العدسة – جلال إدريس

إلى أين يسير قطاع غزة؟ سؤال يطرح نفسه مع تأزم الأوضاع في القطاع المحاصر بصورة غير مسبوقة،  بلغت إلى حد إغلاق المؤسسات الصحية أبوابها في وجه المترددين عليها بسبب نفاد الوقود.

الحياة في القطاع أصبحت غير صالحة للشرب، البطالة انتشرت بشكل غير مسبوق، مصير مليوني فلسطيني بات مهددا بسبب استمرار الحصار الضاري على القطاع من جانبي الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية.

ومع تفاقم الأوضاع في القطاع، بدأت تلوح في الأفق، أحاديث متناثرة عن احتمالية نشوب حرب إسرائيلية على القطاع في وقت قريب، الأمر الذي سيزيد سوءا في ظل صمت عربي، وتخاذل دولي كبير.

العدسة ومن خلال التقرير التالي تحاول تسليط الضوء على الأوضاع المأساوية في القطاع المحاصر، وكذلك تطرح الخيارات المتوقعة بشأن نشوب الحرب من عدمها:

حصار من كل الاتجاهات

يشبّه الناس في غزة حياتهم الآن بالموت سريرياً، في انتظار إنعاشهم أو إتمام مراسم دفنهم، وباتوا يتوقعون خيارات صعبة لمن يحكم غزة.

ورغم أن حكومة الوفاق الفلسطينى برئاسة رامي الحمد الله قد تسلمت مسؤولية معابر القطاع فى الأول من نوفمبر الماضى بعدما سيطرت عليها حركة حماس لنحو عشر سنوات، إلا أن الأوضاع في غزة اتجهت لمزيد من التأزم.

وبدلا من التفاؤل الذي كان يملأ جنبات القطاع بعد تسلم “السلطة” غزة، تحول الأمر إلى يأس شديد، حيث يرى الفلسطينيون أن قطاع غزة لم يزدد إلا حصارا وفقرا مع مجيء حكومة الحمد الله.

ومنذ أحد عشر عاما تفرض إسرائيل حصارا مشددا برا وجوا وبحرا على القطاع، حيث تزعم إسرائيل أن الحصار ضروري لمنع دخول مواد قد تستخدم لأهداف عسكرية في القطاع الفقير.

فيما تفرض السلطة الفلسطينية إجراءات حصار قاسية على قطاع غزة من بينها إحالة آلاف الموظفين العموميين للتقاعد المبكر وخفض رواتب موظفيها بنسبة ثلاثين بالمائة تقريبا قبل عشرة أشهر، وذلك كنوع من أنواع الضغط على حماس لإرغامها على الاستسلام لشروط وإملاءات السلطة.

فيما تغلق مصر من جانبها بصورة متواصلة منفذ رفح البري الذي يصل قطاع غزة مع العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية.

المستشفيات تغلق أبوابها

وإلى جانب ذلك فإن الناطق بلسان وزارة الصحة في قطاع غزة، د. أشرف القدرة  كشف عن أن المولدات الكهربائية  قد توقفت تماما في ثلاثة مراكز صحية إضافية عن العمل، لتصل عدد المرافق الصحية التي توقفت مولداتها إلى 3 مشافٍ و13 مركزا صحيا، وذلك بسبب نفاد الوقود.

وبحسب “القدرة” فقد توقفت المولدات الكهربائية الاثنين في مراكز “الزوايدة” و”البريج” المركزية و”البركة” عن العمل.

وتوقفت خلال الأيام الماضية مولدات الكهرباء بثلاثة مستشفيات و13 مركزًا صحيًا في أنحاء القطاع بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيلها.

وبسبب أزمة الكهرباء في قطاع غزة تضطر المستشفيات في القطاع الى استخدام المولدات الكهربائية لإنتاج الطاقة الحيوية، وبحسب وزارة الصحة في غزة فهي بحاجة إلى 450 ألف ليتر من السولار شهريا على الأقل، وقد تبلغ 950 ألف ليتر شهريا في حال ساء الوضع وزادت ساعات الانقطاع.

