تزايدت خلال العقد الماضي وتيرة شراء السعودية والإمارات لأندية أوروبية لكرة القدم، وذلك عبر الصناديق السيادية الضخمة التي تمتلكها الأسر الحاكمة في البلدين، وظهرت من خلال شراء الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، لنادي مانشستر سيتي الإنجليزي، بينما جاءت السعودية متأخرة باستحواذ صندوقها السيادي على نادي نيوكاسل الإنجليزي، بعد اعتراضات كبيرة من نشطاء وحقوقيين غربيين، وتثير خطوة سعى تلك الدول لامتلاك الأندية الأوروبية التساؤلات حول الهدف الحقيقي من عمليات الشراء؟
الإمارات:
ولم تكتفي الاستثمارات الإماراتية فقط بالاستحواذ على نادي مانشستر سيتي، بل شملت استثمارات الشيخ منصور بن زايد نادي ملبورن الأسترالي، ونادي نيويورك سيتي الأمريكي، كما يمتلك حصصًا في عدد من الأندية في اليابان، وإسبانيا، والصين، والأورغواي.
ويرتبط النادي “مانشستر سيتي” الإنجليزي باتفاقية رعاية طويلة الأمد مع شركة “طيران الاتحاد” الحكومية الإماراتية.
بينما تستحوذ مجموعة “الإمارات الملكية” التي يملكها بطي بن سهيل آل مكتوم، على نادي خيتافي ثالث أكبر فرق العاصمة الإسبانية منذ عام 2011.
وترعى شركة “طيران الإمارات” الحكومية، أندية أوروبية كبيرة في مجال كرة القدم، مثل نادي “أرسنال” الإنجليزي، ويطلق إسم الإمارات على ملعب الفريق الإنجليزي، بالإضافة لدخولها رياضات أخرى كسباقات الفورمولا 1 منذ عام 2013، والتنس والغولف والركبي.
وسبق أن رعت الشركة الإماراتية أندية “باريس سان جيرمان” الفرنسي، و”إسي ميلان” الإيطالي، و”بنفيكا” البرتغالي، و”هامبورغ” الألماني، بالإضافة لرعاية نادي “ريال مدريد الأسباني”.
السعودية:
على الرغم من التأخر السعودي في مزاحمة الإمارات في استثماراتها في الاندية الاوروبية، إلا إنها حصلت على نصيب جيد من الاستثمارات، آخرها الاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي لكرة القدم
ويملك الأمير عبدالله بن مساعد آل سعود، وهو أحد أمراء العائلة الحاكمة في السعودية، نسبة من أسهم نادي “شيفيلد يونايتد” الإنجليزي منذ سبتمبر 2013، قبل أن يكمل استحواذه على النادي بعد ستة أعوام.
وفي نوفمبر 2019، حصل تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، والمقرب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على نادي “ألميريا” الإسباني، الذي ينشط في الدرجة الثانية.
أرباح طائلة:
تبنت الإمارات والسعودية خطط كبيرة لتنويع أنشطتها الاقتصادية وزيادة أرباحها، وذلك من خلال جذب الفعاليات الرياضية العالمية، والترويج لنفسها كوجهات سياحية عالمية، وذلك من خلال استضافة الفعاليات العالمية لكرة القدم، كاستضافة السعودية لكأس السوبر الأسباني أو استضافة الإمارات لكأس العالم للأندية.
بالإضافة للأرباح التي تحظى بها الأسر الحاكمة من عمليات الاستثمار الرياضي، فقد حظي استثمار الشيخ منصور بن زايد آل نهيان في نادي مانشستر سيتي باهتمام واسع. فمن الناحية المالية، تحول النادي من خسائر بلغت قيمتها بنحو 197 مليون جنيه استرليني (258.5 مليون دولار) في العام 2010/2011 بالتزامن مع الاستحواذ والانفاق على شراء لاعبين جدد، حتى أصبح النادي في المرتبة السادسة بين عمالقة كرة القدم في أوروبا من حيث إجمالي الإيرادات مسجلاً عائدات قياسية بلغت نحو 702.4 مليون دولار (535.2 مليون جنيه) خلال العام المالي المنتهي في حزيران/يونيو 2019، وبلغت أرباحه نحو 10.1 مليون جنيه. وعلى مدى 10 سنوات، بلغ إجمالي الإنفاق على النادي نحو 1.9 مليار دولار، منها نحو 198 مليون دولار فقط بدل الاستحواذ، وهو أعلى إنفاق مقارنة بالأندية الأخرى
وحصلت مجموعة سيتي لكرة القدم (CFG) المالكة للنادي خلال العام الماضي على تقييم هو الأعلى عالمياً بين أندية كرة القدم بلغ نحو 4.8 مليار دولار، مع ضخ صندوق للملكيات الخاصة التابع لشركة “سيلفر لييك” نحو 500 مليون دولار في النادي واستحواذه بالمقابل على 10 في المئة من أسهم الشركة الأم.
تبييض للسمعة:
لا يمكن اعتبار الربح السبب الحقيقي والأول للاستثمارات الإماراتية والسعودية في الأندية الأوروبية، بل تسعى الدولتان الخليجيتان لاستخدام أموالها الطائلة، لتبييض سجلهما السيئ في انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك باستضافة الفعاليات الرياضية المختلفة والمهرجانات العالمية.
ودائمًا ما توجه منظمات حقوقية دولية إقليمية اتهامات للإمارات والسعودية بانتهاك حقوق الإنسان، والتجسس، ودعم منظمات إرهابية، وأخرها الكشف عن تجسس السعودية على معارضين سعوديين بالخارج، بل كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن اختراق السعودية لهاتف مالك الصحيفة الملياردير الأمريكي، جيف بيزوس.
وسبق أن أشارت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، إلى محاولات السعودية لإصلاح صورتها الخارجية، خاصة بعد مقتل الصحفي المعارض السعودي “جمال خاشقجي” داخل قنصلية بلاده اسطنبول عام 2018، وذلك عن طريق الرياضة.
بينما كشف موقع ” إنسايد إرابيا” أن محمد بن سلمان لم يظهر اهتماماً بشراء نادي “نيوكاسل” الإنجليزي من فرط حبه في كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ولكن رأى البعض أنها فرصة جيدة لتحسين صورته وسمعته التي تلوثت بسبب قمعه لحرية التعبير في بلاده، خاصة وأن هذه الصفقة ستكون في بلاد غريبة، يظن أن سمعته هناك لن تؤثر على انخراطه بينهم.
وأكد المحللين أن لابن سلمان ثلاث أهداف رئيسية لتمسكه بشراء النادي الجماهيري، الأول: استخدام النادي كاستثمار شخصي له وللسعودية، والثاني: اتباع سياسة قادة دول الخليج الأخرى الذين يستخدمون كرة القدم كـ “غسيل” لصورتهم الملوثة والمشوهة بفضل أفعالهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان وذلك من خلال ربط أنفسهم بلعبة يحبها العالم، والثالث: استخدام أموال صندوق الاستثمار السعودي في صفقات كهذه ليسمح للحكومة السعودية باستعراض عضلاتها المالية وإثبات قوتها.
وتعتبر الإمارات والسعودية من أكثر دول العالم انتهاكًا لحقوق الإنسان، واعتقال النشطاء والمفكرين، والتنكيل والتعذيب الممنهج لهم.
اضف تعليقا