كتبه – بسام الظاهر
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ في استراتيجية جديدة للتعامل مع روسيا خلال الفترة المقبلة، غير تلك التي يتبعها منذ وصوله للحكم التي ساهمت في توتر العلاقات بين البلدين.
ترامب يحاول التوصل لاتفاقات مع روسيا حيال عدد من القضايا الدولية وأخرى خاصة بالمنطقة العربية، خاصة بعد فشله في حسمها على مدار الأشهر الماضية.
وربما أدرك الرئيس الأمريكي أن روسيا باتت فاعلا رئيسيا في عدد من القضايا المحورية، خاصة وأن أمريكا لديها مشكلات كبيرة من الأطراف القريبة من موسكو.
ويطمح ترامب في أن يؤدي تحسن العلاقات مع روسيا إلى حسم القضايا الخلافية والصراعات، فهل هذا إقرار بانتهاء عهد الهيمنة الأمريكية وعودة ثنائية القطبين.
توطيد العلاقة
وبقدر ما يرغب ترامب في حسم القضايا الخلافية، والتي بالتأكيد روسيا لديها أدوات ضغط على عدة دول، وتحديدا كوريا الشمالية وإيران، فإنه لا يمكن إغفال رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الآخر.
ووجد ترامب الذي سعى للتقارب مع روسيا خلال الأيام القليلة الماضية، ترحيبا من موسكو حيال هذه الخطوة في إطار تحقيق مزيد من التفاهم.
الرئيس الأمريكي يرغب في حلول للأزمات الملحة التي تواجهه في أقرب وقت ممكن، وربما أدرك أنه لا انفراجة بدون تدخل روسي، التي سبق وأعلنت استعدادها للوساطة في ملف كوريا الشمالية.
وفي إبريل الماضي، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، استعداد بلاده للوساطة بين أمريكا وكوريا.
وقال لافروف: إن موسكو تأمل ألا تقوم واشنطن بخطوات أحادية الجانب حيال كوريا الشمالية كما فعلت في سوريا.
وحاول وزير الخارجية الروسي تهدئة الموقف، بالتأكيد على أن موسكو لا يمكنها أن تقبل التصرفات النووية المتهورة لكوريا الشمالية لكنها تأمل ألا تتخذ الولايات المتحدة أي إجراءات أحادية ضد بيونج يانج.
وفي المقابل ترغب روسيا هي الأخرى في تحقيق تقدم في العلاقات مع أمريكا، لوقف سيل العقوبات التي تفرض على مؤسساتها وأشخاص نافذين لديها.
وأعلن البيت الأبيض في أغسطس الماضي، توقيع الرئيس دونالد ترامب عقوبات على روسيا، بعد موافقة مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية.
وبالتالي فإن روسيا تحاول استمالة ترامب من أجل إنهاء حالة التوتر الشديدة في العلاقات.
والتقى ترامب وبوتين لفترة وجيزة على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبك) في فيتنام، السبت الماضي، واتفقا على بيان مشترك يدعم حلا سياسيا للأزمة السورية لكنهما لم يجريا محادثات ثنائية.
ترامب و بوتين
غزل ثنائي
هذه الرغبة الثنائية في تحسين العلاقات ظهرت بوضوح من خلال امتداح الرئيسين بعضهما البعض بشكل ملفت، دون خروج أي تصريحات يمكن أن تعكر رغبة الطرفين.
بوتين قال إنه أجرى حوارا طبيعيا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وامتدح سلوك نظيره الأمريكي، ووصفه بالإنسان الودود والمريح في التعامل والحوار.
وأضاف: “ترامب شخص على قدر كبير من التربية، ومريح في التعامل من أجل العمل المشترك”.
ورد الرئيس الأمريكي في تغريدات، أنه التقى بوتين في “أبيك” وكان بينهما حديث جيد حول سوريا، وكوريا الشمالية متمنيا أن تخرج الجهود بحل للمشاكل.