نقص حاد في الأدوية

من جانب آخر، بلغ عدد الأصناف الصفرية من الأدوية (230) صنفا دوائيا لترتفع نسبة العجز إلى (46%)، فيما وصلت نسبة العجز من قائمة المستهلكات والمستلزمات الطبية المتداولة إلى 30%، وترتفع نسبة العجز في لوازم المختبرات وبنوك الدم إلى 58%.

وكان الناطق باسم الصحة في غزة قد أعلن أواخر يناير الماضي عن تخصيص وزير الصحة بحكومة الوفاق مليون شاقل لتزويد المرافق الصحية في غزة بالوقود، لكنه قال إن المبلغ لم يصل حتى اليوم.

وكانت إسرائيل قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستسمح بإدخال مولدات كهربائية إلى قطاع غزة، وذلك خلال استعراض مندوبها في مؤتمر المانحين ببروكسل، الخطة الإسرائيلية لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة والتي تنص على إقامة منشآت لإزالة ملوحة مياه البحر ومشاريع أخرى في مجال الكهرباء والغاز وتطوير المنطقة الصناعية ايرز، والتي تكلفت مليار دولار طالبت إسرائيل الدول المانحة بتوفيرها.

توقف تسلم البضائع

من جهة أخرى فإن عددا من مؤسسات القطاع الخاص في غزة، قد قررت  منع دخول البضائع التى تورد من إسرائيل إلى غزة ليوم واحد الثلاثاء احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية “الكارثية”، وفق ما أعلن مسؤول فى الغرفة التجارية فى قطاع غزة الاثنين.

وفى بيان قال ماهر الطباع مسؤول العلاقات العامة فى الغرفة أنه “بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الكارثية فى قطاع غزة قررت مؤسسات القطاع الخاص وقف تنسيق دخول كافة البضائع عبر معبر كرم أبو سالم الثلاثا وليوم واحد فقط كخطوة أولى”.

وأشار إلى أن هذه الخطوة ستترافق مع تظاهرة ووقفة احتجاجية الثلاثاء أمام مقر مجلس الوزراء الفلسطينى فى غزة.

وكانت مؤسسات القطاع الخاص قبل نحو أسبوعين أضربت إضرابا تجاريا عاما فى القطاع هو الأول من نوعه احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية

ارتفاع الفقر لـ 65 %

ومن جانب كل تلك المظاهر الصعبة، فإن نسبة الفقر بدأت في الارتفاع بشكل كبير، بسبب ما يعانيه القطاع من ارتفاع نسبة البطالة التى تتجاوز 40% فى ظل كساد تجارى غير مسبوق.

وبحسب تقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الشهر الماضي، فإن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة للعام العاشر على التوالي رفع نسبة الفقر بين سكانه إلى 65%.

وذكر المركز في تقرير صدر نهاية الأسبوع الماضي أن نسبة البطالة في غزة ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى 47%، وأن 80% من سكان القطاع باتوا يعتمدون على المساعدات الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة اليومية.

وأكد التقرير أن الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عشر سنوات يمثل “انتهاكا صارخا لحقوق سكان غزة الاقتصادية والاجتماعية”.

وكان البنك الدولي أصدر تقريرا في سبتمبر 2016 أفاد بأن نسبة البطالة في غزة بلغت 43% وأن نسبة الفقر بلغت 60%.

لا كهرباء ولا وقود

ووفقا لتقارير صحفية فإن المواطنين الغزاويين باتوا يُمنون أنفسهم ببقاء جدول الكهرباء 6 ساعات يومياً مقابل قطعها 12 ساعة، نتيجة إعلان الاحتلال الإسرائيلي إبلاغ السلطة الفلسطينية له بوقف تمويل إمداد غزة بالكهرباء.

ويزود الاحتلال غزة بالكهرباء عبر 10 خطوط تنتج 125 ميجاواطاً وتشكّل نحو ربع الكهرباء الثابتة في القطاع، وتقول جهات الاختصاص في غزة إنّ إسرائيل تأخذ ثمن الكهرباء من المقاصة الضريبية، التي تجريها بدلاً عن السلطة في معابر الاحتلال التي ترتبط بغزة.

