تشهد الاستثمارات الخارجية لصندوق الاستثمارات العامة السعودي تصاعدًا كبيرًا، ما يدفع بمزيد من الأصوات الحقوقية والسياسية إلى انتقاد هذه الأنشطة باعتبارها محاولات لغسيل السمعة وإخفاء سجل المملكة السيئ في حقوق الإنسان.

في هذا السياق، تسلط تقارير دولية الضوء على صفقات الشراكة التي يعقدها الصندوق مع مؤسسات رياضية واقتصادية دولية. هذه الصفقات، وفقًا لمنظمات حقوقية، تخدم هدفًا مزدوجًا: تحسين صورة السعودية دوليًا مع تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي.

يشار إلى أنه في أغسطس الماضي، أعلن اتحاد الكونكاكاف عن شراكة استراتيجية مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي. الاتحاد، الذي يمثل دول أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي، برر الصفقة بأنها تهدف إلى تطوير كرة القدم في منطقته عبر استثمارات ضخمة.

لكن منظمة “هيومن رايتس ووتش” لم تلتزم الصمت، إذ وصفت الصفقة بأنها “غسيل رياضي”، وانتقدت تواطؤ الاتحاد مع سجل السعودية الأسود في حقوق الإنسان، بما في ذلك قمع النساء والصحفيين والمدافعين عن الحقوق.

من جانبها، ذكرت مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية بالمنظمة، أن هذه الصفقة تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). ورغم التزام الفيفا على الورق بتعزيز حقوق الإنسان، يبدو أنه يغض الطرف عن انتهاكات الشركاء المحتملين، كما هو الحال مع المملكة.

الاستثمار في الكونكاكاف

لا تقتصر أنشطة الصندوق على الكونكاكاف؛ إذ يمتلك صندوق الاستثمارات نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي وأربعة فرق في الدوري السعودي، فضلًا عن شراكات مع اتحاد لاعبي التنس المحترفين ولاعبات التنس المحترفات.

كما شملت الاستثمارات اتفاقيات رعاية مع شركة “طيران الرياض”، التي أصبحت الشريك الجوي الرسمي للكونكاكاف، وشركة “أرامكو” للطاقة، التي دخلت في شراكة لرعاية مسابقات الاتحاد.

 

التوسع السعودي لم يقتصر على الرياضة، بل امتد إلى قطاعات العقارات والتكنولوجيا في الولايات المتحدة. في هذا الإطار، أثار عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي، ريتشارد بلومنثال ورون جونسون، مخاوف بشأن النفوذ السعودي داخل الولايات المتحدة.

في جلسة استماع عام 2023 حول صفقة الجولف بين صندوق الاستثمارات العامة ورابطة PGA الأمريكية، وصف بلومنثال الأنشطة السعودية بأنها “محاولات لشراء النفوذ” داخل المؤسسات الأمريكية.

اللجنة الفرعية للتحقيقات في مجلس الشيوخ شددت على أن الاستثمارات السعودية ليست مجرد صفقات تجارية، بل أدوات للتأثير السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة.

 

غسيل سمعة بن سلمان الملوثة 

رغم اعتماد الفيفا مبادئ الأمم المتحدة بشأن الأعمال وحقوق الإنسان، إلا أن الواقع يظهر عجزًا واضحًا في تطبيق هذه المبادئ، لكن صفقة الكونكاكاف هي مثال صارخ على ذلك؛ إذ تجاهلت هذه المؤسسة متطلبات حقوق الإنسان، متجاهلة الانتقادات التي وجهتها هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات.

فيما تظهر هذه الأنشطة أن السعودية تتبنى استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي على الساحة الدولية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن للسعودية الاستمرار في استخدام المال كوسيلة لإخفاء الانتهاكات الحقوقية؟ أم أن المجتمع الدولي سيستجيب لهذه التحركات بتشريعات وضوابط أقوى؟

الخلاصة يجب على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أن تواجه بحزم هذه الأنشطة التي تستهدف تحسين صورة أنظمة قمعية على حساب المبادئ الإنسانية، كذلك فإن ما يحدث اليوم ليس مجرد شراكات تجارية عادية، بل معركة بين القيم العالمية والمال السياسي. لذلك، يتطلب الأمر جهودًا متضافرة لفضح هذه الأنشطة وضمان التزام المؤسسات الدولية بمبادئها.

اقرأ أيضًا : حدث جلل.. ما دلالات مقـــ،،،ــتل الحاخام الإسرائيلي في الإمارات؟ كيف اختفى؟ ولماذا ذهب إلى هناك؟.. إليك التفاصيل