليزية بالسرعة فى الكشف عن الجناة المجرمين واعتقالهم قبل تمكنهم من الهرب ومغادرة ماليزيا، واعتبرت لجنة المتابعة أن عملية الاغتيال، وكل ما سبقها من عمليات اغتيال استهدفت العلماء الفلسطينيين والعرب، تؤكد أن دولة الاحتلال ستبقى دولة مارقة عن القانون الدولي، وتتصرف كعصابة من القتلة، طالما أفلتت في كل مرة من العقاب على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها، مؤكدة أن الدكتور “البطش” ارتقى شهيدًا فداء للشعب والوطن والقضية الفلسطينية، وأن دماءه التي أريقت في ماليزيا ستنير الطريق إلى النصر والتحرير والعودة.
مسلسل طويل!
استهداف العالم فادي البطش، يفتح ملف الاغتيالات التي نفذها الموساد الإسرائيلي بحق علماء عرب ومسلمين تميزوا بتفوقهم العلمي والأكاديمي في مجالات عدة، ومنهم العالم المصري “مصطفى مشرفة”، الذي وُلد في دمياط 11 يوليو 1898، وكان أشهر عالم فيزياء مصري، وأول عميد مصري لكلية العلوم، ومُنح درجة أستاذ من جامعة القاهرة ولم يبلغ عمره الثلاثين عامًا، وكان أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة، وأحد الذين ناهضوا استخدامها في صنع الأسلحة في الحروب، كما كان أول من أضاف فكرة “إمكانية صنع مثل هذه القنبلة من الهيدروجين”، لكن الكيان الصهيوني لم يقبل وجوده حيًّا.
وكذلك العالمة سميرة موسى، والتي اغتيلت في حادث سيارة عام 1952، حيث كانت مهتمة وقلقة إزاء مخاطر انتشار الأنشطة النووية الإسرائيلية المتزايدة.
وعالم الذرة المصري “يحيى المشد” عام 1980، وقد تخرج في قسم الكهرباء في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية سنة 1952، واختير لبعثة الدكتوراه إلى لندن عام 1956، لكن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حوله إلى موسكو، وقضى هناك 6 سنوات، وعاد عام 1963، متخصصًا في هندسة المفاعلات النووية، وبعد عودته إلى القاهرة استعارته جامعة بغداد لمدة 4 سنوات، لكن السلطات العراقية تمسكت به، وعمل في مؤسسة الطاقة الذرية العراقية إلى جانب التدريس لبعض الوقت في كلية التكنولوجيا، واغتاله الموساد غدرًا، واعترفت “إسرائيل” وأمريكا رسميًّا باغتياله من خلال فيلم تسجيلي عرضته قناة “ديسكفري” الوثائقية الأمريكية تحت عنوان “غارة على المفاعل”.
الموساد تورط كذلك في اغتيال 5 من علماء الطاقة السوريين، يوم 10 أكتوبر 2014، ففي أثناء الحديث عن المعارك في عين العرب (كوباني)، وانتقال قوات من البشمركة العراقية إلى هناك، واستحكام الجدل حول الدور التركي، وقيام قوات التحالف الدولي الجديد بقصف مناطق عديدة في سوريا والعراق، أقدمت “إسرائيل” على اغتيال العلماء السوريين، وذلك عن طريق استهداف سيارة كبيرة في منطقة برزة بدمشق تحت سيطرة الحكومة السورية، أدت إلى مصرع خمسة أشخاص، واتضح أنهم من علماء الطاقة النووية في سوريا، ومن العلماء العراقيين الذين استهدفهم الموساد، العالم اللبناني حسن كامل الصباح، والملقب بـ”أديسون العرب” كان له أكثر من 170 بحثًا في مجال الهندسة الكهربائية، واغتيل في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1935، والعالم جمال حمدان، يعد من أهم علماء الجغرافيا العرب، حيث كشف حقيقة اليهود، مؤكدًا أن اليهود الحاليين ليسوا أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من القدس قبل الميلاد، وإنما هم أحفاد إمبراطورية الخزر، التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، عبر العديد من كتبه وأشهرها “اليهود أنثروبولوجيا”، والعالم التونسي المهندس محمد الزواري، الذي اغتاله جهاز الموساد الإسرائيلي في تونس عام 2016، وهو من الشخصيات العلمية التي طوّرت الطائرات دون طيار، إضافة إلى مشروع غواصة مسيَّرة عن بعد، وعقب اغتياله عرف دوره في الإشراف على مشروع تطوير صناعة الطائرات دون طيار في وحدة التصنيع في كتائب القسام، والتي أطلق عليها اسم “أبابيل1”.
كما شهد العام الحالي (2018) منذ بدايته سلسلة من عمليات الاغتيالات التي تثير الشكوك حول وقوف جهاز الموساد “الإسرائيلي” خلفها، وهي: م. هشام سليم مراد، طالب لبناني تخصص فيزياء نووية، اغتيل في فرنسا بتاريخ 28-2 -2018، وحسن علي خير الدين، طالب لبناني في كندا، اغتيل بتاريخ 25-2-2018، بسبب أطروحة الدكتوراه حول سيطرة اليهود على الاقتصاد العالمي، والتي هُدِّد قبلها إن استمر في بحثه حول اليهود، وم. ايمان حسام الرزة، نابغة فلسطينية وجدت جثة هامدة بمدينة رام الله بتاريخ 25-3-2018، وتعمل مستشارة في الكيمياء، ابتزّها ضابط مخابرات “إسرائيلي” قبل مقتلها بمدّة وجيزة، لينضم لهم العالم الدكتور مهندس فادي محمد البطش، في يوم السبت الذي تكلل بالأحزان لفقده.
اضف تعليقا