وسرعان ما انتشرت أخبار التهديدات لغزة، وتحوّل بعضها إلى واقع ملموس، حتى اصطفت عشرات السيارات على محطات الوقود في مناطق مختلفة من القطاع، ما تسبب في أزمة، لم تنجح معها التطمينات الحكومية في غزة بعدم وجود أزمة في الوقود وتوفّره بما يكفي لحاجة السكان من إنهائها، ما أدى إلى نفاد كميات الوقود من المحطات المحلية.

التحريض على حماس

وبينما تعاني “حماس” ما يعانيه الشعب الغزاوي من حصار ضارٍ، بدأت وسائل إعلام إسرائيلية، وشخصيات سياسية ومسؤولون صهاينة في التحريض ضد “حركة المقاومة الإسلامية حماس” بصورة تشير إلى احتمالات نشوب حرب قريبة على القطاع.

وعلى ما يبدو أن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان قد استغل فرصة الأزمات في القطاع فأخذ في التحريض ضد غزة، في محاولة لإعفاء الاحتلال والحصار من المسؤولية عن الوضع في القطاع.

وقال ليبرمان خلال اجتماع لكتلة حزبه، يسرائيل بيتينو، إن هناك تدهورا في قطاع الخدمات المختلفة لكنها ليست أزمة”، محملا كلا من فتح وحماس مسؤولية هذا الوضع، وقال إنهم يرفضون “تحمل مسؤولياتهم، ونحن لسنا طرفًا في هذا”، متناسيًا السبب الرئيسي وهو الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ أكثر من 10 سنوات.

وتابع ليبرمان “حماس أنفقت 260 مليون دولار عام 2017 على صناعة القذائف وحفر الأنفاق، 100 مليون دولار منها جاءت من إيران والباقي من التبرعات وجباية الضرائب، لم ينفقوا أي دولار على الصحة أو التعليم أو أي شيء آخر، حماس مستعدة للتضحية بكل قطاع غزة وعدم تخصيص أي مبلغ لهم” بحسب زعمه.

إسرائيل تمهد للحرب

ومع تأزم الأوضاع في غزة بدأت إسرائيل في التمهيد لشن حرب وشيكة على قطاع غزة، حيث اعتبر رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي غادي آيزنكوت، في تصريحات له  أول أمس، أن احتمال نشوب حرب في قطاع غزة خلال العام 2018 الجاري ترتفع، بسبب الأزمة الإنسانية المتصاعدة في القطاع الذي المحاصر منذ 13 عامًا.

وقال آيزنكوت خلال جلسة الحكومة، إن الوضع في القطاع يتدهور في مجال المياه والمواد الغذائية والكهرباء، وأشار إلى أن أزمة الكهرباء هي الأكثر حساسية نظرًا لظروف الطقس الصعبة والحاجة الماسة إلى التدفئة، بحسب ما نقلت القناة الإسرائيلية العاشرة عن وزيرين حضرا الاجتماع.

وتابع قائلا “: هناك فرصة أكبر لاندلاع جولة أخرى من القتال حيث احتمالات المواجهة في تصاعد”.

فيما تؤكد مصادر أمنية إسرائيلية في تقرير لها أن قطاع غزة يتجه إلى الانهيار الاقتصادي والحياتي مما ينذر بمواجهة عسكرية.

ووفقا للمواقع العبرية فإنه جرى إطلاع نتنياهو على الوضع المتدهور في قطاع غزة والذي ينص على أن إسرائيل ستضطر إلى ضخ المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والأدوية المباشرة إلى قطاع غزة، إذا لم يتم ضخ مساعدات أجنبية للقطاع.

بالإضافة إلى ذلك، قال مصدر أمني إسرائيلي “إنه نتيجة لتفاقم الوضع في قطاع غزة، هناك فرصة كبيرة لمواجهة عسكرية”.

وحسب القناة الثانية الإسرائيلية، فإن تقديرات الوضع على صعيد القطاع خطيرة بشكل خاص، إذ بعث كبار قادة الأمن تحذيراتهم لنتنياهو مؤخرا بشأن دلائل على تدهور دراماتيكي في الوضع الاقتصادي والإنساني داخل القطاع.

وذكر التقرير أن “الوضع بالقطاع يسير نحو الهاوية ما يرفع من فرص اندلاع مواجهة عسكرية على الرغم من عدم رغبة حماس بجولة أخرى”.