وأضاف: “متى ستعرفون أيها الحمقى أنه من الجيد أن نكون على علاقة جيدة مع روسيا، ليس أمرا سيئا، أريد أن أحل المشاكل في كوريا، وأوكرانيا، وسوريا، ومشكلة الإرهاب، وروسيا يمكنها المساعدة”.
وتابع الرئيس الأمريكي: “ألا تذكرون كيف كانت هيلاري كلينتون أيام كانت على رأس وزارة الخارجية تستجدي الصداقة مع روسيا، وكيف حاول أوباما ذلك، لكنه لم يكن يملك كاريزما مع بوتين”.
ولكن الغريب أن على الرغم من هذه التصريحات المتبادلة إلا أنه لم يحدث لقاء بينهما على هامش اللقاء في فيتنام.
وربما يأتي هذا بسبب عدم الرغبة الأمريكية في الدخول في تقوية العلاقات مع روسيا، بفعل الضغوط الداخلية بسبب التحقيقات حول تدخل موسكو في الانتخابات الماضية لصالح ترامب.
وكشف الكرملين في بيان له، أن السبب في عدم عقد لقاء ثنائي بين ترامب وبوتين هو الجانب الأمريكي.
ولكن هذا المدح الثنائي بين الجانبين ربما يتحول في أي وقت إلى توتر شديد بين الجانبين مرة أخرى، إذا لم يتم التوصل لاتفاق حيال أزمات كوريا الشمالية وإيران، والضغط عليهما بشأن البرنامج النووي للطرف الأول، والصواريخ الباليستية للطرف الثاني.
الأهم في هذه الجزئية، هو هل ستتمكن أجهزة التحقيق في أمريكا من إثبات علاقة روسيا في التدخل بالانتخابات؟ وإذا تم تأكيد الأمر سيكون هناك أزمة أكبر من فكرة الخلافات حول عدد من القضايا الإقليمية.
زعيم كوريا الشمالية
لا أحادية
تصريحات ترامب الأخيرة حيال الرغبة في التقارب مع روسيا، تكشف جانبا مهما لناحية إنهاء فكرة أحاديث القطب الأوحد، والتي تفردت بها أمريكا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب البادرة بين الجانبين.
وبدا أن الخلافات حول عدد من القضايا لا يمكن خلها إلا بتوافق مع روسيا، التي تمكنت من توسيع نفوذها بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط.
وباتت موسكو طرفا فاعلا في الأزمة السورية بل تسيطر على القرار السوري، عقب التدخل العسكري، وبالتالي فإنها باتت جزءا من المعادلة الدولية.
ويبدو أن ترامب سيحاول دراسة كل الخيارات المتاحة للتعامل مع أزمة نووي بيونج يانج قبل تفاقم الوضع أكثر وأكثر خلال الفترة المقبلة، مع استمرار التهديدات لأمريكا ودول المنطقة.
وأجرى الرئيس الأمريكي مباحثات مع نظرائه من قادة الدول الأربعة الحليفة لواشنطن (كوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين واليابان)، لرسم سيناريوهات المستقبل، من خلال محاولة الضغط على كوريا الشمالية وحلفائها لوقف هذا التصعيد المرتبط بالبرنامج النووي.
وقال إتش.آر مكماستر مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض: “الرئيس يدرك أن الوقت ينفد منا (للتعامل مع كوريا الشمالية)، وسيطلب من كل الدول فعل المزيد”.
وأضاف أن ترامب سيحث الدول التي لها أكبر تأثير على بيونج يانج على “إقناع قادتها بأن السعي وراء أسلحة نووية طريق مسدود”، وأن عليها نزع السلاح النووي.
إذن فإن هناك تحركات على مستوى الدول الحليفة لتنسيق المواقف وبحث آليات الضغط على كوريا الشمالية وإحكام الحصار عليها، فضلا عن فتح خطوط اتصال مع حلفاء بيونج يانج، وربما ستلعب موسكو هذا الدور قريبا إذا لم يتم الضغط على ترامب داخليا حيال التقارب مع روسيا.
اضف تعليقا