لم يجد المحللون تفسيرًا لزيارة جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية في يوليو/تموز المنصرم إلى أن الرئيس الأمريكي قرر “ابتلاع كبريائه” والسفر إلى محمد بن سلمان ومصافحته شخصيًا بقبضة اليد التي أثارت جدلًا واسعًا في صفوف النقاد والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين اتهموه بالنفاق والتخلي عن وعوده بجعل المملكة “منبوذة” عقابًا على الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الحقوقية التي نفذها بن سلمان ونظامه.

 

كان من الممكن أن يتغاضى المعارضون عن ازدواجية معايير بايدن في حال أثمرت هذه الزيارة عن مكاسب حقيقية كأن يتشكل تحالف يُضعف “روسيا بوتين”، لكن حتى اللحظة، لم تظهر أي بوادر لتحقيق بايدن أي مصلحة، بل على العكس تمامًا، ازدادت علاقة ولي العهد السعودي الاستبدادي توطدًا مع بوتين من ذلك الحين.

السؤال الآن: هل يوجد ما يفعله بايدن لثني السعودية عن الاقتراب من روسيا وجذبها للولايات المتحدة؟

 

الجواب السعودي لهذا السؤال: نعم… أن يختفي بايدن من الصورة، وأن يُستبدل برئيس آخر، حبذا لو كان دونالد ترامب؛ علاقات ولي العهد السعودي بأسرة ترامب حميمة وعميقة كعمق توتر علاقته مع بايدن وإدارته، ولعل هذا هو السبب الأبرز وراء سعي المملكة لتكوين تحالفات مع دول أخرى على حساب علاقتها بأمريكا.

 

توجد ثلاثة أسباب للاعتقاد بأن المملكة العربية السعودية تحت قيادة بن سلمان ستشكل مشكلة متنامية لأمريكا في عهد بايدن، السبب الأول: سببًا ماليًا. التحدي الأكبر الذي يواجهه بايدن الآن هو كيفية ضمان عدم انعكاس هبوط أسعار النفط الأخير على الاقتصاد المحلي، إذ أن هذا الانخفاض، الذي حد من أرباح بوتين بالدولار وحسّن فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي المقبلة، لم يكن له تأثير كبير على المملكة العربية السعودية، بل كان مدفوعًا في الغالب بالتباطؤ الاقتصادي في الصين.

وبعد زيارة بايدن، وافق بن سلمان على رفع الإنتاج السعودي اليومي بمقدار 236 ألف برميل، لكنه اتفق مع بوتين في وقت سابق هذا الشهر على خفض ثلث ذلك من حصة “أوبك بلس”، لذلك من المحتمل إجراء مزيد من التخفيضات.

حسب المحللين، فإن السعوديين يفضلون ذلك عندما يكون النفط أكثر من 100 دولار للبرميل، وعليه قد يكون دافع الأمير محمد ماليًا أكثر منه جيوسياسيًا، لكن الأضرار الجانبية التي لحقت بايدن هي مكافأة.

 

السبب الثاني هو عداء ولي العهد “للخطب الأخلاقية” التي يلقيها الليبراليون الغربيون، إن تناقض بايدن الخطابي مع ترامب يشبه التناقض بين الليل والنهار، على سبيل المثال، يقسم بايدن العالم إلى أنظمة استبدادية وديمقراطيات، أما ترامب، الذي كانت رحلته الرئاسية الأولى إلى المملكة العربية السعودية، لديه ميل إلى تكوين علاقات وطيدة مع “المستبدين” الذين يعتبرهم أقوياء، وهو شيء ينطبق على محمد بن سلمان، الذي يتزايد استبداده يومًا بعد يوم.

 

يرجح محللون أن انسحاب بن سلمان من حضور جنازة الملكة إليزابيث الاثنين الماضي يرجع إلى استبداده في التعامل مع المعارضين، وهو الأمر الذي دفع النشطاء للاحتجاج في شوارع لندن على فكرة حضوره المملكة المتحدة من الأساس، وعليه كان حضوره الجنازة سيشكل حرجًا واسعًا، له وللعائلة الملكية في بريطانيا.

 

الشهر الماضي على سبيل المثال، أصدرت المحاكم السعودية أحكامًا قاسية على نشطاء ومعتقلي رأي بتهمة استخدام الانترنت للاحتجاج، من بين المحكومين امرأتين: سلمى الشهاب التي حكم عليها بالسجن لمدة 34 عامًا، ونورة القحطاني التي حكم عليها بالسجن لمدة 45 عامًا.

النظام السعودي وجد المرأتين إرهابيتين ومتطرفتين حسب معاييره ومواد اتهامه، وهو أمر مناف مثلًا لقيم ومعايير بايدن، التي يبدو أن بن سلمان أراد أن يؤكد أنه لا تأثير لها أو أهمية.

 

السبب الأخير هو أن محمد بن سلمان يفضل السياسية الخارجية الخاصة بترامب على سياسة بايدن، وهذا التفضيل لم يكن مجرد تصريحات وزيارات متبادلة، بل امتد لعلاقة شخصية بين ولي العهد وصهر ترامب جاريد كوشنر، الذي بالرغم من أنه لا يوجد له منصب رسمي في الدولة بعد رحيل ترامب، استثمر صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية -العام الماضي- ملياري دولار في شركة الأسهم الخاصة بكوشنر على الرغم من أن خبرة كوشنر السابقة الوحيدة كانت في الأعمال العقارية لعائلته.

 

وجدت لجنة فحص سعودية أن الاستثمار في شركة كوشنر أمر “غير مجد من جميع الجوانب”، لكن ولي العهد رئيس الصندوق أبطل قرار اللجنة وتابع تنفيذ قراراته الشخصية بضخ الأموال لصالح كوشنر الذي بدوره لم يتوقف عن الدفاع عن بن سلمان حين أظهرت نتائج تقرير الاستخبارات الأمريكية أنه مسؤول “بشكل كبير” عن عملية اغتيال خاشقجي الذي قُتل وقطعت أوصاله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018.

بالنسبة لابن سلمان، فإن ملياري دولار هي مخاطرة صغيرة يمكن تحملها مقابل “الربح الكبير المحتمل” إذا استعاد ترامب وعائلته البيت الأبيض.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا